آهات رحلة

آهات رحلة @ahat_rhl

عضوة مميزة

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ مشاركة في فعالية (شمائل محمدية)

الملتقى العام






الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ،

لأن كلَ واحد منَّا مسَّ قلبَه نفحةٌ من عطر محبة رسول الله، فما أحوجنا جميعا لأن نتعرف عليه، ونتقرب من حضرته، ونتعرض لشمائله الكريمة، لنشرب معا من هذا البحر الأخلاقي الذي كلما شربنا منه ازددنا ظمئا لأنواره وأسراره وطمعا في محبته صلى الله عليه وسلم



نبذة من حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

عندما انطمس الحق وظهر الباطل وانتشر الظلم والفساد واحتاجت الأمة إلى دين يحق الحق ويمحق الباطل ويهدي الناس إلى الصراط المستقيم فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه : ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) النحل/64 .

وقد أنزل الله على رسوله القرآن يهدي به الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم قال تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ) إبراهيم/1 .

ولد الرسول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي بمكة عام الفيل الذي جاء أصحابه لهدم الكعبة فأبادهم الله وتوفي أبوه وهو في بطن أمه ولما ولد محمد أرضعته حليمة السعدية ثم زار أخواله في المدينة مع أمه آمنة بنت وهب وفي طريق العودة إلى مكة توفيت أمه بالأبواء وعمره ست سنين ثم كفله جده عبد المطلب فمات وعمر محمد ثمان سنين ثم كفله عمه أبو طالب يرعاه ويكرمه ويدافع عنه أكثر من أربعين سنة وتوفي أبو طالب ولم يؤمن بدين محمد خشية أن تعيره قريش بترك دين آبائه .



نبي الرحمة

لقد تعامل النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع كل الأمور التي واجهته بطريقة فذة، وبسنة مطهرة أخرجت لنا كنوزا هائلة من فنون التعامل ومن آداب العلاقات، وبرز في كل ذرة من ذرات حياته العنصر الأخلاقي، كعنصر مؤثر تماما على كل اختياراته، فلا يخلو موقف ولا حدث ولا قول من خلق كريم وأدب رفيع، حتى وصل إلى قمة الكمال البشري في أصعب المواقف التي واجهته

قال تعالى ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)). صدق الله العظيم

والله سبحانه وتعالى يقول: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}(سورة آل عمران)

فحينما أودع الله في قلب النبي هذه الرحمة، من نتائج هذه الرحمة اللين مع عباد الله، أي بسبب هذه الرحمة التي استقرَّت في قلبك عن طريق الاتصال بالله عزَّ وجل لنتَ لهم، ولو لم تكن في قلبك هذه الرحمة لكنت قاسياً معهم، فإذا كنت قاسياً معهم نفروا منك، انفضوا عنك.. إذا أردت أن يجتمع الناس حولك فارحمهم، تواضع لهم، تجاوز عن سيِّئاتهم، خذ بيدهم، أعطهم، ابذل لهم من وقتك، من جهدك، من علمك، إذا أردت أن ينفض الناس من حولك كن قاسياً معهم.



سعة علم النبي صلى الله عليه وسلم
{وقل رب زدني علما}


كان عليه الصلاة والسلام واسع العلم، عظيم الفهم، أفاض الله تعالى على يده العلوم النافعة الكثيرة، والمعارف العالية الوفيرة، فقال الله عز وجل: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا}(سورة النساء).

{وقل رب زدني علما} (سورة طه)

العلم هو القيمة الوحيدة المرجحة، والعلم هو الشيء الوحيد الذي طلب من النبي أن يزداد منه.

كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ في الليل يدعو؟ فبماذا كان يدعو؟

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: ?لا إله إلا أنت، سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علمًا، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً، إنك أنت الوهاب?.

