(منفعة الحق ومنفعة الخلق) الشيخ سعيد شعلان

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

أما بعد:--

أيها المستقبلون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:--

لم يكن كلامي في الرسالة الأخيرة دعوةً إلى جفوة الناس ولا إلى ترك الإحسان إليهم أو ترك احتمال أذاهم، لا، ولكن كان ذلك من أجل سد الباب بشكل محكم غاية الإحكام أمام الوقوع في عبودية الخلق من دون الله نتيجةً للمبالغة في محبتهم والتعلق بهم بسبب نَفْعهم لنا وإحسانهم إلينا.

وفي بقية كلام الإمام ابن القيم -رحمه الله- مزيد إيضاح، فأعطه جزءً من اهتمامك تتضح لك أمورٌ ربما لم تنتبه لها من قبل.

فصل في بيان منفعة الحق ومنفعة الخلق وما بينهما من التباين:--

إذا تبين هذا ظهر أن أحدا من المخلوقين لا يقصد منفعتك بالقصد الأول بل إنما يقصد منفعته بك وقد يكون عليك في ذلك ضرر إذا لم يراع المحب العدل، فإذا دعوته فقد دعوت من ضره أقرب من نفعه.
وأما الرب سبحانه فهو يريدك لك ولمنفعتك لا لينتفع بك، وذلك منفعة لك محضة لا ضرر فيها.
فتدبر هذا حق التدبر وراعه حق المراعاة، فملاحظته تمنعك أن ترجو المخلوق أو تطلب منه منفعته لك، فإنه لا يريد ذلك البتة بالقصد الأول بل إنما يريد انتفاعه بك عاجلا أو آجلا، فهو يريد نفسه لا يريدك، ويريد نفع نفسه بك لا نفعك بنفسه، فتأمل ذلك فإن فيه منفعة عظيمة وراحة ويأسا من المخلوقين سدا لباب عبوديتهم وفتحا لباب عبودية الله وحده.
فما أعظم حظ من عرف هذه المسألة ورعاها حق رعايتها.
ولا يحملنك هذا على جفوة الناس وترك الإحسان إليهم واحتمال أذاهم بل أحسن إليهم لله لا لرجائهم، فكما لا تخافهم لا ترجوهم.
ومما يبين ذلك أن غالب الخلق يطلبون إدراك حاجتهم بك وإن كان ذلك ضررا عليك فإن صاحب الحاجة لا يرى إلا قضاءها، فهم لا يبالون بمضرتك إذا أدركوا منك حاجتهم، بل لو كان فيها هلاك دنياك وآخرتك لم يبالوا بذلك.
وهذا إذا تدبره العاقل علم أنه عداوة في صورة صداقة وأنه لا أعدى للعاقل اللبيب من هذه العداوة. فهم يريدون أن يصيروك كالكير ينفخ بطنك ويعصر أضلاعك في نفعهم ومصالحهم، بل لو أبيح لهم أكلك لجزروك كما يجزرون الشاة، وكم يذبحونك كل وقت بغير سكين لمصالحهم، وكم اتخذوك جسرا ومعبرا لهم إلى أوطارهم وأنت لا تشعر، وكم بعت آخرتك بدنياهم وأنت لا تعلم وربما علمت.
وكم بعت حظك من الله بحظوظهم منك ورُحْتَ صِفْرَ اليدين، وكم فوتوا عليك من مصالح الدارين، وقطعوك عنها وحالوا بينك وبينها وقطعوا طريق سفرك إلى منازلك الأولى ودارك التي دُعِيْتَ إليها وقالوا نحن أحبابك وخدمك وشيعتك وأعوانك والساعون في مصالحك.
وكذبوا، والله إنهم لأعداء في صورة أولياء وحرب في صورة مسالمين وقطاع طريق في صورة أعوان. فواغوثاه ثم واغوثاه بالله الذي يغيث ولا يغاث، "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم" التغابن 14.
"يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون" المنافقون 9.
فالسعيد الرابح من عامل الله فيهم ولم يعاملهم في الله، وخاف الله فيهم ولم يخفهم في الله، وأرضى الله بسخطهم ولم يرضهم بسخط الله، وراقب الله فيهم ولم يراقبهم في الله، وآثر الله ولم يؤثرهم على الله، وأمات خوفهم ورجاءهم وحبهم من قلبه، وأحيى حب الله وخوفه ورجاءه فيه، فهذا هو الذي تكون معاملته لهم كلها ربحا بشرط أن يصبر على أذاهم ويتخذه مغنما لا مغرما وربحا لا خسرانا.
ومما يوضح الأمر أن الخلق لا يقدر أحد منهم أن يدفع عنك مضرة
البتة إلا بإذن الله ومشيئته وقضائه وقدره، فهو في الحقيقة الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يذهب بالسيئات إلا هو، "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله" يونس 107.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس "واعلم أن الخليقة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك".
رواه الترمذي برقم: "2516" وصححه.
وإذا كانت هذه حال الخليقة: فتعليق الخوف والرجاء بهم ضار غير نافع والله أعلم.

وفقنا الله جميعاً لتصحيح توحيده واجتناب الشرك به سبحانه، آمين.

كتبه: سعيد شعلان.
5
616

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أم البنيين
أم البنيين
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
شيهانه®
شيهانه®
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم
أم البنيين
أم البنيين
جزاك الله خيرا
لمار**
لمار**
غفرالله لك ولنا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
لاإله إلاأنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير
رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين