فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

( صغيرتي هبة ) بقلمي

الأسرة والمجتمع







*~ هي أخت زرعتها الأيام في عالمنا الافتراضي الأول ..
ثمّ حصدها الغياب عن ذلك العالم ..
ألّف بيننا باب الوردالقرآني اليومي الذي أسسته
وربطنا جماعة بشرائط الإيمان ..!
حتى أبعدتها عنّا الأيام
وبقي وردها ينطقنا باسمها دائماً.. !
نتذكر قلبها الكبير ، وكرم خلقها المستقي من نبع الجزيرة ..!
رجتني يوماً أن أكتب قصة ابنتها ليقرأها الجميع .. وقد كان ..!
أقول : لعلها ستقرؤها يوماً حيث ماكانت ..
وتخبرنا بما استجد في حياة ابنتها ...
ولعل معجزة ما من ألطاف الله... قد لمست حياة تلك الصغيرة
تبهجنا ..! ~*


ومن هنا كانت البداية ~

في إحدى ليالي الشتاء الباردة استقبلت مولودتي الصغيرة الحياة ببكاء كان صداه في قلبي رفيف حنانٍ .. وخفقة فرح ..!
تلوت آيات الشكر لله على هذه الهبة المحلقة في سمائي ..!
فبعد أن منَّ الله عليّ ورزقني بالبكر من أبنائي ولدٌ قُرّت به عيني وسُرَّ فؤادي ،
لبثت سنين كنت خلالها أتمنى أن يهبني الله تعالى زهرةً تملأُ بيتنا بهجةً وتشيع فيه السرور..!
فالبنت كالعطر يتسلل نشره في خلايا المكان ..
ويبث رسالات الفرح والسعادة ..! وهذا ماحصل !
فقد أسرت طفلتنا مشاعر الأسرة لحظة ولادتها ..
وكبرت محبتها مع الأيام حتى سربت في دماء شراييننا ..،
وغزت قلبي أبيها وأخيها .. أما أنا ..
فصارت هي قلبي الذي ينبض خارج أسواره ..!
واحتضنتها بعيني شغفي بحب لامتناهي ...
كنت كمن ملك نعيم الدنيا لحظة أن استقبلتها الدنيا ..!
وضممتها إلى صدري وطرفي مخضل بالشكر .. يرنو إلى السماء ..
ويلهج لساني :اللهُمَّ .. لكَ الْحَمْد ~
وسقطت من عيني دمعة شكر ... وأسميتها ...."هبة"..!
وتمر الأيام متلاحقة ..... "وهبة" تنمو وتتألق وتتفتح كالزهرة الغضة
جميلة موفورة الحسن ..! تضفي الرونق والبهجة على أيامنا ..!
واجتازت عامها الثاني ... وكانت لاتزال تتعثر في بدايات النطق ..!
...وكلمات أخرى مبهمة التفاصيل .. ذلك كان كل حصيلتها اللغوية..
( ترى لم هبة ليست كمحمد الذي ألمّ بمعظم الكلمات نطقاً في مثل سنّها ؟)
هكذا ساءلت نفسي ...!
ورغم إدراكي أن الأطفال يتفاوتون في اكتساب المهارات اللغوية
فقد تصرفت بلهفة الأم الحريصة وعرضت ابنتي على دكتورة مختصة ، فأكدت أن الوضع طبيعي وأن لاشيء يعيق نطقها ..
وأن ( التأخر في الكلام حالة يمر بها الكثير من الأطفال ، ثم تنطلق ألسنتهم دفعة
واحدة ، فلا تقلقي ..!)
هذا ما تفوهت به المعالجة حرفياً ، فاطمأن قلبي ..!
ولكن كانت رياح الأيام توشك أن تجري بغير ماتهوى سفن الآمال ..!!
فلم تتركني أسلم للراحة طويلاً ...!
في إحدى الليالي التي طبعت في ذاكرة حزني فزعت من نومي على صراخ صغيرتي المتواصل ..!
هرولت إليها وحملتها فإذا بها ساخنة كمس الجمار .. !!
فأسرعنا - والدها وأنا - بها إلى الطبيب في ليلة مطيرة مكفهرة لازلت أحمل خيوط ذكراهاالتي حاكت في شراييني الألم !
عاينها الطبيب ثمّ هزّ رأسه متحيراً.. ورمقنا بتعجب :
/ لمَ تأخرتم في المجيء بها ؟! إن حرارتها بلغت حدّاً خطيراً..!!!
/ لقد أسرعنا قدر استطاعتنا حالما لمسنا ذلك ..! رجاء ! اخبرنا ماذايحدث لطفلتنا ؟
قالها الوالد جزعاً ..
أما أنا فقد هوى قلبي بين ضلوعي خوفاً عليها ..!!
/ لاتجزعوا.!. خيراً ... إن شاء الله.!. سنبذل جهدنا..ونخفِّض حرارتها.
وبعد سلسلة من العلاجات استغرقت ليلنا أو كادت .. انخفضت حرارة هبة إلى النحو الطبيعي ..
فعدنا بها إلى البيت ونحن نتنفس الصعداء ..وقد لاحت تباشير الفجر في الأفق ..!
وكانت تلك الليلة هي البداية ..!
فما لبثت الحمى أن عاودت طفلتنا مراراً..
ونحن في كل مرة نتبعها بالدواء المخفض لتعود إلى طبيعتها مرة ً.. بعد مرة.. وامتدت أيام معاناتها ، وامتد العلاج .. حتى استقرت حالها ، وهجرتها الحمى ، فحمدنا الله !.
وعادت الإبتسامة إلى حياتنا وإلى محيا" هبة " ..!
وتمر دورة الحياة علينا وقد صفت لنا الأيام ..
ونحتفل بعيد طفلتنا الثالث ...
وهي لم تزل على صمتها الذي لا يسفر إلا عن كلمات قلائل ...
حدّثت نفسي : يجب أن تعرضيها على أحد الأخصائيين مرة أخرى ! ولا تهملي حالتها..!
وفعلاً توجهت إلى مقصدي وأكدوا لي أن مراكز النطق لديها سليمة ...!
إذن من أين يأتي هذا العجز ...؟؟؟!!!
وجاء الجواب أخيراً بعد سلسلة من الفحوصات ...
وكان مفاجأة قاسيةً انقضت على رؤوسنا .. ..!!!!
{{{لقد تضررت مراكز المخ المسؤولة عن النطق بسبب حالات الحمى التي عاودتها وأصبح مستوى ذكاءها أقل من المتوسط بمراحل !!
لن ينفع معها علاج ...!
ولن تستطيع أن تنطق بأكثر مما تعلمته سابقاً ..!
كان الله في عونكم!! }}}
هكذا اختصرت هذه الكلمات حياة ابنتي ، وأصابتنا بضربة قاضية ..!
وانهرت من هول الصدمة ... وانهمرت دموعي سكباً من ينبوع المرارة ..
" رحماك يارب. ..! " هتف بها صدري الملتاع ، وأسلمت الأمر لله ..!

وتمر السنوات وتبلغ " هبة " السادسة من عمرها ...
وأنا طوال تلك الفترة لم أيأس ...ولم أستسلم ...!
وطال طوافي على المتخصصين في علاج النطق ، وكان الجواب واحداً في كل مرّة ، ولم تفلح محاولاتي في مساعدتها على التقدم ..!
قررت أن أذهب بها الى مدرسة خاصة بهذه الحالات ..
وبعد اختبار قدراتهارفضوها.!
وتوالت سلسلة الرفض ،وتبعها توالي انهمار الأحزان على قلبي ..!!
وفي كل مرة كنت أعود أحمل في صدري همومي ،وحيرتي...
وخوفي على غاليتي مما تخبئه الأيام ،
وما يحمله المستقبل من مجهول . ..!
ولا زالت حيرة التساؤلات تجثم على صدري :
من سيرعاها من بعدي ..؟
من سيهتم لأمرها ..؟
من سيعي ماترمي إليه ويفهمها من خلال حروفها القليلة المبعثرة ؟
وحدي أنا التي تترجم كل حديث من نظراتها ..!
وتفهم كل حاجة من إشاراتها ..!
تصغي إليها نبضات قلبي ، فتستجيب لها ..!
لا أحد غيري يفهم تلك الرسائل القلبية بيني وبين " هبتي "
ولن يفهمها أحد ..!
أه كيف للعيون أن تنوب عن اللسان، فتنطق ...!
حين يخرس اللسان ، ويعجز العقل ؟؟!!
ثماني كلمات هي الفقر اللغوي لهبة ..! تدور بها معنا في عالم مفرداتنا الغنيّة ..!
مايحز في نفسي أن غاليتي لاتزال تعيش في عالمها المحصور بيننا نحن الثلاثة
مقيمة بين حنايانا.. لاتعي حجم خسارتها..!
ولا تفهم ماذا يعني المستقبل...!
.هبتي .. حين يحيطها العجز عن إيصال رسالة ما تأخذ بأيدينا إلى حيث تريد .. وتشير إلى ماتطلب ..!
هي تعيش بكليتها في سعادة وبساطة ...
ترتسم ابتسامتها دائماً على صفحة وجهها ..
وتأنس للأقارب فتهش لقدومهم ..
وتمد يدها لكل زائر ..!
وتلهو بملء قلبها الصغير ..!
وعندما يسدل الليل ستاره ، وتنام صغيرتي في دعة وسلام ..
يبقى قلبي مستيقظاً أتأمّل محياها الهاديء البريء..
وأحكم حول جسدها الغطاء ...
ثم أقبلها وأنثني ودمعة حائرة تجول في عيني...!
أجهد أن أ واريها عن زوجي الذي يدرك بأي هاجسٍ قلقٍ أعود ..!
يحاول أن يبث رسالة فرح لقلبي المضني ..
مذكراً أياي برحمة الله وحكمته وعظيم تدبيره ..!
عندها. . وفي كل مرة .. أنفض من تفكيري عوامل اليأس ، وأشرع باب الرجاء ..!
وتهيب بي روحي ...
أن الأمل لن يمّحي
مابقيت شرارة الإيمان في القلب ..!
وأن العبد في التفكير
والرب في التدبير ..!
لنفسي .. ولكل مبتلٍ مثلي أقول :
لا تحزنوا ..!
إنّ الله معنا ..!