لذلك حينما تعلم الحقيقة العظمى، حينما تصل إلى الله، حينما تتعرف إلى منهجه، حينما تكون على هذا المنهج فقد حزت النعمة المطلقة، والدليل: {اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} (سورة الفاتحة)

والعلم في الإسلام ليس هدفاً إذا لم يترجم لعمل فقد كان أصحاب النبي رضوان الله عليه يقرؤون الآيات العشر، ولا ينتقلون إلى غيرها حتى يطبقوها، وهذا الأعرابي قال للنبي عليه الصلاة والسلام: ?عظني ولا تُطل?، فتلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى:{فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره} (سورة الزلزلة).





روائع أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
{وإنك لعلى خلق عظيم}


حينما وصف ربنا عزَّ وجل النبي عليه الصلاة والسلام بوصف جامع مانع وصفه بالخلق.. ألم يكن أعظم الخطباء على الإطلاق، وأعظم المحدثين، وأعظم العلماء، وأعظم القادة، وأعظم المتكلمين؟ بلى لكن الله حينما وصفه قال: {وإنك لعلى خلق عظيم} (سورة القلم)

وصفه الوصف الذي يرفعه.. وهذا وصف عام، أما إذا دخلنا في التفاصيل، ما هو هذا الخلق؟ فعَنِ الْحَسَنِ قَالَ سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: ?كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ?.

{ روى ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ?كان أحسن الناس خلقاً، كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً، ولا صخَّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ثم قالت: اقرأ:

{قد أفلح المؤمنون}.. إلى عشر آيات؛ فقرأ السائل، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله?.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ?ما كان أحدٌ أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال: لبيك؛ فلذلك أنزل الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}? (القلم).

وروى البخاري عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: ?كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا?.

أما أحسن الناس وجهاً ليس المقصود به الجمال المادي، المقصود أن الإنسان إذا صفت سريرته ظهر هذا الصفاء في وجهه، تنظر إلى وجهه فترتاح له، تشعر أنّ فيه صفاء، تشعر أنّ فيه روحانية، وفيه تألق، فيه نور، هذا التألق وذاك الصفاء وهذا النور انعكاس لصفاء نفسه، ونورانيَّة قلبه، وكمال خلقه، هذا معنى كونِ النبي عليه الصلاة والسلام أحسنَ الناس وجهاً، وأحسنهم خلقًا، ويضاف إلى ذلك أن وجه النبي عليه الصلاة والسلام كان كالبدر، كان من أجمل الوجوه، إضافة إلى النورانية، وإلى التألُّق والصفاء، كان من أجمل الوجوه خَلْقًا.




وقفه

في حياة كل واحدٍ منا ثلاث شخصيات؛ شخصيةٌ يكونها هو، وشخصيةٌ يكره أن يكونها، وشخصيةٌ يتمنَّى أن يكونها، قل لي ما الشخصية التي تتمنى أن تكونها أَقُلْ لك من أنت؟

المؤمن لا يتمنى إلا أن يكون على أثر هذا النبي العظيم، وإذا دخل بيته وعمل عملاً، فليتساءل: يا ترى هل كان النبي يفعل هذا؟ إذا عَامَلَ أخًا، يا ترى أهكذا علمنا النبي؟ دائماً يقيس سلوكه بسلوك النبي؛ لأن الشخصية الأولى التي يتمنى أن يكونها المؤمن أن يكون على منهج النبي عليه الصلاة والسلام.






في مسند أحمد وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ?إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ?، وفي رواية أخرى ?إنما بعثت معلماً، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق?.

وكان عليه الصلاة والسلام، ليِّن الجانب، سهل الخلق، حسن المعاشرة مع الأهل والأصحاب وسائر الناس، يعطي جليسه حظاً كبيراً من الانبساط والملاطفة وحسن المقابلة.

وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ?لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا?.

ومن لطفه صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يقابل أحداً بما يكره.. هناك أناس تجد عندهم شدّة في مواجهة الناس على أخطائهم، يقول مثلاً: أنت كاذب، فهذه ثقيلة، أما لو قلت: كأن ليس هناك دقة في وصفك، فهذه كذلك ككلمة كذَّاب، ولكنها ألطف، أو تقول: أنا أظن الأمر خلاف ذلك، ويغلب على ظني أن الأمر خلاف ذلك، معناها كذاب، لكنها ملطفة كثيراً، فالإنسان أحياناً كلما ارتقت نفسه ينتقي أجمل العبارات؛ فالكلمة الطيبة صدقة.. كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس لطفاً روى أبو نعيم عن أنسٍ رضي الله عن قال ?كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس لطفاً، والله ما كان يمتنع في غداةٍ من عبدٍ ولا أمةٍ تأتيه بالماء، فيغسل وجهه بالماء وذراعيه، وما سأله سائلٌ قط إلا أصغى إليه، فلا ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول أحدٌ يده قط، إلا ناوله إياها، فلا ينزع صلى الله عليه وسلم يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها منه?.

كان إذا صافح لا يسحب يدَه حتى يسحب الذي صافحه يدَه، ويُقبِل على محدِّثُه حتى ينصرف عنه محدِّثُه، هذه خلقه عليه الصلاة و السلام.

وروى ابن سعدٍ عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته؟ قالت: ?كان ألين الناس بساماً ضحاكاً لم يُر ماداً رجليه بين أصحابه وذلك لعظيم أدبه وكمال وقاره?.

وإذا كان صلى الله عليه وسلم كذلك فمن باب أولى في بيته مع الأهل وذوي القُربى؛ فروى مسلم في صحيحه عن سعدٍ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه أنه قال ?كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كريم العشرة مع زوجاته وسائر أهله، يلاطفهنّ ويمازحهنّ، ويعاملهنّ بالود والإحسان?.





وقفه

الإنسان العظيم خارج بيته عظيم، أما في بيته فواحد من أهل بيته، كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، فإذا كان الإنسان روحُه مرِحة مع أهل بيته، ومع أولاده، فهذه علامة نجاحه في زواجه، أهلك أقرب الناس إليك، ما الذي يمنعك أن تكون مرحًا معهم؟ اسمع من طُرفهم في مدرستهم، حِّدثهم عن طرفة لطيفة، كن لطيفًا، داعبهم، لاعبهم، تكلم معهم كلامًا طيبًا.






عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ?خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ?.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ?أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا?.

وكان عليه الصلاة والسلام يعين أهله في الأمور البيتية؛ لكنْ بعض الناس يرى إذا أراد أنْ يحقِّق رجولته فيجب ألاّ يتحرك أيَّة حركة في البيت، بينما النبي على عظمته كان يعين أهله في الأمور بيته.

وروى البخاري عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ: ?مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ?.

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً في مناسباتٍ متعددة، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ?اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ?.





النبي صلى الله عليه وسلم.. المثل الأعلى في تواضعه

من أعظم شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو: عظيم تواضعه صلى الله عليه وسلَّم مع أصحابه، قال الله تعالى:

{واخفض جناحك للمؤمنين}..

فقد كان عليه الصلاة والسلام المثل الأكمل في التواضع مع علو مقامه. وهناك شيء يلفت النظر.. ?لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ?.. (صحيح مسلم)


لماذا الكبر؟ لأنه مهما كان قليلاً يفسد العمل؟ فالعبودية لله عزَّ وجل ماذا يفسدها؟ الكبر، الكبر يتناقض مع العبوديَّة، فلذلك من علامات المؤمنين التواضع، فكان عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى في التواضع.

كيف كان متواضعاً؟ كان من تواضعه صلى الله عليه وسلَّم أن يخدم نفسه بنفسه، قالت عائشة رضي الله عنها: ?كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ?. (مسند أحمد)

أي إذا غسل الإنسان في بيته صحناً، رتّب غرفة، نقل حاجة من مكان إلى مكان، هذا لا ينتقص من قدره أبداً، هكذا كان عليه الصلاة والسلام.

أي إذا كانت الزوجة مريضة، وأنت هيَّأت طعام الفطور لأولادك، فهذا الشيء يرفع من قدرك عند الله عزَّ وجل، إذاً كان عليه الصلاة والسلام متواضعاً.

ومن تواضعه أنه كان يركب الحمار أحياناً، ولا يخصُّ نفسه بركوب الخيل، ففي زمان النبي عليه الصلاة والسلام كانت تعد الخيل مركبة فخمة، والأقل فخامة منها الحمار فكان عليه الصلاة والسلام يركب الحمار، ولا يخصُّ نفسه بركوب الخيل كما هي عادة الملوك والأمراء.


وروى أحمد عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطبَ فَقَالَ ?إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِمُونِي بِهِ عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ?.

ومن تواضعه صلى الله عليه وسلَّم تكريمه لعباد الله المسلمين. فقد روى الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما في حجة النبي، أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أتى السقاية أي أتى أناس يعملون في السقاية، سقاية الحجاج فقال: ?أنا عطش اسقوني? فقالوا: ?إن هذا يخوضه الناس، ولكن نأتيك به في البيت?، قال: ?لا حاجة لي فيه اسقوني مما يشرب منه المسلمون?.

أحياناً يخصّ الإنسان بشراب خاص، بإناء خاص، بكأس خاص، بشيء مختوم، شيء فخم، قال لهم: ?اسقوني مما يشرب منه الناس?.

النبي عليه الصلاة والسلام طلب من سيدنا عمر أن يدعو له، هذا من تواضعه. حين استأذن سيدنا عمر النبي في العمرة، فقال له صلى الله عليه وسلم: ?لا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ?.. (من سنن أبي داود: عن ?عمر?).

وكان رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ?إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ?.

البغي: العدوان، أي لا عدوان مادي، ولا عدوان معنوي، العدوان المعنوي الكِبْر، والمادي أن تأخذ ماله، أو أن تسلبه شيئاً من حاجاته.. هكذا كان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم رغم عظمته عند ربه ولكنه اختار أن يكون نبيا عبدا لا نبيا ملكا.





العَفْو في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)

قال تعالى في كتابه العزيز

﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾

﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾

صدق الله العظيم


" اذهبـوا فأنتم الطلقاء "

ذكرت كتب السيرة أن رسولنا ? صلى الله عليه وسلم ? عاد إلى مكة بعد ثماني سنوات فاتحاً بعد أن أُخرج منها، فقد عاد إليها- صلى الله عليه وسلم - على رأس جيش بلغ أكثر من عشرة آلاف من المسلمين، حيث دخل رسول الله? صلى الله عليه وسلم ? مكة دخول الشاكرين لله -عزَّ وجلَّ-، دخلها وهو راكب على ناقته تواضعاً لله وشكراً، وكادت جبهته ? صلى الله عليه وسلم ? أن تمس عنق ناقته، وكان يردد قوله تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}( 5 ).

وسيطر الرعب على أهل مكة خوفاً من أن ينتقم منهم ? صلى الله عليه وسلم ? نتيجة أفعالهم معه ومع أصحابه- رضي الله عنهم أجمعين -، فقد طردوهم وعذبوهم وصادروا أموالهم وممتلكاتهم، فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم - : (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم)، فما كان منه ? صلى الله عليه وسلم ? إلا أن قال لهم قولته المشهورة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، أقول لكم ما قاله أخي يوسف ? عليه الصلاة والسلام ? لإخوته {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(6) ، فلم يقتل ? صلى الله عليه وسلم - أحداً، ولم يصادر أرضاً، ولم يمنع ماء، ولم يقطع طريقاً، ولم ينفِ أحداً، ولم يعتقل، بل كان ? صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين كما وصفه ربه سبحانه وتعالى.

لقد أثر هذا الموقف العظيم وهذا التسامح الكبير في نفوس أهل مكة ، حيث أقبلوا معلنين إسلامهم وإيمانهم برسالة الإسلام، ودخلوا في هذا الدين الجديد الذي فيه السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة .


" ثم أمــر له بعطـاء"


أخرج الإمام البخاري في صحيحه قال : (بينما كان أنس بن مالك ? رضي الله عنه ? يمشي مع رسول الله ? صلى الله عليه وسلم - ، إذا بأعرابي يجذب رسول الله ? صلى الله عليه وسلم ? من ردائه جذبة شديدة ، حتى أَثَّرَ الرداء في رقبة رسول الله ? صلى الله عليه وسلم- من شدة جذبته ، ثم قال الأعرابي بغلظة لرسول الله ? صلى الله عليه وسلم - : يا محمد ! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي ? صلى الله عليه وسلم ? وضحك ، ثم أمر له بعطاء ) ( 7 ) .


" الصفح والعفو "

ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن فضالة بن عُمَيْر الليثي ذهب قاصداً قتل النبي ? صلى الله عليه وسلم ? أثناء طوافه بالبيت ، فلما دنا منه، قال الرسول ? صلى الله عليه وسلم - : "أفضالة؟!" قال : نعم فضالة يا رسول الله ، قال : ماذا كنت تحدِّث به نفسك ؟ قال : لا شيء، كنت أذكر الله !، فضحك النبي ? صلى الله عليه وسلم ? ثم قال : استغفر الله ، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه ، فما كان من فضالة إلا أن قال : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خَلْقِ الله أحبّ إليَّ منه ، وأسلم فضالة بهذا الصفح الكريم ، وزالت من قلبه العداوة ، وحلت محلَّها محبة رسول الله ? صلى الله عليه وسلم -.

هذا الموقف يبين مدى سماحة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعفوه عن الآخرين، وأنه كان يقابل الإساءة بالإحسان .

تأملوا هذا الموقف النبوي الكريم ، كيف قابل النبي ? صلى الله عليه وسلم ? رغبة القتل والعدوان من فضالة، بالابتسامة الصادقة والمعاملة الكريمة والدعاء له بالهداية والمغفرة ، واليد الحانية التي كانت بلسماً سكن به قلب فضالة، فشرح الله صدره للإيمان، وتحوَّل الموقف من العداوة إلى المحبة ، كما في قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}( 4 ).





وقفة

العفـو والتسامح من صفـات المؤمن

يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(1 ).
يأمرنا الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة بالصفح والعفو والإحسان عمَّن أساء إلينا، ابتغاء رضوانه سبحانه وتعالى، وطمعاً فيما أعده سبحانه وتعالى للعافين من حسن الجزاء، ومن المعلوم أن العفو من أبرز أخلاق الرسول ? صلى الله عليه وسلم ? ومن أشهر طباعه، ومن أَجَلِّ صفاته وسجاياه .

وقد جاء في تفسير الآيات : ({وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } أي بادروا إلى ما يوجب المغفرة بطاعة الله وامتثال أوامره، {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} أي وإلى جنة واسعة عرضها كعرض السماء والأرض، كما قال في سورة " الحديد": { عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ} والغرض بيان سعتها، فإذا كان هذا عرضها فما ظنك بطولها؟ { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} أي هيئت للمتقين لله، { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء} أي يبذلون أموالهم في اليسر والعسر، وفي الشدة والرخاء، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} أي يمسكون غيظهم مع قدرتهم على الانتقام، { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} أي يعفون عمَّن أساء إليهم أو ظلمهم، { وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أي يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها )(2).

وفي الحديث : ( ثلاث أقسم عليهن، ما نقص مال من صدقة ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه الله )، وروى الحاكم في مستدركه ، عن أُبيّ بن كعب ، أن رسول الله ? صلى الله عليه وسلم ? قال : " ومن سَرَّه أن يُشَرّف له البنيان وتُرفع له الدرجات ، فليعفُ عمَّن ظلمه ، وَيُعْطِ من حرمه ، ويصل من قطعه" ، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما ? قال : قال رسول الله ? صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يقول : أين العافون عن الناس ، هلموا إلى ربكم ، وخذوا أجوركم ، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة " (3).

إن العفو عن المسيء من أفضل الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ولو علمنا ما في العفو من حكمة وسلامة وأجر، لأسرعنا بالعفو والصفح عن زلات المسيئين .


إن الأخلاق الإسلامية المتمثلة في العفو والسماحة الإنسانية تجاه البشرية كلها شكلت سبباً رئيساً بفضل الله لدخول الناس في دين الله أفواجاً ، كما أنه لا يمكن لمنصف من البشر مهما كان أن ينكر هذه الصفات الكريمة ، فهي تحث على تآلف الأجناس، وإشاعة التراحم والمودة بين الناس، والتأدب بالآداب الإسلامية، ونبذ الحقد والحسد والتباغض، ليتحقق العفو والتسامح و العدل والإنصاف بين بني البشر.

هذا هو المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، مجتمع حب وود، ومروءة وخير ، مجتمع متماسك البنيان ، متوحد الصفوف والأهداف ، كما في قوله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } (9) .

و هذا ما دفعني للتساؤل ؟؟!!

هل نخر مجتمعنا إلا البعد عن خلق العفو والتسامح؟

فلو شغلتنا تقوى الله، لكنا أهدى سبيلا وأقوم قيلا، فالواجب علينا جميعاً أن نبتعد عن الحقد والغل والحسد، وأن نتحلى بالأخلاق الفاضلة وفي مقدمتها العفو والتسامح والمحبة ، فعلى القريب أن يتسامح مع أقربائه، والجار أن يعفو عن جاره، والصديق أن يحلم على صديقه،وأن نردد جميعاً قول الله سبحانه تعالى في كل وقت: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(10).






الحلم والرفق في حياة الحبيب صلي الله عليه وسلم

ما أسمى صفة الحلم وأحبها إلى القلوب !
وكم هي عظيمة هذه الصفة حتى جعلها
الله عز وجل من علامات النبوة وبراهينها

وما أروع الموقف الذي يتجلى فيه حلم النبوة فيهتدي به العقلاء إلى دين الله هداية قناعة ويقين ومحبة

هذا حبر من أحبار يهود المدينة المنورة رأى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه سماع تفكر وراقب أحواله مراقبة تبصر وراجع في التوراة صفات الأنبياء مراجعة تحقق وتدبر ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعد في نفسه لأمر خطير وكرر المجيء حتى رأى الفرصة السانحة لما يريد رأى عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن جماعته قد أسلموا وجاءت عليهم سنة ضيقة مجدبة وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم مؤونة يعينهم لكي لا يظنوا أن ما أصابهم من ضيق كان سببه دخولهم في الإسلام فيرتدوا عنه ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعطيه حينئذ سارع الحبر اليهودي زيد بن سعنة لينفذ ما أعده في نفسه فقال لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : أنا أقرضك ما تعينهم به ولكن اجعل بيني وبينك أجلاً توفيني عنده هذا الدين قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم وضرب لليهودي أجلاً معيناً ومرت الأيام ودنى ذلك الأجل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل اليوم المعين بمدة ليطالبه بالدين فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: إن الأجل لم يحن بعد فاقترب الرجل من النبي صلى الله عليه وسلم بغلظة وامسك بردائه من عند عنقه وجذبه بعنف وشراسة قائلاً : يا محمد أعطني حقي فإنكم معشر بني هاشم قوم تماطلون في وفاء الدين وأثّر الثوب في عنق رسو الله صلى الله عليه وسلم تأثيراً شديداً فإذا بسيدنا عمر رضي الله عنه تأخ بنفسه حمية الحق فيقول يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عنق هذا الكافر فقد آذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

لقد أخذت الحمية من نفس عمر رضي الله عنه ولكنها لم تأخذ من نفس صاحب الحق الذي أوذي بغير حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولادعاه ذلك إلى البطش بالمعتدي كما هي عادة الزعماء والأمراء بل صبر واتأد وترفق بالمعتدي غاية الرفق ثم قال قولة التكرم والتسامي : يا عمر كنت أنا وهو أحوج إلى غير هذا منك كنت أحوج إلى أن تأني بحسن الأداء وكان أحوج إلى أن تأمره بحسن الطلب اذهب فاقضه حقه وزده عليه لقاء ما خوفته .

سمع الحبر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى البشر في وجهه وتجلى له الخلق العظيم الذي جعله الله من دلائل النبوة فغسل ذلك قلبه وأزاح عنه غشاوات الباطل فهفى قلبه إلى دين الحق والإيمان بالله ورسوله ومضى مع عمر ليأخذ حقه فلما رأى الزيادة قال: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال : لقد أمرني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعت لقاء ما روّعتك ولكن أخبرني ما الذي دعاك إلى ما فعلت؟ قال يا عمر : إنه لم يكن شيء أعرفه من علامات النبوة إلا رأيته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا شيئين لم أكن رأيتهما بعد ( يسبق حلمُه غضبَه ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً)

فقد رأيت الآن وعلمت فاشهد يا عمر أني قد رضيت بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وأشهدك أن شطر مالي صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مثل زيد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله
وهكذا انضم الحبر اليهودي زيد بن سعنة إلى مكتملي الإيمان بين الأصحاب الكرام الذين اختارهم الله على العالمين ليحملوا مع نبيه راية الإيمان فتحقق فيه قول الله تعالى لكليمه موسى عليه السلام : ورحمت وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة والذين هم بآياتن يؤمنون ...... الى قوله تعالى أولئك هم المفلحون _ الأعراف _.





صور من شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، فقد فرت منه جيوش الأعداء وقادة الكفر في كثير من المواجهات الحاسمة، بل كان يتصدر صلى الله عليه وسلم المواقف والمصاعب بقلب ثابت وإيمان راسخ، ويؤكد أنس بن مالك رضي الله عنه ذلك بما حصل لأهل المدينة يوماً، حينما فزعوا من صوت عالٍ، فأراد الناس أن يعرفوا سبب الصوت، وبينما هم كذلك إذ أقبل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس، رافعاً سيفه قائلاً لهم: ( لم تراعوا لم تراعوا ) ، أي (لا تخافوا ولا تفزعوا) رواه البخاري و مسلم ، فهذا الموقف يبين شجاعته صلى الله عليه وسلم، حيث خرج قبل الناس لمعرفة الأمر، وليطمئنهم ويهدأ من روعهم.

ويؤيد ما سبق موقفه صلى الله عليه وسلم حين تآمر كفار قريش على قتله، وأعدوا القوة والرجال لذلك، حتى أحاط بمنزله قرابة الخمسين رجلاً، فثبت عندها رسول الله، ولم يُصبهُ الخوف، بل نام ولم يهتم بشأنهم، ثم خرج عليهم في منتصف الليل بشجاعة وقوة، حاثياً التراب على وجوههم، ماضياً في طريقه، مخلفاً علياً مكانه.

ويجلس صلى الله عليه وسلم في الغار مع سيدنا أبي بكر ، والمشركون حول الغار، وهو يقول لأ بي بكر بشجاعة الواثق بحفظ الله: ( لا تحزن إن الله معنا ) .

وصارع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة ركانه المعروف بقوته وشدته في القتال، فصرعه رسول الله وغلبه، فأي شجاعة وقوة كان يمتلكها عليه الصلاة والسلام.

وذات مرة استظل عليه الصلاة والسلام تحت ظل شجرة لينام القائلة، وكان متعباً من أثر إحدى الغزوات، وقد علق سيفه على غصن الشجرة، وبينما هو كذلك إذ أقبل عليه أحد المشركين، آخذاً بسيف رسول الله، قائلاً له: من يمنعك مني؟ فأجاب رسول الله إجابة الأبطال، من غير تخوف: الله! ثم قام وأخذ رسول الله السيف بشجاعة وقوة، وقال للمشرك من يمنعك مني؟ فأجاب قائلاً لرسول الله: كن خير آخذ .

وأما عن شجاعته وإقدامه في الغزوات والحروب، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم، إذا حمي الوطيس واشتد البأس يحتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول علي رضي الله عنه: " كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه " رواه أحمد .

ولما أصاب الصحابة يوم حنين من الأذى والهزيمة ما أصابهم، فر بعضهم من أرض المعركة، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفر، فلقد كان على بغلته و أبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول بصوت عالٍ: ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ) رواه البخاري ومسلم .

