هدية (لمن به حَدَثٌ دائم) الشيخ سعيد شعلان

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أيها المستقبلون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:--

أما بعد:--

فقد ذكرت في الرسالة الماضية أن هناك أمراً يحير الكثير من المسلمين، وأنه سيأتيهم الفرج والخلاص من حيرتهم في الفتوى التي تنتظمها الرسالة القادمة، وها هو أوان الوفاء بالوعد.

حكم وضوء من به حَدَثٌ دائم:--


من كان به حدث دائم كالاستحاضة والإفرازات الكثيرة الدائمة وسلس البول والغازات وانفلات الريح والجرح السائل بالدم الذي لا يرقأ وأشباههم: فإنهم يلحقهم مشقة عظيمة وحرج بالغ في ما يتعلق بالوضوء لكل صلاة وخصوصاً إذا اشتد البرد في فصل الشتاء.

ولهذا فإني أوجههم جميعاً إلى العمل بالرأي الآخر للعلماء في مسألة الوضوء.

وأكثر أهل العلم على أن من به حدث دائم -وقد بذل جهده في محاولة العلاج فلم يَزُل حَدَثُه- فإنه يجب عليه الوضوء لكل صلاة، فيصلي بذلك الوضوء ما بين الوقتين ما شاء من فرائض ونوافل ويقرأ في المصحف ويؤدي الأذكار ويطوف، ويفعل ما أراد من الأمور التي يجب أو يستحب لها الوضوء، فإذا دخل وقت صلاة أخرى انتقض وضوؤه ووجب عليه الوضوء من جديد.

ويبقى ما بين كل صلاتين على وضوئه ما لم يقع منه ناقض آخر غير الذي به حدثه الدائم، فإذا وقع منه ناقض آخر: لَزِمَهُ الوضوء حتى وإن كان بين صلاتين.

فمن كان مصاباً -مثلا- بسَلَسِ البول: فإنه يتوضأ لكل صلاة ولا ينقض وضوءه بين الوقتين إلا خروج الريح أو الغائط أو النوم المستغرق أو غير ذلك من النواقض.

ويقولون إن على من به حدث دائم أن يستعمل ما يحول دون وصول النجاسة إلى الملابس والجسد والبقعة التي يصلي فيها، يعني عليه أن يتحفظ بقدر ما يستطيع من تلويث النجاسة.

ولنا أن نتصور شدة معاناة من به حدث دائم إذا أراد -وهو خارج بيته- أن يقوم بتبديل ما يتحفظ به وما يستتبعه ذلك من خلع جميع الملابس التي على أسفل بدنه، وخصوصاً إذا كان الجو بارداً فضلا عن أن يكون شديد البرودة!!.

وقد ذهب الإمام مالك وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعكرمة مولى ابن عباس وتلميذه -عليهم جميعاً رحمة الله- إلى أن من به حدث دائم لا ينقض وضوءه دخول وقت صلاة أخرى، وإنما ينقض وضوءه ناقض آخر غير ما به حدثه الدائم.

وقبل أن أنقل هذا الكلام من المغني لابن قدامة -والذي سيريح العمل به المتضررين من المشقة والحرج- أؤكد أن الحق -إن شاء الله- مع هؤلاء الأئمة، لأن الوضوء باتفاق جميع العلماء لا ينقضه الحدث الدائم ما بين الصلاتين، فكيف ينقضه دخول الوقت؟

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: فإن الوضوء عند دخول الوقت لمن به الحدث الدائم لا يفيد شيئاً مع استمرار الحدث.

فهذه حجج قوية مقنعة، ولهذا فإني أقول بهذا القول وأرجحه على قول أكثر أهل العلم الذين احتجوا لقولهم بما جاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبَيْش التي كانت تستحاض فقال لها: "وتوضئي لكل صلاة".

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عائشة برقم: "228"، ومسلم برقم: "333"، وأشار مسلم إلى أنه حذف هذه الجملة -التي هي حجة الأكثرين- عمداً.

فصار غاية ما هنالك أنهم احتجوا بجملة مختلف في ثبوتها، وأما أصحاب القول الثاني فمعهم -بالإضافة إلى حججهم- قاعدة فقهية عظيمة، وهي: أن المشقة تجلب التيسير، فالحمد لله رب العالمين الذي جعلنا من أهل هذا الدين الذي جاء بالتيسير والسهولة ورفع الآصار والأغلال، حتى يؤدي العباد عباداتهم وهم في غاية النشاط والإقبال والخشوع والارتياح.

