شام

شام @sham_1

مستشاره بعالم حواء -

هل تعانون مثلي ...؟؟؟؟

الملتقى العام


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا بكم إخوتي وأخواتي ...

يأتي عليَّ أحيان أستصغر فيها أمور الدنيا وأراني أستخدمها فقط، ولكنها ليست في قلبي أبدًا، فأجد نفسي أعمل فيها، ولكنَّ كلَّ همِّي وتفكيري في أمور تتعلق بالعبادة والزهد والتضحية والبذل، وأنَّ هذه الدنيا ليست إلا محطة، فيجب أن أعمل لأحصد، ولكنها ليست الغاية في ذاتها.

ولكن بعد أن تأتي بعض المشاغل والمشاكل اليومية يجد الشخص نفسه يبدأ يفكر في الدنيا ويضعف سعيه للآخرة ونيل الشهادة في سبيل الله التي على الأقل نسعى أن ننال أجرها إن صدقنا مع الله فماذا أفعل؟؟.


يجيب الأستاذ ياسر محمود :


جزاك الله خيرًا على ثقتك بنا، ونسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يوفقك لما يحبُّه ويرضاه. وسنردُّ على تساؤلك من خلال استعراض النقاط التالية:-

أوَّلاً: ساعة وساعة:
أخي الفاضل إنَّ ما ذكرته من إقبالٍ على الآخرة، ثمَّ الانشغال ببعض أحوال الدنيا في بعض الأحيان أمرٌ بشريّ، فالإيمان يزيد وينقص، والهمَّة تقوى وتفتر، والإقبال على طاعة المولى عزَّ وجلَّ يقوى ويضعف، وهذه الزيادة وذلك النقصان في الإيمان لم يحدث معك أنت وحدك، بل حدث مع من وصفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بخير القرون.

فها هو الصحابي الجليل حنظلة الأسيدي يقصُّ علينا تجربته في هذا الأمر فيقول: "كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا فذكر النار، قال: ثمَّ جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! نافق حنظلة. فقال: "مه" فحدثته بالحديث، فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل، فقال: "يا حنظلة! ساعةٌ وساعة، ولو كانت ما تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر؛ لصافحتكم الملائكة، حتى تسلِّم عليكم في الطرق" رواه مسلم.

هكذا- أخي- الفاضل طبيعة النَّفس البشريَّة تتقلَّب وتتغيَّر بين الحين والآخر، وما علينا إلا أن نظلَّ يقظين عاملين على تهذيبها حتى نلفظ أنفاسنا الأخيرة ونحن لها مجاهدون.

ثانياً: وصايا عملية:
وهذه بعض الوصايا العمليَّة التي تساعدنا على التعامل مع فترات التراخي والخمول:-

1- لتكن فترتنا إلى سنته:
إذا ما أصابنا فتورٌ في الهمَّة وضعف في العزيمة ينبغي أن نلزم أنفسنا بالحدِّ الأدنى من الأداء ألا وهو المحافظة على الفرائض والبعد عن المعاصي، وذلك حتى لا نخرج عن الدائرة التي وضعها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات ضعفنا حين قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّة "النشاط والرغبة"، ولكلِّ شِرَّةٍ فترة "الانكسار والضعف"، فمن كانت فترته إلى سنَّتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" رواه الترمذي بسند صحيح.

2- الانطلاق عند النَّشاط:
وأمَّا في حالة النَّشاط والرغبة فعلينا أن نجد ونجتهد في العبادات ونكثر من النوافل، كصيام التطوَّع وقيام الليل والتصدُّق وغير ذلك من النوافل، وفي ذلك يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إنَّ للقلوب شهوةً وإقبالاً، وإنَّ للقلوب فترةً وإدبارًا، فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها، ودعوها عند فترتها وإدبارها".

3- نُحيل عاداتنا إلى قربات:
بأن نتوقَّف لحظاتٍ قبل كلِّ عملٍ لنضبط نيَّاتنا، فنُحيل بذلك أعمالنا اليوميَّة ومشاغلنا الحياتيَّة إلى طاعةٍ نتقرَّب بها إلى الله تعالى، فيحدث بذلك نوع من الانسجام في الشخصيَّة، فلا يشعر المرء بانفصامٍ بين مناشط الحياة اليوميَّة، ومناشط الآخرة ويظلُّ القلب مرتبطًا بالله عزَّ وجلَّ في كلِّ حركةٍ وسكنة، فتصبح حياته كما قال تعالى: "قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين".

4- نتَّخذ صحبة صالحة:
فمصاحبة الصالحين والنظر إليهم يذكِّر المرء بالآخرة ويدفعه للعمل لها، وهذا ما جعل التابعي الجليل الحسن البصري يقول: "إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وبنينا، فإخواننا يذكِّروننا بالله، وأهلونا يذكِّروننا بالدنيا"، وقال رجلٌ لداود الطائيّ: أوصني؟ قال: "اصحب أهل التقوى، فإنَّهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة، وأكثرهم لك معونة".

5- نبدأ بالطاعات الأقرب لنفوسنا:
لكلٍّ منَّا بعض الأعمال والطاعات المحبَّبة إلى نفسه، ولا يجد مشقَّةً في أدائها، ويشعر من خلالها بالقرب من الله أكثر من غيرها من الطاعات الأخرى، فلنبدأ بهذه الطاعات، ونكثر من أدائها كأساسٍ للعودة إلى مرحلة النشاط والإقبال.

6- نستعين بالله تعالى:
فنكثر من الدعاء والابتهال إليه سبحانه أن يعيننا على طاعته وأن يهب لنا من لدنه عملاً صالحًا، ونلحُّ في ذلك ولا نملُّ أبدا.

وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول ..
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ...
17
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

شام
شام
إيماني يبلى ..فكيف أجدده ؟؟؟


كنت طيلة حياتي سواء في طفولتي أو مراهقتي متصلة بالله عز وجل، وكنت أشعر بقربي من الله تعالى وبأني سعيدة في حياتي ربما لأن والدي متدينان وتأثرت بالجو العام ولله الحمد.

المشكلة بدأت منذ حوالي سنتين؛ بدأت صلتي بالله تبهت، بدأت أصلي ولا أعلم ما قرأت في صلاتي، بدأت أسمح لنفسي بأشياء كنت أتجنبها مثل سماع الأغاني، بدأت أشعر بعدم توفيق الله لي في معظم أموري.

أدركت أني أغضب الله فأستغفره كلما سنحت لي الفرصة وتعهدت الله بقيام الليل، ولكني أستيقظ ولا أصلي وأعود للنوم، وأندم في الصباح أشد الندم وهكذا كل يوم، وهجرت القرآن جزيئًا.

سؤالي هو : ماذا أفعل لأجدد علاقتي بالله وأعود كما كنت ؟ بصورة دائمة فأنا أخشى الموت وأنا على هذه الحالة، و جزاكم الله خيرًا.


يجيب الشيخ فتحي رمضان :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:

أختي الفاضلة:
من عظيم فضل الله عليك، أنك بدأت حياتك منذ الطفولة والمراهقة بالاتصال بالله عز وجل، والنتيجة التي كنت تشعرين بها من السعادة والأنس بالقرب من الله عز وجل، وأنك نشأت بين أبوين مسلمين متدينين هذه منة عظيمة من الله عز وجل، لا يحظى بها كثير من الناس.
ومن حق الله علينا أن نشكره على هذه النعمة، وأن نحافظ عليها، حتى يديمها الله ويتمها علينا. قال تعالى:{... لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.

وأما الفتور الذي حدث منذ سنتين فهذا لا بد أن له أسبابًا، ومن الواجب عليك أن تبحثي عن هذه الأسباب لتفاديها، ولترجعي إلى الله عز وجل. وتذكري أن الشيطان لنا بالمرصاد، وقد أقسم بعزة الله سبحانه وتعالى على إغواء بني آدم؛ إلا من رزقه الله الإخلاص فحفظه من نزغ الشيطان وإغوائه.

والشيطان لا يأخذ الإنسان مرة واحدة من الطاعة إلى المعصية، ومن الجدية إلى الفتور، ومن القرب من الله إلى البعد عنه.

ولكنه يحتال لذلك حتى يصل إلى أمله المنشود، عصمنا الله جميعًا منه، فهو يمهد لذلك تمهيدًا، فمثلاً إذا كان يريد من المسلم أن يبعده عن صلاة الجماعة، لا يأخذه مرة واحدة، ولكنه يحاول أن يؤخره عن الوضوء حتى تقام الصلاة مثلاً، فتفوته الركعة الأولى من الجماعة، ثم بعد ذلك يمهد له حتى يفوت عليه الركعة الثانية أيضًا، وهكذا حتى يفوت عليه صلاة الجماعة.

ويأخذه خطوة خطوة حتى يصل به إلى البعد عن الله عز وجل. وحرمانك من قيام الليل هو بسبب هذا الفتور، وكذلك هجرك للقرآن يترتب على ذلك.

ولتحسين الصلة بالله وتوثيق العلاقة به عليك أن ترجعي إلى تعهد القرآن وأن تكوني جادة في ذلك فتقرئيه بترتيب وتدبر وتفهم واعتبار؛ لتصل معاني القرآن إلى شغاف قلبك وتستشعري من القراءة عظمة القرآن وعظمة الله عز وجل، القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم:( طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَّخْشَى) (طه: 1-3)، فتنبت خشية الله عز وجل والخوف منه في قلبك، فترجعين كما كنت، طائعة صوامة قوامة، بل وأحسن مما كنت إن شاء الله تعالى.

أختي الكريمة:
إن تدبر القرآن في الصلاة يجعلك في خشوع لله عز وجل، فعندما تقرئين الفاتحة تعايشي معها، ومع معنى كل آية منها، فتذكري عندما تقرئين {الحمد لله رب العالمين} أنك تحمدين الله عز وجل على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، وعندما يقول العبد { الحمد لله رب العالمين} يقول الله سبحانه وتعالى: "حمدني عبدي"، وعندما يقول {الرحمن الرحيم} يقول الله عز وجل: "أثنى عليّ عبدي"، فإذا قال العبد:"مالك يوم الدين" يقول الله عز وجل "مجدني عبدي"، وإذا قال العبد "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول الله عز وجل: "هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل".

فهل يليق منا أن يكون لساننا في واد وقلبنا في واد آخر؟!، هل يليق منا أن نعرض عن الله تعالى وهو مقبل علينا، وهو غني عنا ونحن في أمس الحاجة إليه؟!

كذلك يجب أن نكون في خضوع تام لله عز وجل، ونحن في حال الركوع والسجود، اعترافًا منا بعظمته وقدرته. فهذا مما يعين على تحصيل الخشوع لله سبحانه وتعالى.

وأيضا فإن دراسة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمعن في معانيها والعمل بما فيها هو مما يعين على تجديد الإيمان وتوثيق الصلة بالله عز وجل، وهناك أيضًا تذكر الموت الذي هو نهاية كل حي، ولا يدري الإنسان متى ينقضي عمره، قال الله تعالى في الدستور الخالد:( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (يونس:49)، وهذه الدنيا فانية زائلة بكل ما فيها، وكل ما فيها لسان حاله يذكرنا بالعودة إلى الله سبحانه وتعالى، ويذكرنا بالموت الذي لا بد منه.

فلسان حال الأرض يقول لنا:
اعلم يا ابن آدم... أنك اليوم تمشي على ظهري وغدا ستصير في بطني.
يا ابن آدم... اليوم تضحك على ظهري وغدا ستبكي في بطني.
يا ابن آدم... اليوم تأكل الألوان على ظهري وغدا تأكلك الديدان في بطني.
يا ابن آدم... اليوم تفرح على ظهري وغدا ستحزن في بطني.
يا ابن آدم... اليوم تذنب على ظهري وغدا تعذب في بطني.
ولسان حال القبر يقول: أنا بيت الغربة.. أنا بيت الوحشة.. أنا بيت الدود.
وما من يوم جديد إلا وينادي: يا ابن آدم.. أنا يوم جديد، على عملك شهيد، فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.

فعليك أختي المسلمة تذكر هذا كله والتمعن فيه، والاستعداد للوقوف بين يدي من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وبالتفكر في هذا كله وخاصة في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

كما أوصيك بالاطلاع على ما تيسر لك من كتب الرقائق والإيمانيات، وأرشح لك منها:
1-(كتاب المستخلص في تزكية الأنفس للشيخ سعيد حوى).
2- كتاب (مختصر منهاج القاصدين لا بن قدامه المقدسي).
3- الزهد والرقائق للشيخ أحمد فريد.
4- إحياء علوم الدين للإمام أبو حامد الغزالي.
5- الإيمان... حقيقته وأركانه و نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين.

كما يمكنك أن تشتري أسطوانة الزهد والرقائق إنتاج شركة التراث وقد حوت كل ما كتب في الزهد والرقائق، وستعودين أفضل مما كنت سابقًا إن شاء الله تعالى، والله الموفق والمرشد إلى الصواب. وتابعينا بأخبارك.
شام
شام
شام شام :
إيماني يبلى ..فكيف أجدده ؟؟؟ كنت طيلة حياتي سواء في طفولتي أو مراهقتي متصلة بالله عز وجل، وكنت أشعر بقربي من الله تعالى وبأني سعيدة في حياتي ربما لأن والدي متدينان وتأثرت بالجو العام ولله الحمد. المشكلة بدأت منذ حوالي سنتين؛ بدأت صلتي بالله تبهت، بدأت أصلي ولا أعلم ما قرأت في صلاتي، بدأت أسمح لنفسي بأشياء كنت أتجنبها مثل سماع الأغاني، بدأت أشعر بعدم توفيق الله لي في معظم أموري. أدركت أني أغضب الله فأستغفره كلما سنحت لي الفرصة وتعهدت الله بقيام الليل، ولكني أستيقظ ولا أصلي وأعود للنوم، وأندم في الصباح أشد الندم وهكذا كل يوم، وهجرت القرآن جزيئًا. سؤالي هو : ماذا أفعل لأجدد علاقتي بالله وأعود كما كنت ؟ بصورة دائمة فأنا أخشى الموت وأنا على هذه الحالة، و جزاكم الله خيرًا. يجيب الشيخ فتحي رمضان : الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد: أختي الفاضلة: من عظيم فضل الله عليك، أنك بدأت حياتك منذ الطفولة والمراهقة بالاتصال بالله عز وجل، والنتيجة التي كنت تشعرين بها من السعادة والأنس بالقرب من الله عز وجل، وأنك نشأت بين أبوين مسلمين متدينين هذه منة عظيمة من الله عز وجل، لا يحظى بها كثير من الناس. ومن حق الله علينا أن نشكره على هذه النعمة، وأن نحافظ عليها، حتى يديمها الله ويتمها علينا. قال تعالى:{... لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. وأما الفتور الذي حدث منذ سنتين فهذا لا بد أن له أسبابًا، ومن الواجب عليك أن تبحثي عن هذه الأسباب لتفاديها، ولترجعي إلى الله عز وجل. وتذكري أن الشيطان لنا بالمرصاد، وقد أقسم بعزة الله سبحانه وتعالى على إغواء بني آدم؛ إلا من رزقه الله الإخلاص فحفظه من نزغ الشيطان وإغوائه. والشيطان لا يأخذ الإنسان مرة واحدة من الطاعة إلى المعصية، ومن الجدية إلى الفتور، ومن القرب من الله إلى البعد عنه. ولكنه يحتال لذلك حتى يصل إلى أمله المنشود، عصمنا الله جميعًا منه، فهو يمهد لذلك تمهيدًا، فمثلاً إذا كان يريد من المسلم أن يبعده عن صلاة الجماعة، لا يأخذه مرة واحدة، ولكنه يحاول أن يؤخره عن الوضوء حتى تقام الصلاة مثلاً، فتفوته الركعة الأولى من الجماعة، ثم بعد ذلك يمهد له حتى يفوت عليه الركعة الثانية أيضًا، وهكذا حتى يفوت عليه صلاة الجماعة. ويأخذه خطوة خطوة حتى يصل به إلى البعد عن الله عز وجل. وحرمانك من قيام الليل هو بسبب هذا الفتور، وكذلك هجرك للقرآن يترتب على ذلك. ولتحسين الصلة بالله وتوثيق العلاقة به عليك أن ترجعي إلى تعهد القرآن وأن تكوني جادة في ذلك فتقرئيه بترتيب وتدبر وتفهم واعتبار؛ لتصل معاني القرآن إلى شغاف قلبك وتستشعري من القراءة عظمة القرآن وعظمة الله عز وجل، القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم:( طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَّخْشَى) (طه: 1-3)، فتنبت خشية الله عز وجل والخوف منه في قلبك، فترجعين كما كنت، طائعة صوامة قوامة، بل وأحسن مما كنت إن شاء الله تعالى. أختي الكريمة: إن تدبر القرآن في الصلاة يجعلك في خشوع لله عز وجل، فعندما تقرئين الفاتحة تعايشي معها، ومع معنى كل آية منها، فتذكري عندما تقرئين {الحمد لله رب العالمين} أنك تحمدين الله عز وجل على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، وعندما يقول العبد { الحمد لله رب العالمين} يقول الله سبحانه وتعالى: "حمدني عبدي"، وعندما يقول {الرحمن الرحيم} يقول الله عز وجل: "أثنى عليّ عبدي"، فإذا قال العبد:"مالك يوم الدين" يقول الله عز وجل "مجدني عبدي"، وإذا قال العبد "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول الله عز وجل: "هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل". فهل يليق منا أن يكون لساننا في واد وقلبنا في واد آخر؟!، هل يليق منا أن نعرض عن الله تعالى وهو مقبل علينا، وهو غني عنا ونحن في أمس الحاجة إليه؟! كذلك يجب أن نكون في خضوع تام لله عز وجل، ونحن في حال الركوع والسجود، اعترافًا منا بعظمته وقدرته. فهذا مما يعين على تحصيل الخشوع لله سبحانه وتعالى. وأيضا فإن دراسة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمعن في معانيها والعمل بما فيها هو مما يعين على تجديد الإيمان وتوثيق الصلة بالله عز وجل، وهناك أيضًا تذكر الموت الذي هو نهاية كل حي، ولا يدري الإنسان متى ينقضي عمره، قال الله تعالى في الدستور الخالد:( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (يونس:49)، وهذه الدنيا فانية زائلة بكل ما فيها، وكل ما فيها لسان حاله يذكرنا بالعودة إلى الله سبحانه وتعالى، ويذكرنا بالموت الذي لا بد منه. فلسان حال الأرض يقول لنا: اعلم يا ابن آدم... أنك اليوم تمشي على ظهري وغدا ستصير في بطني. يا ابن آدم... اليوم تضحك على ظهري وغدا ستبكي في بطني. يا ابن آدم... اليوم تأكل الألوان على ظهري وغدا تأكلك الديدان في بطني. يا ابن آدم... اليوم تفرح على ظهري وغدا ستحزن في بطني. يا ابن آدم... اليوم تذنب على ظهري وغدا تعذب في بطني. ولسان حال القبر يقول: أنا بيت الغربة.. أنا بيت الوحشة.. أنا بيت الدود. وما من يوم جديد إلا وينادي: يا ابن آدم.. أنا يوم جديد، على عملك شهيد، فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة. فعليك أختي المسلمة تذكر هذا كله والتمعن فيه، والاستعداد للوقوف بين يدي من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وبالتفكر في هذا كله وخاصة في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما أوصيك بالاطلاع على ما تيسر لك من كتب الرقائق والإيمانيات، وأرشح لك منها: 1-(كتاب المستخلص في تزكية الأنفس للشيخ سعيد حوى). 2- كتاب (مختصر منهاج القاصدين لا بن قدامه المقدسي). 3- الزهد والرقائق للشيخ أحمد فريد. 4- إحياء علوم الدين للإمام أبو حامد الغزالي. 5- الإيمان... حقيقته وأركانه و نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين. كما يمكنك أن تشتري أسطوانة الزهد والرقائق إنتاج شركة التراث وقد حوت كل ما كتب في الزهد والرقائق، وستعودين أفضل مما كنت سابقًا إن شاء الله تعالى، والله الموفق والمرشد إلى الصواب. وتابعينا بأخبارك.
إيماني يبلى ..فكيف أجدده ؟؟؟ كنت طيلة حياتي سواء في طفولتي أو مراهقتي متصلة بالله عز وجل،...
12 مهمة نحو تجديد الإيمان

أنا بنت ملتزمة منذ عامين ولله الحمد ؛ ولكني في هذه الأيام أعاني من تغير في نفسي وأشعر بانخفاض إيمانياتي ، أحس بالتغير في شخصيتي ، وعندما أجلس مع صديقاتي اللاتي كان لهن فضل في التزامي ؛أحس وكأني لا مكان لي بينهن من كثرة العلم الذي يتميزون به ، إني لا أزكيهن ؛ فالله أعلم بمن اتقى ..
قبل شهور ذهبت إلى العمرة ودعوت الله أن أغير من نفسي وإيمانياتي. أتمني أن ترشدوني إلي خطة إيمانية عمليه لمواجهة هذه المشاعر ؛ وجزآكم الله خيرا




يجيب الأستاذ عبد الحميد الكبتي :




تكاد تكون ظاهرة "الجفاف الروحي" ظاهرة يشكو منها الجميع، وأمسى التآكل الروحي والنفسي أنين كل مخلص ومخلصة ، وبهذا قد تكون استشارتك هذه باب خير نتناول فيه هذه المسألة للجميع، ثم أتناول استشارتك بشيء من الخصوصية .
بداية علينا أن نحدد عدة منطلقات ؛ لابد وأن تكون واضحة جلية حتى ننطلق من مكان سليم :

الأولي :
أن الله تعالى يفرح بمن يقبل عليه ، ولا يقفل بابه إلا على من أقفله على نفسه ، بل ويكافئ بأضعاف ما يقبل به العبد إليه ؛ ففي الحديث القدسي : " يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " ( رواه البخاري ) .


الثانية :
أن ما يصيبنا هو ناتج من تقصيرنا ، ومما نقترفه من ذنوب وأخطاء ؛ قال تعالى : " أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (آل عمران : 165)، وقال تعالى :
" وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ "(الشورى:30) ،

وقال تعالى: " مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً " (النساء:79) .


الثالثة :
يجب أن لا يوقفنا الخطأ أو الذنب عن الانطلاق من جديد ، و نقف في حالة التحسر الدائم ؛ فإن هذا زيادة في تعقيد الحالة الإيمانية ، وتعميق لترهلها في النفس ؛ قال تعالى : " لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (الحديد : 23 ) ،

والأسى المذكور في الآية الكريمة حالة نفسية فيها تألم عما سبق من الأعمال ، وكما الفرح حالة نفسية فيها سعادة عما يعمل المرء منّا الآن ، والمطلوب التوازن ؛ فإن غلب علينا الأسى فلن ننطلق من جديد ، وإن غلب علينا الفرح بأعمالنا والسعادة بحالنا فلن نكتشف الخطأ ونحاسب أنفسنا عليه .


الرابع :
إن للذنوب تبعات ، ولها أجواء تحيط بالنفس ، جاء التعبير القرآني في وصفها بليغا دقيقا غاية في الجمال الوصفي ؛ قال تعالى :" بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ" (البقرة:81).
فللمعصية ـ أو التقصير ـ أجواء تحيط بها بعدها ، تحيط بالمرء منا إحاطة الدائرة تماما ، ويجب أن نخرج منها ، كي يصلح الانطلاق الروحي ، ولو بقينا في أجواءها فلن نتقدم وسنكون أسرى لتلك الإحاطة من المعصية.


الخامس :
إننا كبشر معرضون للذنوب والخطأ والتقصير ، وهذا من كمال الله سبحانه وعزته وجبروته ، ومن ضعفنا وحاجتنا له عز وجل ، لكي نعرف قدر أنفسنا ؛ قال عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم " رواه مسلم . فالأمر سنة من الله علينا نحن البشر ، علينا أن نعي هذا ، ولا نكلف أنفسنا الكمال فنهلَك ونهلِك .


السادس :
إننا في سيرنا إلى الله تعالى ليس لنا إلا حالتين في هذا الصعود الروحي ، إما تقدم ، وإما تأخر ؛ قال تعالى : " لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ"(المدثر: 37).
برغم أن هناك حالة ثالثة في علم الحركة ، وهي حالة التوقف والسكون ، إلا أنه في السير إلى الله يعد التوقف في حد ذاته تأخر وتراجع ؛ لأن ثمة من هو مسرع في سيره لا يتوقف ، ولا يتأخر ، فيعد توقفنا مقارنة معه تراجعا .

هذه أسس ومنطلقات أولية لابد علينا أن نعيها وندركها ، كي نقدر على فهم الحالة أو الظاهرة ، ونعي قدر أنفسنا ، ونتمكن ـ بحول الله وتوفيقه ـ من العلاج والنهوض الواعي . ومن خلال هذه المنطلقات ، يكون العلاج ، ويكون الصعود الذي نريد بإذن الله تعالى .

إن أي عابد لله تعالى ، طامع في رضاه والجنان ، منكسر بين يديه سبحانه ، أمل في توفيقه وعونه وسنده ؛ لابد أن يقبل على الله تعالى بالطريقة التي يشعر بها أن روحه اطمأنت ، وأن قلبه استقر ، وأن نفسه في حالة طرب إيماني مع الله تعالى .

ففي الحديث القدسي : "إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" رواه البخاري .


فالحرص على الفريضة أول الأمر ، ثم تأتي أنواع النوافل التي تميز بين سباق العباد لرضوان الله تعالى وفقا لقوله تعالى :
" سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "(الحديد:21) ،
بهذا السباق ومع هذه المسارعة : "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 133 ) .

يكون الحب من الله للعبد ولينعم العبد وقتها بما وعده الله تعالى في الحديث القدسي : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه . قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء . قال: ثم يوضع له القبول في الأرض . وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه . قال : فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض" . (رواه مسلم )،

ترابط عجيب لطيف جميل على النفس يبدأ بحرص على فريضة ، وإصرار على نافلة ودوام عليها ، ويجني العبد حبا لله تعالى ، يتبعه حب أهل السماء ، ومع القبول في الأرض ، ليكون وليا لله تعالى .

ويأتي السؤال بسيطا هادئا يلتمس حلا لما نعانيه من تذبذب : كيف أتقرب ؟

وعلينا التأكد من أن آفاق التقرب إلى الله لا حدود لها ، غير أننا نقف عند الحد الأدنى من هذا التقرب ، والذي لا يستهان به ، بحيث لو التزم به المسلم أو المسلمة جني الكثير من الخير .
وقد أجاد الدكتور فتحي يكن في كتابه "العيادة الدعوية" ، ووضع لنا برنامجا جميلا للتقرب إلى الله تعالى ، أنقله هنا للفائدة منه . يقول حفظه الله : هذا المشروع مقترحٌ كحدٍّ أدنى لكلِّ مسلمٍ ومسلمة ، يتضمَّن ثماني مهمَّات ، محدَّدة الوقت ، معلومة الثواب ، محقِّقةً الفائدة بإذن الله تعالى :

1- المهمَّة الأولى:
أداء اثني عشرة ركعةً نافلة "السنن الراتبة"، وهي: اثنتان قبل الفجر + أربعٌ قبل الظهر واثنتان بعده + اثنتان بعد المغرب + اثنتان بعد العشاء.
الفائدة المرجوَّة: يبني الله للمداوم بيتاً في الجنَّة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى في يومٍ اثنتي عشرة سجدة، تطوُّعا، بني له بيتٌ في الجنَّة" (رواه مسلم).

2- المهمَّة الثانية:
صلاة ركعتين في الليل.
الفائدة المرجوَّة: يستجاب الدعاء + يُغفَر الذنب + تُقضَى الحاجة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "يتنزَّل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري).

3- المهمَّة الثالثة:
أداء صلاة الضحى ركعتين، أو أربعا، أو ثماني ركعات.
الفائدة المرجوَّة: تؤدِّي صدقةً عن كلِّ مفصلٍ من مفاصل العظام.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: " يصبح على كلِّ سلامي من أحدكم صدقة، فكلُّ تسبيحه صدقة، وكلُّ تحميده صدقة، وكلُّ تهليله صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى" (رواه مسلم، وروى البخاريُّ جزءاً منه) .

4- المهمَّة الرابعة:
قراءة سورة الملك.
الفائدة المرجوَّة: تنجي من عذاب القبر.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سورةً من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجلٍ حتى غُفِر له، وهي "تبارك الذي بيده الملك"" رواه الترمذيُّ وأحمد، وقال الترمذيّ: هذا حديثٌ حسن.

5- المهمَّة الخامسة:
قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير".
الفائدة المرجوَّة: تعدل فكَّ عشر رقاب، وتُكتَب مائة حسنة، وتمحو مائة سيِّئة، وتكون حرزاً من الشيطان.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرَّة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به، إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك" (رواه مسلم).

6- المهمَّة السادسة:
الصلاة على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: براءةٌ من البخل، وصلاةٌ من الله.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرا" (رواه مسلم). وقوله : "البخيلُ الذي منْ ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليّ" (رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح ).

7- المهمَّة السابعة:
قول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: تُغرَس له في الجنَّة مائة نخلة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غُرِست له نخلةٌ في الجنَّة"رواه الترمذيّ، وقال: حديثٌ حسنٌ غريب.

8- المهمَّة الثامنة:
قول: "أستغفر الله" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوة: يفرِّج الله كربه، ويوسِّع رزقه.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجا، ومن كلِّ همٍّ فرجا، ورَزَقه من حيث لا يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
وأضيف علي ذلك بعد المهام ..

9 ـ المهمة التاسعة:

قراءة ورد محدد من القرآن ، جزء أو حزب يوميا .
الفائدة المرجوة: جني الحسنات ومضاعفتها ، وطمأنينة النفس .
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" (رواه الترمذي ). وقال تعالى : " الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28 ) .

10 ـ المهمة العاشرة:
جلسة دعاء وتبتل إلى الله يوميا مهما كانت قصيرة .
الفائدة المرجوة: زيادة القوة المعينة في النفس ، وتوطيد الصلة بمن يملك القوة والحول والطول ، ويكشف الكربات ، ويثبت على طريق الرشاد
الدليل : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " (النمل: 62 ). وقوله سبحانه : "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " (البقرة : 186) .

11 ـ المهمة الحادية عشر:
المحافظة يوميا على أذكار الصباح والمساء " المأثورات ".
الفائدة المرجوة: زيادة تعميق المعاني المتضمنة في هذه الأذكار ، وترسيخها في النفس ، مرتين بشكل يومي ، حتى يتنعم بها القلب وبمعانيها الإيمانية .
الدليل : " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ" (غافر:55) .

12 ـ المهمة الثانية عشر :
الممارسة اليومية للأخلاق مع الناس جميعا ، والتحبب للخلق ، وترك القعود .
الفائدة المرجوة: تطبيق المعاني الإيمانية المكتسبة من الزاد الإيماني ، والشعور بالإيجابية في الإيمان والعيش به مع المؤمنين ، وليس مجرد ترديد أوراد وأذكار .

الدليل : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(التوبة :71). و قال صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" . رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم قال: " اتق الله حيثما كنت ، وأَتْبِعِ السَّيئةَ الحسنةَ تَمْحُها ، وخالقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ " (رواه الترمذي).

تلك اثنتي عشر مهمة إيمانية ، لو حرص عليها المسلم ، وداوم ، وأصر ، وثبت ، سيكون فيها الخير الكثير لصعوده الإيماني .

الأخت الفاضلة ميار :
وبعد هذا الطواف أيتها الأخت أنصح بما يلي :


وازني بين انطلاقتك الذاتية التي سوف تسألين عنها يوم القيامة : " وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً "(مريم :95 )، وبين حرصك على تواجدك مع أخواتك في الله ، فالصحبة الصالحة وسيلة على الخير ، وهي خير ، ولكن دورك أنت في ذاتك هو الأولى ، فإن للصحبة بين الأخوات أو آفات ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد فقال : الاجتماع بالإخوان قسمان : - الاجتماع على مؤانسة الطبع و شغل الوقت .

-والاجتماع بهم على أسباب النجاة و التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة و أنفعها ، و لكن فيه ثلاث آفات :
- إحداها : تزيّن بعضهم لبعض .
- الثانية : الكلام و الخلطة أكثر من الحاجة .
- أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود .
و بالجملة فالاجتماع و الخلطة لقاح إما للنفس الأمارة ، و إما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته و هكذا الأرواح الطيبة لقاحها من الملك ، و الخبيثة لقاحها من الشيطان ، و قد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين ، و الطيبين للطيبات ، و عكس ذلك.


ما تشعرين به من نقص علمي ، أكمليه أختي بكثرة الإطلاع ، ولن يتوفر لك ذلك إلا بالصبر والخلوة ومصاحبة الكتب النافعة .

أنصحك بالالتزام بحلقة حفظ للقرآن الكريم ، وأن تعقدي العزم على المضي فيها، فإنها ستكون لك دافعا قويا ، وأنت في عمر يؤهلك لحفظ القرآن الكريم والإقبال عليه، وستجدي فائدة نصيحتي هذه بعد سنوات .
حددي لك برنامجا مكتوبا تعرفينه أنت فقط ، وراقبي نفسك فيه ، دونيه في أوراقك ، وتابعي نفسك بدقة وأريحية .

نصيحة أتركها بين يديك يا أختي ؛ أن تلجئي للعبادة الأقرب إلي قلبه ؛ ليستنهض بها إيمانياته . فيسلك كل مسلم في طريقه الإيماني دروب الصعود والهبوط ؛ ولكنه يعرف في نفسه ميلا لإحدى الطاعات ، وعلينا أن نستثمر هذه اللذة في هذه الطاعة ؛ بحيث لو شعرنا بنقص أو تعب إيماني نلجأ سريعا لهذه العبادة التي نحب ، حتى يرجع للروح تألقها الإيماني من جديد ، فتنطلق راشدة بحول الله ، وقد عرف الصحابة في أنفسهم هذا الميل ، فهذا سيدنا عبد الله بن مسعود وجد لذته في القرآن ووجد أن الصوم يتعبه ويشغله عن القرآن فلا يصوم كثيرا .


لا تضيقي على نفسك بكثرة الأعمال ، بل اجعلي ضمن برنامجك أشياء مسلية تحبينها ، فإن الصالحين دأبوا على الترويح على النفس، والخروج للحدائق والبحر وتنسم الهواء العليل ، وممارسة الرياضة ونحوها .

سدد الله دربك وحقق مرادك ، وجعلنا وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ونسأل الله أن ينفع الجميع بهذا المعراج الذي هدفت له ، ولا ينسوني من دعوة صالحة تخرج من كنانة القلوب الصافية .
مع عاطر التحيات ....
شام
شام
شام شام :
12 مهمة نحو تجديد الإيمان أنا بنت ملتزمة منذ عامين ولله الحمد ؛ ولكني في هذه الأيام أعاني من تغير في نفسي وأشعر بانخفاض إيمانياتي ، أحس بالتغير في شخصيتي ، وعندما أجلس مع صديقاتي اللاتي كان لهن فضل في التزامي ؛أحس وكأني لا مكان لي بينهن من كثرة العلم الذي يتميزون به ، إني لا أزكيهن ؛ فالله أعلم بمن اتقى .. قبل شهور ذهبت إلى العمرة ودعوت الله أن أغير من نفسي وإيمانياتي. أتمني أن ترشدوني إلي خطة إيمانية عمليه لمواجهة هذه المشاعر ؛ وجزآكم الله خيرا يجيب الأستاذ عبد الحميد الكبتي : تكاد تكون ظاهرة "الجفاف الروحي" ظاهرة يشكو منها الجميع، وأمسى التآكل الروحي والنفسي أنين كل مخلص ومخلصة ، وبهذا قد تكون استشارتك هذه باب خير نتناول فيه هذه المسألة للجميع، ثم أتناول استشارتك بشيء من الخصوصية . بداية علينا أن نحدد عدة منطلقات ؛ لابد وأن تكون واضحة جلية حتى ننطلق من مكان سليم : الأولي : أن الله تعالى يفرح بمن يقبل عليه ، ولا يقفل بابه إلا على من أقفله على نفسه ، بل ويكافئ بأضعاف ما يقبل به العبد إليه ؛ ففي الحديث القدسي : " يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " ( رواه البخاري ) . الثانية : أن ما يصيبنا هو ناتج من تقصيرنا ، ومما نقترفه من ذنوب وأخطاء ؛ قال تعالى : " أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (آل عمران : 165)، وقال تعالى :" وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ "(الشورى:30) ، وقال تعالى: " مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً " (النساء:79) . الثالثة : يجب أن لا يوقفنا الخطأ أو الذنب عن الانطلاق من جديد ، و نقف في حالة التحسر الدائم ؛ فإن هذا زيادة في تعقيد الحالة الإيمانية ، وتعميق لترهلها في النفس ؛ قال تعالى : " لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (الحديد : 23 ) ، والأسى المذكور في الآية الكريمة حالة نفسية فيها تألم عما سبق من الأعمال ، وكما الفرح حالة نفسية فيها سعادة عما يعمل المرء منّا الآن ، والمطلوب التوازن ؛ فإن غلب علينا الأسى فلن ننطلق من جديد ، وإن غلب علينا الفرح بأعمالنا والسعادة بحالنا فلن نكتشف الخطأ ونحاسب أنفسنا عليه . الرابع : إن للذنوب تبعات ، ولها أجواء تحيط بالنفس ، جاء التعبير القرآني في وصفها بليغا دقيقا غاية في الجمال الوصفي ؛ قال تعالى :" بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ" (البقرة:81). فللمعصية ـ أو التقصير ـ أجواء تحيط بها بعدها ، تحيط بالمرء منا إحاطة الدائرة تماما ، ويجب أن نخرج منها ، كي يصلح الانطلاق الروحي ، ولو بقينا في أجواءها فلن نتقدم وسنكون أسرى لتلك الإحاطة من المعصية. الخامس : إننا كبشر معرضون للذنوب والخطأ والتقصير ، وهذا من كمال الله سبحانه وعزته وجبروته ، ومن ضعفنا وحاجتنا له عز وجل ، لكي نعرف قدر أنفسنا ؛ قال عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم " رواه مسلم . فالأمر سنة من الله علينا نحن البشر ، علينا أن نعي هذا ، ولا نكلف أنفسنا الكمال فنهلَك ونهلِك . السادس : إننا في سيرنا إلى الله تعالى ليس لنا إلا حالتين في هذا الصعود الروحي ، إما تقدم ، وإما تأخر ؛ قال تعالى : " لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ"(المدثر: 37). برغم أن هناك حالة ثالثة في علم الحركة ، وهي حالة التوقف والسكون ، إلا أنه في السير إلى الله يعد التوقف في حد ذاته تأخر وتراجع ؛ لأن ثمة من هو مسرع في سيره لا يتوقف ، ولا يتأخر ، فيعد توقفنا مقارنة معه تراجعا . هذه أسس ومنطلقات أولية لابد علينا أن نعيها وندركها ، كي نقدر على فهم الحالة أو الظاهرة ، ونعي قدر أنفسنا ، ونتمكن ـ بحول الله وتوفيقه ـ من العلاج والنهوض الواعي . ومن خلال هذه المنطلقات ، يكون العلاج ، ويكون الصعود الذي نريد بإذن الله تعالى . إن أي عابد لله تعالى ، طامع في رضاه والجنان ، منكسر بين يديه سبحانه ، أمل في توفيقه وعونه وسنده ؛ لابد أن يقبل على الله تعالى بالطريقة التي يشعر بها أن روحه اطمأنت ، وأن قلبه استقر ، وأن نفسه في حالة طرب إيماني مع الله تعالى . ففي الحديث القدسي : "إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" رواه البخاري . فالحرص على الفريضة أول الأمر ، ثم تأتي أنواع النوافل التي تميز بين سباق العباد لرضوان الله تعالى وفقا لقوله تعالى : " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "(الحديد:21) ، بهذا السباق ومع هذه المسارعة : "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 133 ) . يكون الحب من الله للعبد ولينعم العبد وقتها بما وعده الله تعالى في الحديث القدسي : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه . قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء . قال: ثم يوضع له القبول في الأرض . وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه . قال : فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض" . (رواه مسلم )، ترابط عجيب لطيف جميل على النفس يبدأ بحرص على فريضة ، وإصرار على نافلة ودوام عليها ، ويجني العبد حبا لله تعالى ، يتبعه حب أهل السماء ، ومع القبول في الأرض ، ليكون وليا لله تعالى . ويأتي السؤال بسيطا هادئا يلتمس حلا لما نعانيه من تذبذب : كيف أتقرب ؟ وعلينا التأكد من أن آفاق التقرب إلى الله لا حدود لها ، غير أننا نقف عند الحد الأدنى من هذا التقرب ، والذي لا يستهان به ، بحيث لو التزم به المسلم أو المسلمة جني الكثير من الخير . وقد أجاد الدكتور فتحي يكن في كتابه "العيادة الدعوية" ، ووضع لنا برنامجا جميلا للتقرب إلى الله تعالى ، أنقله هنا للفائدة منه . يقول حفظه الله : هذا المشروع مقترحٌ كحدٍّ أدنى لكلِّ مسلمٍ ومسلمة ، يتضمَّن ثماني مهمَّات ، محدَّدة الوقت ، معلومة الثواب ، محقِّقةً الفائدة بإذن الله تعالى : 1- المهمَّة الأولى: أداء اثني عشرة ركعةً نافلة "السنن الراتبة"، وهي: اثنتان قبل الفجر + أربعٌ قبل الظهر واثنتان بعده + اثنتان بعد المغرب + اثنتان بعد العشاء. الفائدة المرجوَّة: يبني الله للمداوم بيتاً في الجنَّة. الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى في يومٍ اثنتي عشرة سجدة، تطوُّعا، بني له بيتٌ في الجنَّة" (رواه مسلم). 2- المهمَّة الثانية: صلاة ركعتين في الليل. الفائدة المرجوَّة: يستجاب الدعاء + يُغفَر الذنب + تُقضَى الحاجة. الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "يتنزَّل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري). 3- المهمَّة الثالثة: أداء صلاة الضحى ركعتين، أو أربعا، أو ثماني ركعات. الفائدة المرجوَّة: تؤدِّي صدقةً عن كلِّ مفصلٍ من مفاصل العظام. الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: " يصبح على كلِّ سلامي من أحدكم صدقة، فكلُّ تسبيحه صدقة، وكلُّ تحميده صدقة، وكلُّ تهليله صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى" (رواه مسلم، وروى البخاريُّ جزءاً منه) . 4- المهمَّة الرابعة: قراءة سورة الملك. الفائدة المرجوَّة: تنجي من عذاب القبر. الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سورةً من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجلٍ حتى غُفِر له، وهي "تبارك الذي بيده الملك"" رواه الترمذيُّ وأحمد، وقال الترمذيّ: هذا حديثٌ حسن. 5- المهمَّة الخامسة: قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير". الفائدة المرجوَّة: تعدل فكَّ عشر رقاب، وتُكتَب مائة حسنة، وتمحو مائة سيِّئة، وتكون حرزاً من الشيطان. الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرَّة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به، إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك" (رواه مسلم). 6- المهمَّة السادسة: الصلاة على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مائة مرَّة. الفائدة المرجوَّة: براءةٌ من البخل، وصلاةٌ من الله. الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرا" (رواه مسلم). وقوله : "البخيلُ الذي منْ ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليّ" (رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح ). 7- المهمَّة السابعة: قول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" مائة مرَّة. الفائدة المرجوَّة: تُغرَس له في الجنَّة مائة نخلة. الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غُرِست له نخلةٌ في الجنَّة"رواه الترمذيّ، وقال: حديثٌ حسنٌ غريب. 8- المهمَّة الثامنة: قول: "أستغفر الله" مائة مرَّة. الفائدة المرجوة: يفرِّج الله كربه، ويوسِّع رزقه. الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجا، ومن كلِّ همٍّ فرجا، ورَزَقه من حيث لا يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح. وأضيف علي ذلك بعد المهام .. 9 ـ المهمة التاسعة: قراءة ورد محدد من القرآن ، جزء أو حزب يوميا . الفائدة المرجوة: جني الحسنات ومضاعفتها ، وطمأنينة النفس . الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" (رواه الترمذي ). وقال تعالى : " الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28 ) . 10 ـ المهمة العاشرة: جلسة دعاء وتبتل إلى الله يوميا مهما كانت قصيرة . الفائدة المرجوة: زيادة القوة المعينة في النفس ، وتوطيد الصلة بمن يملك القوة والحول والطول ، ويكشف الكربات ، ويثبت على طريق الرشاد الدليل : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " (النمل: 62 ). وقوله سبحانه : "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " (البقرة : 186) . 11 ـ المهمة الحادية عشر: المحافظة يوميا على أذكار الصباح والمساء " المأثورات ". الفائدة المرجوة: زيادة تعميق المعاني المتضمنة في هذه الأذكار ، وترسيخها في النفس ، مرتين بشكل يومي ، حتى يتنعم بها القلب وبمعانيها الإيمانية . الدليل : " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ" (غافر:55) . 12 ـ المهمة الثانية عشر : الممارسة اليومية للأخلاق مع الناس جميعا ، والتحبب للخلق ، وترك القعود . الفائدة المرجوة: تطبيق المعاني الإيمانية المكتسبة من الزاد الإيماني ، والشعور بالإيجابية في الإيمان والعيش به مع المؤمنين ، وليس مجرد ترديد أوراد وأذكار . الدليل : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(التوبة :71). و قال صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" . رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم قال: " اتق الله حيثما كنت ، وأَتْبِعِ السَّيئةَ الحسنةَ تَمْحُها ، وخالقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ " (رواه الترمذي). تلك اثنتي عشر مهمة إيمانية ، لو حرص عليها المسلم ، وداوم ، وأصر ، وثبت ، سيكون فيها الخير الكثير لصعوده الإيماني . الأخت الفاضلة ميار : وبعد هذا الطواف أيتها الأخت أنصح بما يلي : وازني بين انطلاقتك الذاتية التي سوف تسألين عنها يوم القيامة : " وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً "(مريم :95 )، وبين حرصك على تواجدك مع أخواتك في الله ، فالصحبة الصالحة وسيلة على الخير ، وهي خير ، ولكن دورك أنت في ذاتك هو الأولى ، فإن للصحبة بين الأخوات أو آفات ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد فقال : الاجتماع بالإخوان قسمان : - الاجتماع على مؤانسة الطبع و شغل الوقت . -والاجتماع بهم على أسباب النجاة و التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة و أنفعها ، و لكن فيه ثلاث آفات : - إحداها : تزيّن بعضهم لبعض . - الثانية : الكلام و الخلطة أكثر من الحاجة . - أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود . و بالجملة فالاجتماع و الخلطة لقاح إما للنفس الأمارة ، و إما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته و هكذا الأرواح الطيبة لقاحها من الملك ، و الخبيثة لقاحها من الشيطان ، و قد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين ، و الطيبين للطيبات ، و عكس ذلك. ما تشعرين به من نقص علمي ، أكمليه أختي بكثرة الإطلاع ، ولن يتوفر لك ذلك إلا بالصبر والخلوة ومصاحبة الكتب النافعة . أنصحك بالالتزام بحلقة حفظ للقرآن الكريم ، وأن تعقدي العزم على المضي فيها، فإنها ستكون لك دافعا قويا ، وأنت في عمر يؤهلك لحفظ القرآن الكريم والإقبال عليه، وستجدي فائدة نصيحتي هذه بعد سنوات . حددي لك برنامجا مكتوبا تعرفينه أنت فقط ، وراقبي نفسك فيه ، دونيه في أوراقك ، وتابعي نفسك بدقة وأريحية . نصيحة أتركها بين يديك يا أختي ؛ أن تلجئي للعبادة الأقرب إلي قلبه ؛ ليستنهض بها إيمانياته . فيسلك كل مسلم في طريقه الإيماني دروب الصعود والهبوط ؛ ولكنه يعرف في نفسه ميلا لإحدى الطاعات ، وعلينا أن نستثمر هذه اللذة في هذه الطاعة ؛ بحيث لو شعرنا بنقص أو تعب إيماني نلجأ سريعا لهذه العبادة التي نحب ، حتى يرجع للروح تألقها الإيماني من جديد ، فتنطلق راشدة بحول الله ، وقد عرف الصحابة في أنفسهم هذا الميل ، فهذا سيدنا عبد الله بن مسعود وجد لذته في القرآن ووجد أن الصوم يتعبه ويشغله عن القرآن فلا يصوم كثيرا . لا تضيقي على نفسك بكثرة الأعمال ، بل اجعلي ضمن برنامجك أشياء مسلية تحبينها ، فإن الصالحين دأبوا على الترويح على النفس، والخروج للحدائق والبحر وتنسم الهواء العليل ، وممارسة الرياضة ونحوها . سدد الله دربك وحقق مرادك ، وجعلنا وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ونسأل الله أن ينفع الجميع بهذا المعراج الذي هدفت له ، ولا ينسوني من دعوة صالحة تخرج من كنانة القلوب الصافية . مع عاطر التحيات ....
12 مهمة نحو تجديد الإيمان أنا بنت ملتزمة منذ عامين ولله الحمد ؛ ولكني في هذه الأيام أعاني من...
كيف أغذي إيماني ..؟؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم، في البداية جزاكم الله ألف خير، وجعل ذلك في ميزان حسناتكم. آبائي الكرام، أسأل الله أن أجد لكلماتي عندكم صدى، أبدأ بمشكلتي وأقول: أنا شابٌّ أبلغ من العمر عشرين عاما، أكرمني الله بحفظ كتابه الكريم، ولكن لا أعرف أنَّني راجعته في شهرٍ مرَّةً واحدة، وهذا ما يؤلمني، ليس هذا فحسب، فأنا والحمد لله أعرف طريق الدعوة وأحبُّه، ولكن الآن الروحانيَّة التي كانت لديَّ في الصغر، لا أجدها الآن، وهذا لاشكَّ فيه أنَّها الذنوب الذنوب. أساتذتنا الكرام، باختصار: أريد أن أحسَّ بلذَّة العبادة وبالقرب من الله. أريد أن أكون ناجحاً في دعوتي مع نفسي أوَّلاً ثمَّ مع أهلي ثمَّ مع الناس. أريد أن أعمل لديني حتى يغمض الجفن. وأطلب منكم أن ترشدوني إلى برنامجٍ عمليٍّ يتضمَّن تطوير الذات إيمانيًّا وثقافيّا، برنامجٍ يكون -إن شاء الله- بداية الانطلاق من جديد، والخروج من الفتور الذي أعيشه. أرجو أن يجيب على التساؤل الأستاذ فتحي يكن، والأستاذ كمال المصري. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولكم من الله جزيل الأجر والثواب.



يجيب الإستاذ فتحي يكن :


الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
إنَّ ظاهرة تراجع الروحانيَّات واحدةٌ من الظواهر الآخذة في الانتشار والتفاقم، وأسباب ذلك كثيرة: منها ما يعود إلى البيئة والعشرة نفسها، ومنها ما يعود إلى غلبة الهموم الدنيويَّة على الهمِّ الأخرويّ، ومنها ما يتَّصل بحالة الاستهلاك الإيمانيِّ المتزايد مقابل تراجع الإنتاج الإيمانيِّ الملحوظ.


وحول هذه الظاهرة المرضيَّة، كنت ألقيت محاضرةً عنوانها: "الإنسان بين هداية الرحمن وغواية الشيطان"،

عرضت فيها لمعادلة الإنتاج والاستهلاك الإيمانيِّ غير المتكافئة، أضع بين يديك ملخَّصاً لها، ولمشروعٍ متواضعٍ وسهلٍ لزيادة الإنتاج الإيمانيِّ ختمت به محاضرتي، وهو مقتبسٌ من كتابات بعض الأخيار المنشغلين بهذا الجانب الربانيِّ الهامِّ جزاهم الله عنَّا كلَّ خير، ولا أنسى أن أذكِّرك وأذكِّر نفسي بالوصايا العشر التي أوصى بها الإمام الشهيد حسن البنَّا العاملين على الساحة الإسلاميَّة في كلِّ مكان، إضافةً إلى "رسالة التعاليم" التي تشكِّل العمود الفقريَّ لكلِّ منهجٍ تربويّ "روحيِّ وثقافيّ"، أرجو أن تكون متوافرةً عندكم، فإن تعذَّر ذلك فيمكن إرسالها إليك هديَّة حبٍّ في الله.

عصر الاستهلاك الإيمانيّ:

يشهد هذا العصر استهلاكاً إيمانيًّا مريعا، من شأنه أن يدفع بالكثير من المسلمين إلى هاوية الإفلاس الإيمانيّ، يقول تعالى: "فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلقَون غيّا"،

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم"رواه مسلم.

إنَّ كلَّ ما حولنا يصرفنا عن الله، ويغرينا بالدنيا وشهواتها: "زُيِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضَّة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب"، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات"رواه مسلم.

أكتفي بعرض نموذجٍ بسيطٍ حول عمليَّة الاستهلاك الإيمانيِّ في زحمةٍ من المواقع الاستهلاكيَّة التي لا تُبقي ولا تذر:
أمام "نشرةٍ أسبوعيَّةٍ مجانيَّة" تقع في نحو أربعين صفحة، كلُّ صفحةٍ فيها تمتلئ بعشرات الدعوات والدعايات التي تستهلك الإيمان والأخلاق والوقت والمال، ولا تترك للإنسان فرصةً للتنفُّس الإيمانيِّ السليم؛ فهذه دعوةٌ إلى تنحيف الأجساد، وتأمين الأصدقاء، واستيراد خادماتٍ وحاضناتٍ تتناسب مع جميع الأذواق والميزانيَّات، وعرضٌ لمقاعد بكبسة زرٍّ تساعدك على النهوض، وعرضٌ لمعالجة الصلع، أو إزالة الشعر نهائيًّا عن الأجساد إلى الأبد، وعروضٌ لا تعدُّ في عالم التجميل،

وعروضٌ لرفع الصدر وتنحيف الخصر والوشم والتغيير في خلق الله، ناهيك عن عروض بيع السيارات والمفروشات والأدوات الكهربائيَّة والكومبيوترات والفيلاَّت والشقق والشاليهات، يرافق كلَّ ذلك عروضٌ سخيَّةٌ بالبيع المقسَّط يمكن أن يستهلك عمر الإنسان كلَّه، يضاف إلى ذلك تنافسٌ في عروض المطاعم وحفلات الطرب والرقص وما يمنع الحياء عن ذكره، هذه مفردةٌ صغيرةٌ ومحدودةٌ من وسائل الاستهلاك الإيمانيّ، يُضاف إليها عالم الإنترنت وعالم الفضائيَّات، وكلُّ ما تمخَّض عنه العقل البشريّ، ووُضع في خدمة الشيطان، فماذا يتبقَّى بعد ذلك؟

- هل يتبقَّى وقت؟ هل يتبقَّى جهد؟ هل يتبقَّى عقل؟

- هل يتبقَّى مال؟ هل يتبقَّى دين؟ هل يتبقَّى أخلاق؟

النتيجة: ضياع العمر وسوء المصير.

- كيف نواجه هذا الكمَّ من قوارض الإيمان؟

لابدَّ من مشاريع إنتاجيَّةٍ للإيمان تغالب الاستهلاك وتغلبه، إنَّ ذلك يحتاج إلى قوَّة إرادة، وعزيمة، وصبر، ومجاهدة نفس، ومغالبة هوى، لا تفتر ولا تتوقَّف، إنَّه يحتاج إلى إنماءٍ إيمانيٍّ يماثل حجم الاستهلاك الإيمانيِّ على الأقلّ.

إنَّ صوم رمضان، وأداء مناسك العمرة والحجّ، وإقام الصلاة فرائض ونوافل، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة كتاب الله، وذكر الموت، والنهوض بواجب الدعوة إلى الله، والإسهام قدر المستطاع بأحد جوانب الجهاد في سبيل الله، هذه وغيرها محطَّاتٌ للإنتاج الإيمانيّ، ومعارج رقيٍّ وارتقاءٍ إلى الله عزَّ وجلّ، نحن مطالبون بالإقبال عليها والاستفادة منها.

مشروع العصر:

"الدنيا ساعة.. فاجعلها طاعة"
ثماني مهمَّاتٍ على طريق الجنة
هذا المشروع: مقترحٌ كحدٍّ أدنى لكلِّ مسلمٍ ومسلمة، يتضمَّن ثماني مهمَّات، محدَّدة الوقت، معلومة الثواب، محقِّقةً الفائدة بإذن الله تعالى، من ذلك: مغفرة الذنوب، الأمان من فتنة القبر، بناء بيتٍ في الجنَّة، استجابة الدعاء، الأمان من الفقر، قضاء الحوائج، تفريج الهمّ، إنَّ كلَّ ذلك لا يستغرق أكثر من ستِّين دقيقة.

1- المهمَّة الأولى:
أداء اثني عشرة ركعةً نافلة "السنن الراتبة"، وهي: اثنتان قبل الفجر + أربعٌ قبل الظهر واثنتان بعده + اثنتان بعد المغرب + اثنتان بعد العشاء.
الفائدة المرجوَّة: يبني الله للمداوم بيتاً في الجنَّة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى في يومٍ ثنتي عشرة سجدة، تطوُّعا، بني له بيتٌ في الجنَّة"رواه مسلم.

2- المهمَّة الثانية:

صلاة ركعتين في الليل،
الفائدة المرجوَّة: يستجاب الدعاء + يُغفَر الذنب + تُقضَى الحاجة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "يتنزَّل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"رواه البخاري.

3- المهمَّة الثالثة:
أداء صلاة الضحى ركعتين، أو أربعا، أو ثماني ركعات.
الفائدة المرجوَّة: تؤدِّي صدقةً عن كلِّ مفصلٍ من مفاصل العظام.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "يصبح على كلِّ سُلامى من أحدكم صدقة، فكلُّ تسبيحةٍ صدقة، وكلُّ تحميدةٍ صدقة، وكلُّ تهليلةٍ صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى"رواه مسلم، وروى البخاريُّ جزءاً منه.

4- المهمَّة الرابعة:
قراءة سورة الملك.
الفائدة المرجوَّة: تنجي من عذاب القبر.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سورةً من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجلٍ حتى غُفِر له، وهي "تبارك الذي بيده الملك"" رواه الترمذيُّ وأحمد، وقال الترمذيّ: هذا حديثٌ حسن.

5- المهمَّة الخامسة:
قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير".
الفائدة المرجوَّة: تعدل فكَّ عشر رقاب، وتُكتَب مائة حسنة، وتمحو مائة سيِّئة، وتكون حرزاً من الشيطان.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرَّة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به، إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك"رواه مسلم.

6- المهمَّة السادسة:
الصلاة على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: براءةٌ من البخل، وصلاةٌ من الله.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرا"رواه مسلم.
وقوله: "البخيلُ الذي منْ ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليّ"رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح.

7- المهمَّة السابعة:
قول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: تُغرَس له في الجنَّة مائة نخلة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غُرِست له نخلةٌ في الجنَّة"رواه الترمذيّ، وقال: حديثٌ حسنٌ غريب.

8- المهمَّة الثامنة:
قول: "أستغفر الله" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوة: يفرِّج الله كربه، ويوسِّع رزقه.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجا، ومن كلِّ همٍّ فرجا، ورَزَقه من حيث لا يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.

فنسأل الله تعالى الهدى والسداد، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

ويضيف الدكتور كمال المصري :

وبإجابة الدكتور فتحي أكرمه الله تعالى الوافية الكافية، أختم بالإشارة إلى موضوعٍ تحدَّثت فيه كثيرا، ويحسن الحديث فيه هنا في مقام زيادة الإيمان، ودعني أسمِّيه المهمَّة التاسعة،

وهو أنَّ الإيمان في ديننا ليس صلاةً وقراءة قرآنٍ فقط، بل هو ممارسةٌ وفعلٌ ومعاملةٌ كذلك، فعندما يقول صلى الله عليه وسلم مثلاً في الحديث الرائع حقّا: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب،
ورواه ابن حبَّان في صحيحه، هل هذه الأوامر والفضائل "المعاملاتيَّة" لمجرَّد العلم، أم هي للممارسة أيضا؟ وهل لها –إذا ما طبَّقناها- علاقةٌ بزيادة الإيمان في قلوبنا؟ ولو كانت ليست لها علاقةٌ بالإيمان، فمعذرة، فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثَّ ديننا عليها وأمر بها؟

لقد أخبرنا رسولنا صلى لله عليه وسلم بعظم أجر هذه المعاملات حين قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريق، وجد غصن شوك، فأخذه، فشكر الله له، فغفر له"رواه أحمد والبخاريُّ ومسلم وأبو داود والترمذيّ.


علينا إذن أن نتقرَّب إلى الله بالمعاملة كما تقرَّبنا إليه بالطاعة.. بالإتقان والالتزام في كلِّ شيءٍ في حياتنا صغر أم كبر، يبدأ من التزام الكلمة وصولاً إلى التزام العمل والطاعة والحياة، لنجعل حياتنا قربةً إلى الله تعالى، في الطاعة وفي المعاملة، وعندئذ لن نحسَّ بقسوة القلب أو بالتراجع الإيمانيّ، وصدق ربُّنا سبحانه حين قال: "قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له وبذلك أُمِرت وأنا أوَّل المسلمين".

ومحياي: قال الإمام القرطبيُّ في تفسيرها: أي ما أعمله في حياتي.
فالإسلام إذن: صلاةٌ ونسكٌ أي طاعةٌ وعبادة، وكلُّ ما نقوم به في حياتنا من أعمال.
وهذه كلُّها يجب أن تكون لله ربِّ العالمين، وبدونها لا يكون المسلم مسلما.


سحااابه
سحااابه
قليل دائم خير من كثير منقطع

هذه طريقة ايضا للهمة في العبادة

قراءة جزء كل يوم مع الاستمرار اجدى من قراءة القران فقط في شهر رمضااااااااان

جزاك الله خير شاااام على هذه الفائدة
لينا22
لينا22
بارك الله فيك اخيتي
جزاك الله خيرا