وفي يوم أحد، يوم أن خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيطر المشركون على زمام المعركة، لم يتزحزح النبي صلى الله عليه وسلم من موقفه، بل وقف موقف القائد القوي الشجاع، والصحابة من حوله يتساقطون، وحوصر صلى الله عليه وسلم من قبل المشركين، ولم يكن حوله إلا القلة من الصحابة يدافعون عنه، وبرز منهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، حينما دعاه رسول الله فناوله النبال وقال له: ( ارم يا سعد، فداك أبي وأمي ) رواه البخاري .

ثم إن قوة النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، لم تكن في غير محلها، فهذه عائشة رضي الله عنها تقول: ( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط، ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل) رواه مسلم .

لقد كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم مضرب المثل، ومحط النظر، فهو شجاع في موطن الشجاعة، قوي في موطن القوة، رحيم رفيق في موطن الرفق، فصلوات ربي وسلامه عليه.





وقفة

الشجاعة من أكرم الخصال التي يتصف بها الرجال، فهي عنوان القوة، وعليها مدار إعزاز الأمة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، فالشجاعة صفة لا يتحلى بها إلا الأقوياء الذين لا يأبهون الخوف، ولا يجعلون الخور والضعف ديدنهم .

يكفي المؤمن الشجاع شرفا أن الله يحبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) رواه مسلم ، ويكفي الجبان مذمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يتعوذ من هذه الصفة، فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعوات لا يَدَعْهن ومنها: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبة الرجال ) رواه البخاري .






الخاتمة

هذا فيض من غيظ ونقطة من بحر وقليل من كثير من سيرة البشير النذير السراج المنير فما أحوجنا أن نملأ بمحبته قلوبنا ، ما أحوجنا أن نربي على هذه السنة والأخلاق الكريمة صغارنا وكبارنا ، ما أحوجنا أن نتربى عليها مساءً و صباحً ، ونعتقد فضلها سرًا وجهارًا ، لتظهر آثارها علينا ليلاً ونهارًا ، فبحسب متابعته تكون العزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد والهداية والفلاح والنجاة وطيب العيش في الدنيا والآخرة

استودع الله دينكم وأمانتَكم وخواتيم أعمالِكم وسلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليكم .


17
4K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عاشقة الصداقة
عاشقة الصداقة
اللهم صل وسلم على سيد الانام م تعاقب الليل ونهار
واله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين

صلاوته ترفع الدعوات وتعقب البركات فصلو عليه وسلمو تسليما

طاب قطفك اريجا ندي من سيرة الحبيب الصفي جمعنا الله واياكن والاحبة في الله على حوضه الكريم
آهات رحلة
آهات رحلة
اللهم صل وسلم على سيد الانام م تعاقب الليل ونهار واله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين صلاوته ترفع الدعوات وتعقب البركات فصلو عليه وسلمو تسليما طاب قطفك اريجا ندي من سيرة الحبيب الصفي جمعنا الله واياكن والاحبة في الله على حوضه الكريم
اللهم صل وسلم على سيد الانام م تعاقب الليل ونهار واله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين...
عزيزتي عاشقة الصداقة
شكراً لحضورك الكريم
واللهم صل وسلم على محمد
الشمـ ــ ـ ــاليه
اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين جزاك الله الفردوس الاعلي
آهات رحلة
آهات رحلة
اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين جزاك الله الفردوس الاعلي
اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين جزاك الله الفردوس...
شكراً على دعواتك الطيبة ولك بالمثل عزيزتي

شكراً على تواجدك أختي ،، وجزاك الله خيراً
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
الأخت أهات الكريمة :
أخذتنا في رحلة فاح عطر قدسيتها بسيرة أشرف الخلق ..
وأحطت بجوانب كثيرة. من سمات تلكم الشخصية العظيمة ...
رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ..
ولكنه البحر لاينتهي الحديث عنه ...لكل راغب ومحب وباحث ..
فجزاك الله خيراً لما قدمت من ثروة المعلومات المباركة ..
ولتناسق الأفكار .. وجمال الحرف .. والموضوع عامة مظهراً ومخبراً
وبارك الله بك .