وإليكم كلام أهل القول الذي فيه السهولة واليسر من المجلد الأول من كتاب المغني لابن قدامة:--

فصل: ويلزم كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن لا يخرج منه شيء.
وبهذا قال الشافعي وأبو ثور
وأصحاب الرأي.
وقال مالك: لا يجب الوضوء على المستحاضة، وروي ذلك عن عكرمة وربيعة، واستحب مالك لمن به سلس البول أن يتوضأ لكل صلاة إلا أن يؤذيه البرد فإن آذاه قال: فأرجو أن لا يكون عليه ضِيْقٌ في ترك الوضوء.
واحتجوا بأن حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش: فاغتسلي وصلي ولم يأمرها بالوضوء".

وممن رجع إلى هذا القول بعد زمان من إفتائه بالقول الأول: شيخنا محمد بن عثيمين في فتاويه التي كانت تذاع في برنامج "نور على الدرب"، وذلك حسب ترقيمي الشخصي لنسختي الإلكترونية، فتوى رقم: "1425".
فإليكم الفتوى بسؤالها وإجابته:--


1425-- أحسن الله إليكم تقول هذه الأخت السائلة في فتوى لفضيلتكم حفظكم الله وسدد خطاكم: ذكرتم بأن المرأة التي تنزل منها السوائل باستمرار يجب عليها الوضوء لكل صلاة، وأنا أخجل أن أخبر بهذا الحكم لكل امرأة أصادفها علما بأنني لا أعلم هل هذه المرأة تنزل منها السوائل أم لا، مع أنني أحاول في كثير من الأحيان إخبار النساء اللاتي أعرفهن.
ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
فأجاب رحمه الله:
نعم المرأة التي تنزل منها السوائل دائما لا ينتقض وضوؤها إذا خرج هذا السائل، لكنها على المشهور من مذهب الحنابلة -رحمهم الله- أنه يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة.
يعني مثلا إذا دخل وقت الظهر تتوضأ لصلاة الظهر، لكن بعض أهل العلم يقول لا يجب عليها أن تتوضأ إلا أن يوجد ناقض غير هذا السائل.
مثال ذلك امرأة توضأت الساعة الحادية عشرة صباحاً، والخارج يخرج منها باستمرار، نقول وضوؤها صحيح تصلي ما شاءت، فإذا دخل وقت الظهر وجب عليها الوضوء عند الحنابلة -رحمهم الله-، وقال بعض العلماء إنه لا يجب عليها أن تتوضأ لصلاة الظهر لأنها قد توضأت من قبل وهذا الحدث دائم وهو لا ينقض الوضوء فإذا كان لا ينقض الوضوء فمن الذي قال إن دخول وقت الصلاة ينقض الوضوء؟ بل نقول إنها تصلي بالوضوء الذي قامت به الساعة الحادية عشرة إلا إن وجد ناقض آخر كخروج ريح من الدبر أو ما أشبه ذلك من نواقض الوضوء فهنا تتوضأ لوجود الناقض.
وهذا القول ليس بعيدا من الصواب وكنت فيما سبق أجزم بما عليه الفقهاء الحنابلة وأوجب الوضوء لكل صلاة وبعد الاطلاع على هذا القول الثاني وهو عدم الوضوء وقوة تعليله: فإني أرجع عن كلامي الأول إلى الثاني وأقول ليس عليها الوضوء إلا أن يحصل حدث آخر غير هذا الخارج السائل فأرجو الله تعالى أن يكون فيما ذهبت إليه أخيرا صواب وموافقة لشريعة الله عز وجل.


وكلام الشيخ يعم كل من به حدثٌ دائم، والله أعلم.

وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، آمين.

الأحد 20/1/1432-ه.

كتبه: سعيد شعلان.
7
744

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أم البنيين
أم البنيين
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه
شيهانه®
شيهانه®
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم
أم البنيين
أم البنيين
لا حرمنا الله من مرورك العطر
أم البنيين
أم البنيين
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
لمار**
لمار**
غفرالله لك ولنا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
لاإله إلاأنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير
رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين