فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

~الرّسول المُصْلح ~ فعالية لرسول الله

الأدب النبطي والفصيح





رسولُ البشريّة لكلّ العصور ~

لقد أتى على الإنسانيّة حينٌ من الدهر ...
كانت فيه كلّ أمّةٍ منكمشة على ذاتها ... منعزلةً عن سائر الأمم..
وكان استشرافها مقصوراً على بيئتها المباشرة ..
فهي تحسب نفسها الكل في الكل ..
وهكذا شاءت الحكمة الإلهية أن تبعث إلى كل أمّةٍ بنبيٍّ مستقلٍ...
كُيّفت رسالته وفق حاجاتها وأحوالها الخاصة ..
ولقد آدّى هؤلاء الأنبياء الرسالة .. وهي إحياء أمّةٍ بعينها ..
ولكن حقل رسالتهم كان محدوداً .. وإشعاع طاقتهم كان محدود النّطاق كذلك ..
فكاتت الشعلة تتوهج فترة من الزمان ثمّ تخبو شيئاً بعد شيء...
حتى أتى زمان عمّ فيه الظلام .. وباتت الحاجة إلى مصلحٍ
ينير ظلمات العقول ... على أشدّها..

ومن هنا آتى نبيٌ تتخطى قوته الروحية كلٌ تخمٍ .. وتمتد فعاليتها إلى آخر الدهر .
أجل ..! كان لكلّ أمّةٍ نبيّها ومصلحها وهاديها ،
والرسول الذي رفع شأنها أخلاقيّاً،
ولكن محمداً صلى الله عليه وسلّم هو الرسول الأعظم ..
ليس لأمّةٍ واحدةٍ بل رسول أمم العالم كافّة ؛
لأنه دون غيره من الأنبياء أعلن أنّ الإيمان بجميع رسل العالم
جزءاً أساسيّاً من العقيدة التي بشّر بها ،
وبذلك وضع حجر الأساس لسلّمٍ سرمديٍّ بين الأمم
على اختلاف أجناسها ،وأشكالها، وأديانها السماوية .
لقد أحدث تحوٰلاً في الحياة نحو الأفضل لم يُحدَث نظيره ... لاقبله ولا بعده .

حال العرب قبل الرسالة وبعدها ~

جاء محمد صلى الله عليه وسلم ... والعرب غارقون في الدرك الأسفل من الجهالة ..
لم يكن لديهم أيّ اتصال بسائر أجزاء العالم ..
كان التماسك القومي شيئاً مجهولاً لديهم .. إذ كانت كل قبيلة تشكل وحدة مستقلّة
وفشلت كل محاولة لرتق هذا التمزّق ... وإصلاح شأنهم ...
ثم هلّ و أشرق النور المحمّدي .. !!
فما هي إلا سنوات معدودات .. حتى محى جميع ضروب الفساد الديني
والأخلاقي والاجتماعي الراسخة الأصول في بلاد العرب ...
لقد حلّ أصفى شكل من أشكال الوحدانية ... محل صنوف الخرافات والوثنية المنحطّة
فإذا بأبناء الصحراء يفعمون بحميّة جديدة لقضية الحقّ ..
إفعاماً حملهم إلى أقاصي العالم ... ليؤدّوا رسالة الله ...
بزّوا أعظم النسّاك والزهّاد .. وما تخلّوا عن حياتهم ونشاطهم ..
لكنّهم .. ماأن يطرق صوت الأذان مسامعهم ..
حتى يطرحوا همومهم الدنيوية ويسجدوا خاشعين لله ..
ينفقون معظم لياليهم متهدجين مستغفرين ... تتجافى جنوبهم عن المضاجع
خوفاً من الله تعالى .. وطمعاً في جنّته ..


قبس من نور النبيّ المصلح ~

كان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يعرف كيف يعالج النفوس..
كان له أسلوب فريد في إصلاحها ...
يضع لها الدواء المناسب ... في الوقت المناسب ...
وهذه حادثة واحدة فقط نوردها ...
تبين لنا أن رسولنا الكريم له في النفوس البشرية نظرة غير ماينظر الناس جميعاً..
وأنّ حكمه كان نوراً ... صادراً عن قلبه الكريم .. الذي رأي بعينه الباطنة...
حقيقة القلوب المؤمنة المتبصرة .. الصاعدة إلى ربّها ...
فعن ابن عمر قال :
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سريّة
فحاص الناس حيصةٌ .. فقدمنا المدينة .. فاختبينا بها وقلنا : هلكنا ..
ثم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا :
يارسول الله نحن الفرّارون ..
قال : "بل أنتم العكّارون ، وأنا فئتكم ". آخرجه الترمذي

معنى ~ فحاص الناس حيصة : فروا من القتال .
ومعنى~ بل أنتم العكّارون : العكّار الذي يفر إلى أمامه لينصره
ليس يريد الفرار من الزحف .


لقد جاء هؤلاء السريّة إلى الرسول الكريم وهم موقنون بالهلاك عند ربهم
لأنهم فرّوا من الزحف ، معترفين بما وقع منهم ، ليقرّوا أنهم الفارّون
إقرار نفوس صافية .. ظاهرهم كباطنهم .. ولسان حالهم يقول :
هذا ماكان منّا ، فاقض فينا يارسول الله ماأنت قاض ...
إنهم يتوقعون أن يحكم في قضيتهم .. إمّا البراءة فيسعدوا
وإمّا الإدانة فيهلكوا ...
أو بين بين ... فيتوبوا ويستغفروا ...!!
فماذا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟
كان منه العجب !!!
قال : " بل أنتم العكّارون ، وأنا فئتكم "!!
ولكن ماذا كان يريد النبي الكريم بما قال ؟!
هنا تجيب بحار النور المشعشعة من مقاله:
يريد أن يقيل عثرة أصحابه ... ويأخذ بأيديهم إلى شاطئ التوبة ...
يريد أن يقيّم نفوسهم من جديد ...ويجدد عزيمتهم على الرشاد ..
يقول لهم : أنتم العكارون .. مافررتم من الزحف .. ولكن فررتم لتنضمّوا إلى غيركم ..
إنه التراجع حسب خطة موضوعة ... هو الإنسحاب لمعاودة الكرّة على العدو ..
ثم يزيدهم شرفاًإلى شرف فيجعل نفسه الشريفة ... فئتهم ...ويقول :" وأنا فئتكم "..
أنا الجماعة التي فررتم إليها ... لتنضموا إليها .. . وتواصلوا الجهاد من جديد..
وكأنه يشير إلى قوله تعالى :
( ومن يولهم يومئذٍ دبره إلا متحرّفاً لقتالٍ أو متحيّزاً إلى فئةٍ فقد باء بغضب من الله ).
وهكذا شرّفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ..
مرّة ... حين أعلن أنهم العكّارون ..
والأخرى ... حين أعلن أنه فئتهم ... وأخرجهم جميعاً بحكمه ...
من ظلمات خزي الفرار واليأس والفشل .. إلى نور رحمة العفو ..
من الانهيار إلى الأمل ...
لقد نظر الرسول إلى نفوس أصحابه فرأى معدناً كريماً..
وعرف أنّ هذه الظلمة التي مسّتهم ... ظلمة عارضة ...
استزلتهم إلى الفرار ولكنها لم تدخلهم النار .. ولم تحجبهم عن ربهم
وأنّهم سرعان ماتذكروا .. فأبصروا .. بعدها مباشرة ..
وهاهم أولاء يآتون آسفين ، منكسرين .. مقرٰين : نحن الفرارون ..
فاستبان لقلب الرسول الشريف أنهم يسبحون بقلوبهم في مقامات الرضا
وأن الله تعالى مازال راضياً عنهم .. وأن أنوار رضاه مازالت تتلألأ في قلوبهم
وكان حكمه .. رحمة .. عظيمة .. وسعت هؤلاء جميعاً .. وزادتهم نوراً على نور ..
هنالك فرح الفرّارون ...ودفعهم الفرح فانقلبوا من فرّارين من عدوهم ..
إلى فرّارين إلى ربهم .. انطلقوا يصعدون .. ويصعدون ..
فازدادوا قرباً وأنساً وإيماناً..
كان حكم محمد صلى الله عليه وسلم حقاً .. أقام النفوس على الحق ..
وكان حكمه شرفاً .. توّجهم بالنور فرفعوا رؤوسهم إلى أعلى ،
وخروا سجداً لربهم الآعلى..!!

وهكذا نبينا كان .. إذا رأى نفساً زاغت تعهدها بالهداية والرفق ..
فآبت إلى الطريق القويم ..
وهو في كل ذلك ... حقيقة قول ربه تبارك وتعالى في وصفه :
( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ماعنتم ،
حريص عليكم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم )


شهادة منهم ~
في كتاب الموسوعة البريطانية ، تحت مادّة " قرآن " جاء :
لقد أنجز محمد الرسول في مدى عشرين سنة ماعجزت عن إنجازه قرون عديدة
من جهود المصلحين اليهود والنصارى برغم السلطة الزمنية التي كانت تساندهم .
لقد استأصل من بلدٍ كاملٍ تراث أجيالٍ من الوثنيّة، والخرافة ، وسرعة التصديق ،
والجهل ، والبغاء ، والقمار، ومعاقرة الخمر ، واضطهاد الضعيف ، والحرب الضروس ،
ومئات من الشرور الأخرى .
ليس في استطاعة التاريخ أن يدلّنا على أي مصلحٍ آخر وفق إلى إحداث تحوّلٍ ..
في مثل هذه الروعة والتمام ، وعلى مثل هذا النطاق الواسع !.


الختام مسك النبوّة ~
حين يتحدث تلك الشخصية المتلألأة عن ذاته..
يأتي حديثه نابعاً من القلب .. صادقاً .. واضحاً بسيطاً ..
فيقول : " إنّي محمّد "
مجرداً من كل الألقاب .. أنا بشرٌ مثلكم ..
وحين يتحدّث محمّد الكريم عن حقيقة شخصيته يقول :
" إنّي رسول الله "
الظاهر بشر .. والحقيقة رسول .. بعث بالحقِّ...
والحديث في أيٍّ من الحقائق الثلاث لاتكفيه مجلّدات .. ولا يسعه أفق ...
فهو البحر .. (من أي النواحي أتيته .. فلجّته المعروف والجود ساحلهُ ..)
وهل نستطيع أن نحيط بأسرار وأغوار البحر كلها ؟!
وهل نستطيع إحصاء النور المتلألئ في كل مكان ..
ذلك هو معدن الرسول يكاد يضيء.. ولو لم تمسسه نار الوحي ...
هو الفطرة المنيرة بذاته .. من قبل أن يوحى إليه ..
كان نور على نور ..
نور الإيحاء إليه ...
ونور فطرة قلبه الذاتي
يكفي أن نقول وقد عجزنا :
إنّه نبينا محمّد ..!
اللهمّ أنت به أعلم منّا ..!



46
4K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عالم حواء888
عالم حواء888
جعله الله في موازين حسناتك
احسنتي
المحامية نون
المحامية نون
أختي فيض. ...
مجهود رائع أجدت في طرحه
فهي سيرة عظيمة مهما قلنا لانفيها حقها
ولكن كل حرف هو رد على استهزاء
المغرضين ...بارك الله فيك غاليتي
حنين المصرى
حنين المصرى
الغالية فيض
سلمت يداك حبيبتى على هذا الطرح القيم والمجهود الجميل
كلنا نذود حسبما نستطيع عن نبينا الحبيب
جعله الله في ميزان حسناتك اختى ودمت بود وحب دائمين غاليتى
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
جعله الله في موازين حسناتك احسنتي
جعله الله في موازين حسناتك احسنتي
بوركت أختي الفاضلة ( عالم حواء)
وأحسن الله لك الجزاء .
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
أختي فيض. ... مجهود رائع أجدت في طرحه فهي سيرة عظيمة مهما قلنا لانفيها حقها ولكن كل حرف هو رد على استهزاء المغرضين ...بارك الله فيك غاليتي
أختي فيض. ... مجهود رائع أجدت في طرحه فهي سيرة عظيمة مهما قلنا لانفيها حقها ولكن كل حرف هو رد على...
أختي الفاضلة نون :
شكراً لمشاركتك الطيبة
بارك الله بك