43
5K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

~حروف مبعثره~
~حروف مبعثره~
بكتني الله يشفيها ي رب
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
بكتني الله يشفيها ي رب
بكتني الله يشفيها ي رب
غاليتي :

الله يسلمك

لك عابق السكر

وبورك الحضور !
نعمة ام احمد
نعمة ام احمد
لقد عرفت تلك الام بأي يد تضع قصة هبتها .. كانت تعلم يافيض ان قلمك سيوصلها لنا بكل نبضاتها المؤلمة .. خفف الله عنها مصابها وجعلها من الصابرات المحتسبات ..
fa6o0om el 7elwa
fa6o0om el 7elwa
الله يشفي بنتها ويعوضها يارب .. ويرزقها الاجر على هالصبر وفعلا ما دام الله معنا ليس هناك مانخاف منه
(( إن الله مع الصابرين ))
تغريد حائل
تغريد حائل
غاليتي...
من حنجرة المعانأة صاغت لنا روحكِ البيضاء قصة ألم..!
في ذاتها صبر، وريعان إيمان بالله...
وقصة الجميلة "هبة" ابتلاء من رب العباد...
وأن أراد الله شيئاً فأنما يقول له: كن فيكون.!
ماأعظمه سبحانه، وما ألطفه على عباده الصابرين.
وهو اللطيف بدمعة "هبة" والقدير على إسعاد قلب والدتها الحزين.
شفاها الله، وأذهب بأسها، وأبدل حزنها، وعوضها خيراً يارحمن..!
بسطوركِ ياغالية أرقتِ دمعي...
بورك اليراع، وبورك القلب المرهف... صادق التحنان.!
حماكِ المولى!!