الإلمام بمسائل وأحكام أهل مكة وحاضري المسجد الحرام بالحج والعمرة

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الإلمام بمسائل وأحكام
أهل مكة وحاضري المسجد الحرام
إعداد

زيد سلطان الشريف





بسم الله الرحمن الرحيم




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور

أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهديه الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .. أما بعد ..

فهذا بحث وجيز في أحكام أهل مكة وحاضري المسجد الحرام وقد طرأت فكرة إعداد لبحث في أحد مجالس شيخنا الشيخ هاني الجبير عندما سأل أحد الطلبة عن كتاب يجمع مسائل وأحكام أهل مكة فذكر الشيخ أنه لا يعرف ثم قال ونتمنى أن يفيدنا أحدكم ببحث يجمع هذه المسائل فتشوقت النفوس لمراجعة مثيل هذه الأحكام وهي أحكام دقيقة فبدأنا هذا البحث , فقد جمعنا هذه المسائل حسبما وقفنا عليه فيما توفرت لدينا فيه المراجع وكان اعتمادي الأكبر في هذا البحث على المذهب الحنبلي وكتب الحنابلة وعلى رأسها كتاب الإمام الشيخ موفق الدين ابن قدامه .
أسأل الله أن ينفع بهذا البحث وجزى الله كل من قدم لي عوناً في هذا البحث ...
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..



المسألة الأولى : من هم حاضري المسجد الحرام :


أولاً قبل الشروع في مسائل أهل مكة وحاضري مكة لابد أن نعرف من هم حاضرو المسجد الحرام , لا شك أن أول ما يتبادر إلى الذهن هم أهل مكة فهل المقصود أهل مكة فقط ؟ أو يدخل في هذا المعنى أناس من غير أهل مكة وسكانها فحاضر أصلها حضر .
يقول ابن منظور في لسان العرب : وحاضروا والحياة وحاضرها : الكائنون عليها قريباً منعاً لإنمام يحضرونها .
فقد يقول أن هذا هو المعنى اللغوي ولكن من هم المقصودون في القرآن الكريم فأحياناً تصرف بعض الألفاظ عن المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي أو الحقيقة الشرعية أو أن لها وجهاً ثم نقف عليها في اللغة لقلة علمنا في هذا المبحث فترجع إلى ما قاله المفسرون :
ذكر الإمام الطبري في غلاف المفسرين في معنى حاضري المسجد الحرام :
القول الأول أنهم أهل الحرم خاصة وذهب إلى هذا ابن مجاهد , قال الطبري حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة وذلك كن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام , قال قتادة : ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول : يا أهل مكة إنه لأمتعه لكم أحلت لأهل الأفاق وحرمت عليكم إنما يقطع أحدكم وادياً أو قال أيجعل بينه وبين الحرم وادياً ثم يهل بعمرة , وساق بسنده عن سفيان أنه قال بلغنا عن ابن عباس في قوله " حاضري المسجد الحرام " قال : هم أهل الحرم والجماعة عليه .
ثم ذكر الطبري أنه ذهب آخرون وقالوا عني بذلك أهل الحرم ومن كان منزله دون المواقيت أي مكة ذهب إلى هذا التفسير مكحول وابن المبارك وعطاء ودله الطبري أنه ذهب بعضهم فقال : " بل عني بذلك أهل الحرم ومن قرب منزله منه " . ذهب إلى هذا الزهري وابن زيد .
ثم قال الطبري بعد سرده للأقوال فقال : " وأول الأقوال في ذلك بالصحة عندنا قول من قال : إن حاضري المسجد الحرام من هو حوله ممن بينه وبينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصلوات لأن حاضر الشيء في كلام العرب هو الشاهد له بنفسه وإذا كان ذلك كذلك , وكان لا يستحق أن يسمى غائباً إلا من كان مسافراً شاخصاً عن وطنه وكان المسافر لا يكون مسافراً إلا بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر في مثله الصلاة وكان من لم يكن كذلك لا يستحق اسم غائب عن وطنه ومنزله كان كذلك من لم يكن من المسجد الحرام على ما تقصر إليه الصلاة غير مستحق أن يقال هو من غير حاضريه إذ كان الغائب عنه هو من وصفنا صفته .
أما أقوال الفقهاء أشار إليها القرطبي في تفسيره " من كان يجب عليه الجمعة فهو حضري ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي فحجل اللفظة من الحضارة والبئره وقال مالك وأصحابه هم أهل مكة وما اتصل بها خاصة وعند أبي حنيفة وأصحابه : هم أهل المواقيت ومن وراءها من كل ناحية فمن كان من أهل المواقيت أو من أهل ما وراءها فهم من حاضري المسجد الحرام , وقال الشافعي وأصحابه : هم من لا يلزمه تقصير الصلاة من موضعه إلى مكة وذلك أقرب المواقيت وعلى هذه الأقوال مذاهب السلف في تأويل الآية" . أ.هـ.
قلت وأما مذهب أحمد رحمه الله فقد ذكر ابن قدامه في المعنى قال : " وحاضروا المسجد الحرام أهل الحرم ومن بينه وبين مكة دون مسافة القص نص عليه أحمد وذكر ابن النجار الفتوحي في معونة ألي النهى : " وهم أهل الحرم ومن كان منه دون مسافة قصر " قال نص عليه لأن حاضر الشيء حل فيه أو قرب منه وجاوره بدليل رخص الفرد البعيد يترد فأشبه من وراء الميقات إلينا , إذا هذا ما ذهب إليه الشافعي وأحمد والطبري وهو مذهب عطاء ومكحول وابن المبارك .
وأخيراً قال ابن قدامه " ولنا أن حاضر الشيء من دنا منه ومن دون مسافة القصر قريب في حكم الحاضر بدليل أنه إذا قصده لا يترخص رخص السفر فيكون من حاضريه وتحديده بالميقات لا يصح لأنه قد يكون بعيداً يثبت له حكم السفر البعيد إذا قصده ولأن ذلك يقضي إلى جعل البعيد من حاضريه والقريب من غير حاضريه فإن المواقيت قريباً وبعيداً واعتبارنا أولى , لأن الشارع حد الحاضر بدون مسافة القصر بنفي أحكام المسافرين عنه فالاعتبار به أولى من الاعتبار بالنسك لوجود لفظ الحضور في الآية .

المسألة الثانية : هل على أهل مكة عمره :


أقول أن هذه المسألة فرع على مسألة هل العمرة واجبة أو سنة فمن قال بوجوبها ذكر هذه المسألة .
قال القاضي وغيره أطلق أحمد وجوبها في مواضع فيدخل فيه المكي وغيره , قال : وهو قول شيخنا فدل على أن أحمد لم يصرح بوجوبها , وصرح في رواية : بأنها لا تجب على المكي وتجب على غيره " أو معونة أولي النهى .
وذكر ابن قدامه : وليس على أهل مكة عمره . نص عليه أحمد " . أ.هـ
وصاحب الفروع ذكر ثلاث روايات للإمام أحمد " الأولى أن العمرة واجبة وأطلق الثانية العمرة سنة والثالثة واجبة إلا على المكي والثالثة نقلها عبد الله والأثرم والميموني وبكر بن محمد اختاره الشيخ وقال شيخنا : عليه نصوصه وتأولها القاضي على أنه نفى عنه ذم التمتع كذا قال وقد سأله عبد الله وغيره من أين يعتمر أهل مكة , قال : ليس لهم عمر لأن ذلك قول " لكنه من رواية إسماعيل بن مسم المكي وهو ضعيف " .
" وهذا القول قول عطاء وطاوس قال عطاء ليس أحد من خلق الله إلا عليه حج وعمره واجبتان لابد منهما لمن استطاع إليهما سبيلاً إلا أهل مكة فإن عليهم حجة وليست عليهم من أجل طوافهم بالبيت ووجه ذلك أن ركن العمرة ومغطاها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فأجزأ عنهم " ( ابن قدامه في المغني ) .
أخيراً أحب أن أختم هذه المسألة بكلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
قال ابن عثيمين : " فمن هذا خلاف في مذهب الإمام أحمد فالإمام أحمد نص على أنها غير واجبة على المكي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , بل إن شيخ الإسلام يرى أن أهل مكة لا تشرع لهم العمرة مطلقاً وأن خروج الإنسان من مكة ليعتمر ليس مشروعاً أصلاً ولكن في القلب من هذا شيء لأن الأصل أن دلالات الكتاب والسنة عامة تشمل جميع الناس إلا بدليل يدل على خروج بعض الأفراد من الحكم العامة " أ.هـ.

المسألة الثالثة : من أين يحرم أهل مكة وحاضري المسجد الحرام ؟

أولاً : الإحرام للحج :

قبل الشروع في ذكر إحرام أهل مكة من هم أهل مكة , أو من الذي له الحق أن يحرم من مكة ؟
قال ابن قدامه : أهل مكة من كان بها سواء كان مقيماً بها أو غير مقيم لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتاً له فكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج .
قال ابن مفلح صاحب الفروع :

" ميقات من حج من مكة مكي أو لا منها " .


قال النووي : " وأما المكاني فالناس فيه ضربان أحدهما المقيم بمكة مكمل كان أو غيره .
نعود للمسألة من أين يحرم من كان في مكة مقيماً أو ليس بمقيم ؟
قال ابن قدامه : " فكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم خلافاً في ذلك ثم قال : " والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "حتى أهل مكة يحلون منها " .
يقول ابن مفلح " ميقات من حج من مكة – مكة أولاً – منها وظاهرها : لا ترجيح .
وأظهر قوي الشافعي من باب داره ويأتي المسجد محرماً " .
يقول النووي : " وفي ميقات الحج من حقه وجهان وغيره قولان أصحهما نفس مكة وهو ما كان داخلاً منها والثاني مكة وسائر الحرم " يقول النووي : " فعلى الأولى لو فارق بنيان مكة وأحرم في الحرم فهو مسيء يلزمه الدم إن لم يحد كمجاوزة سائر المواقيت وعلى الثاني حيث أحرم في الحرم لا إساءة .
ثم قال النووي : قال أصحابنا : ويجوز الإحرام من كل موضع من مكة بلا خلاف لعموم حديث ابن عباس " فالنووي فرق بين الحرم ومكة فابن قدامه اختار أن له أن يحرم من أي الحرم بالحج جاز لأن المقصود من الإحرام به الجمع في النسك بين الحل والحرم وهذا يحصل بالإحرام من أي موضع كان فجاز كما يجوز أن يحرم بالعمرة في أي موضع كان من أهل .
يقول ابن النجار : ويحرم من بمكة لحج منها أي من مكة لحديث ابن عباس ويصح لمن بمكة أن يحرم من الحل ولا دم عليه " .
وابن قدامه فصل في ذلك " فإن أحرم من الحل نظرت فإن أحرم من الحل الذي الموقف فعليه دم لأنه أحرم من دون الميقات وإن أحرم من الجانب الأخر ثم سلك الحرم فلا شيء عليه نصل عليه أحمد " يقول لإنه يكون كمن أحرم قبل الميقات فجاز له ذلك أما من جهة الوقف فكأنه أحرم من الميقات فعليه دم .


ثانياً : الإحرام بالعمرة :


ما ذكره العلماء أنه المكي يحرم من الحل استدلالاً بحديث عائشة أنها أحرمت من التنعيم . ذكر ابن قدامه أنه لا يعلم خلافاً في ذلك . واستدل الأصحاب أيضاً أن جميع أفعال العمرة كلها في الحرم فلم يكن بد من أول ليجمع في إحرامه ما بين الحل والحرم بخلاف الحج فإنه يخرج إلى عرفة فيحصل الجمع .
وذكروا أنه لو أحرم للعمرة من مكة انعقد إحرامه وعليه دم لأنه أشبه ما لو تجاوز الميقات بغير إحرام .


المسألة الرابعة : هل على حاضري المسجد الحرام دم تمتع أو لا ؟



قال تعالى : {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (196) سورة البقرة
ذكرنا الخلاف سابقاً فيمن هم حاضري المسجد الحرام والخلاف الذي يذكر هنا هل على من كان حاضراً المسجد الحرام هل له أن يتمتع وإذا قلنا عليه هل له أن يهدي ؟
قال ابن كثير : " اختلف أهل التأويل فيمن عني بقوله : " لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم معنيون به وأنه لا متعة لهم " فقد ذكر هنا ابن كثير الإجماع على أنه لا متعة لهم ولكن الإجماع لا أظن أنه وقع عند الفقهاء فقد اختلفوا في هذه الآية .
قال ابن عاشور : " وقوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) إشارة إلى أقر بشيء في الكلام وهو هدي التمتع أو بدله وهو الصيام والمعنى أن الهدي على الغريب عن مكة كي لا يعيد السفر للعمرة فأما المكي فلم ينتفع بالاستغناء عن إعادة السفر فلذا لم يكن عليه هدي وهذا قول مالك والشافعي والجمهور فلذلك لم يكن عندهما على أهل مكة هدي في التمتع والقران لأنهم لا مشقة عليهم في إعادة العمرة.
وقال أبو حنيفة الإشارة إلى جميع ما يتضمنه الكلام السابق على اسم الإشارة وهو التمتع بالعمرة مع الحج ووجوب الهدي فهو لا يرى التمتع والقران لأهل مكة وهو وجه من النظر .
إذاً الخلاف في عودة اسم الإشارة على ذلك والأصل في عود الضمير أن يكون إلى أقرب مذكور ولكن الإشارة بذلك إشارة إلى البعيد فمحل النزاع في عود الضمير في اسم الإشارة وأحسن من وقعت عليه قد تكلم في هذه المسألة النووي .
قال النووي وقد أجاب على هذا الإشكال " قال القاضي أبو الطيب وجواب أخر وهو أن قوله تعالى " فمن تمتع " شرط , وقوله تعالى " فما استيسر من الهدي " جزاء الشرط وقوله تعالى " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " بمنزلة الاستثناء وهو عائد إلى الجزاء دون الشرط كما لو قال : من دخل الدار فله درهم إلا بني تميم , أ و قال ذلك ممن لم يكن من بني تميم فإن الاستثناء يعود إلى الجزاء دون الشرط واحتج الإمام النووي بأن من تمتع لا هدي عليه هو ظاهر الآية .
وأجاب بأن الكلام في ذلك لمن لم يكن بمعنى على القول " إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم " وهذا ما أشار إليه القرطبي في تفسيره .
وأما مذهبنا وما ذكره الأصحاب فقد ذهبوا إلى أنه لا دم على المتمتع من حاضري المسجد الحرام .
قال ابن قدامة " أما المكي فلا يجب عليه دم متعة بحال " .
وعندما ذكر ابن مفلح شروط دم المتعة قال : " الخامس ألا يكون من حاضري المسجد الحرام ... " وهذا ما ذكر في الروض المربع وغيره .


المسألة الخامسة : هل على أهل مكة وحاضري المسجد الحرام رملٌ في الطواف:


في هذه المسألة لم أقف على من تكلم في هذا الموضوع أو هذه المسألة سوى ابن قدامه والشيخ منصور البهوتي والشيخ ابن عثيمين .
ذكر ابن قدامه أن هذا قول ابن عباس وابن عمر وكان ابن عمر إذا أحرم من مكة لم يرمل وهذا لأن الرمل شرع في الأصل لإظهار الجلد والقوة لأهل البلد وهذا المعنى معدوم في أهل البلد والحكم في من أحرم من مكة حكم أهل مكة , قال أحمد " ليس على أهل مكة رمل " عند البيت ولا بين الصفا والمروة .
وهذا مثل ما ذكره صاحب الروض في أن ليس إلا على الأفقي والأفقي هو الذي أحرم من بعيد عن مكة أو من كان بينه وبين مكة مسافة قصر .

المسألة السادسة : حكم الجمع والقصر لأهل مكة وحاضري المسجد الحرام في عرفة ومزدلفة :


اختلف العلماء في ذلك فمنهم من يرى القصر والجمع لأهل مكة وهو مذهب الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعي .
وذهب الإمام الشافعي وأحمد أنه أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون الصلاة .
وذهب الإمام أبي حنيفة أن أهل مكة يجمعون وليس عليهم قصر .

أدلة أصحاب القول الأول :


قال شيخ الإسلام : وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى كما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة ومنى وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه أحد من أهل مكة أن يتموا الصلاة ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى أتموا صلاتكم فأنا قوم سفر ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ ولكن النقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في غزوة الفتح الحاصل بهم بمكة .
القول الثاني : ذكر النووي أن هذا القول مذهب الجمهور أنه إذا كان الإمام مسافر فصلى بهم الظهر والعصر يوم عرفة قاصراً قصر خلفه المسافرون سفراً طويلاً ولزم المقيمين الإتمام ثم ذكر احتجاج مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب لما قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم انصرف فقال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فأنا قوم سفر ثم صلى عمر ركعتين ولم يبلغني أنه قال لهم شيء . قال النووي وهذا دليل لنا لا له لأنه يحتمل أنه قال أيضاً في منى , ولم يبلغ مالكاً ويحتمل أنه ترك اكتفاء بقوله في مكة إذ لا فرق بينهما في حق أهل مكة .
قال الشوكاني " وذكر أصحاب الشافعي : أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشرة فرسخاً إلحاقاً له بالقصر , قال : وليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر فقال : " أتموا فإنا سفر " ولو حرم الجمع لبينه لهم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة " إذا الشوكاني كأنه يميل إلى القول الثالث .
القول الثالث : وهو التفصيل فإن أهل مكة عليهم جمع ولا يقصرون الصلاة .
قال ابن قدامه في الجمع " وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخاً إلحاقاً بالقصر وليس بعد فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فجمع من معه من المكيين ولو حرم الجمع لبينه لهم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز , ثم قال وذكر ابن قدامه " وقد كان عثمان يتم الصلاة لأنه أتخذ أهلاً ولم يترك الجمع وكان الزبير بمكة وقال ابن مليكة : وكان ابن الزبير يعلمنا المناسك فذكر أنه قال : إذا فاض , فلا صلاة إلا بجمع .
ثم ذكر في قصر الصلاة فقال فلا يجوز لأهل مكة وبهذا قال عطاء ومجاهد والزهري وابن جريج والثوري ويحيى القطان والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر , وأظن أن سبب الخلاف هو ما هو سبب الجمع والقصر فإن كان نسك كان لأهل مكة الجمع والقصر وإن كانوا مسافرين ليس لهم القصر والجمع ولكن قد يجوز الجمع كما استدل به ابن قدامه .
هل على أهل مكة طواف وداع وحاضري المسجد الحرام ؟
هناك خلاف هل حاضري المسجد الحرام مثل أهل مكة ومن كان بالحرم هل يكون مثل المكي .
ابن قدامه جعل من كان في أحرم مثل المكي لا وداع عليه ثم قال ومن كان منزله خارج الحرم فظاهر كلام الخرفي أنه لا يخرج حتى يودع البيت وهذا قول أبي ثور وقياس قول مالك وأما الحنفية فإنهم كما ذكر ابن قدامه أن أهل المواقيت بمنزلة أهل مكة في طواف الوداع لأنهم معدون أنهم من حاضري المسجد الحرام بدليل سقوط دم المتعة عنهم ثم ولنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم " لا ينفرن أحد حتى يكون أخر عهده بالبيت " ولإنه خارج من مكة فلزمه التوديع " .
إذا ابن قدامه لا يجعل على أهل مكة وأهل الحرم أما من كان بعيد عن مكة فإنه عليه طواف وداع .
الخاتمة :
أسأل الله العظيم أن ينفعنا بما تعلمناه وبحثناه في هذا البحث وأن يجعله خالصاً
لوجهه الكريم . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...


المراجع



1. المغني لابن قدامه 2. الفروع لابن مفلح
3. معونة أوي النص لابن النجار الفتوحي 4. الروض المربع للبهوتي
5. الشرح الممتع لابن عثيمين 6. المجموع للنووي
7. مجموع الفتاوى لابن تيمية 8. سبل الصنعاني
9. نيل الأوطار للشوكاني 10. تفسير الطبري
11. تفسير القرطبي 12. تفسير ابن كثير
13. التحرير والتنوير 14. فتح القدير للشوكاني


المصدر " ملتقى أهل الحديث"

14
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

*هبة
*هبة
بارك الله فيك
ورزقك الفردوس الاعلى من الجنة

ووالديك ولاحرمك الأجر والثواب

ونفعنا بطرحك المميز


ـ أم ريـــــم ـ
بارك الله فيك ورزقك الفردوس الاعلى من الجنة ووالديك ولاحرمك الأجر والثواب ونفعنا بطرحك المميز
بارك الله فيك ورزقك الفردوس الاعلى من الجنة ووالديك ولاحرمك الأجر والثواب ونفعنا بطرحك المميز
وفيك بارك حبيبتي هبه ولك مثل مادعوتي وأكثر شرفني مرورك
فرناز
فرناز
بارك الله فيك

وجعلها بميزان حسناتك ..
الجـمــ ام ـــــان
جزاكِ الله الجنه ووالديكِ غاليتي ام ريم ..
بارك الله فيكِ وفي جهودكِ وجعلها في ميزان حسناتكِ يابعدي ..
القــــرآن في قلبي
جزاك الله خير وربي يعطيك كل اللي تتمنينه
الله يعطيك العافيه ياقلبي ماقصرتي
طرح رائع ومجهود ارووع الله يكتبه بميزان حسناتك
الله يسعدك يا الغلاء ويرزقك بجنات النعيم ويخلي لك عيالك