علاج فراغ القلب من محبة الله وخوفه ورجائه للشيخ سعيد شعلان

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:--
أما بعد:--
فإن كثيراً من المسلمين يتساءلون عن كيفية علاج قلوبهم التي ضَعُفَتَ فيها محبتهم -لله عز وجل- أو خَلَتْ منها بالكلية -والعياذ بالله- وكذلك الحال بالنسبة للخوف والرجاء.

ولهذا نقلت لكم هذا الفصل العظيم المنفعة من صفحة 95 من المجلد الأول من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فقد تكلم عن هذه المسألة بكلام سماه: "قاعدة جليلة في ما يحرك القلوب إلى تعالى".

وأجاب كل من قد يسأل عن علاج قلبه الفارغ من محبة الله وخوفه ورجائه.

وذكر شيخ الإسلام وهو يتكلم في هذا الفصل: الآيات التي يتحقق بتلاوتها وفهمها والعمل بها: علاج فراغ القلب من محبة الله، ولم يفعل ذلك في ما يتعلق بالعلاج من فراغ القلب من الخوف والرجاء، فقال في الخوف: يطالع العبد آيات الوعيد والزجر والعرض والحساب.

وسأذكر لكم بعض أرقام الآيات التي تتعلق بهذا الشأن، وعليكم أن تستخرجوا نصوصها مسترشدين بالأرقام، كما يمكنكم أن تجربوا أنتم أنفسكم وتستغنوا عن أمثلتي.
قال الله تعالى: (وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا. ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) 48-49 سورة الكهف.
وقال تعالى: (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا. ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) 52-53 سورة الكهف.
وقال تعالى: (وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا. الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا. أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا. قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا) 100-106 سورة الكهف.
وقال تعالى: (فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين. لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون) 15-16 سورة الزمر.
وقال تعالى: (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون. كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) 24- 26 سورة الزمر.
وقال تعالى: (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون. وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) 47-48 سورة الزمر.
وقال تعالى: (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين. بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين. ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) 54-60 سورة الزمر.
وقال تعالى: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون. ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون. ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون. وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين. قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين. وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين. وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين. وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين)

وأذكر لكم أيضاً بعض أرقام الآيات التي يحصل بها علاج فراغ القلب من الرجاء، فقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أن ذلك يحصل بمطالعة آيات الكرم والحلم والعفو.
قال الله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون) 51-52 سورة البقرة.
وقال تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون. ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) (55-56) سورة البقرة.
وقال تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) (126) سورة البقرة.
وقال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (185) سورة البقرة.
وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) (186) سورة البقرة.
وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) (286) سورة البقرة.
وقال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) (133-136) سورة آل عمران.
وقال تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) (152) سورة آل عمران.
وقال تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم) (155) سورة آل عمران.
وقال تعالى: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) (49) سورة الحجر.

وقال تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم. والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون. وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين. هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون. ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون. وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون. وعلامات وبالنجم هم يهتدون. أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) (5-18) سورة النحل.
وقال تعالى: (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون. وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين. ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون. وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون. ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير. والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون. والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون) (65-72) سورة النحل.
وقال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون. ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون. والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين. والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) (78-81) سورة النحل.
وقال تعالى: (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) (119) سورة النحل.
وقال تعالى: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) (22) سورة النور.
وقال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) (68-70) سورة الفرقان.
وقال تعالى: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا) (41) سورة فاطر.
وقال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) (53) سورة الزمر.


والآن إلى كلام شيخ الإسلام:--

فصل:--
ولا بد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل فتعتصم به فتقل آفاتها أو تذهب عنها بالكلية بحول الله وقوته.
فنقول: اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة:--
1- المحبة.
2- والخوف.
3- والرجاء.
وأقواها المحبة، وهي مقصودة تراد لذاتها، لأنها تراد في الدنيا والآخرة، بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة.
قال الله تعالى: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" سورة يونس 62.
والخوف المقصود منه: الزجر والمنع من الخروج عن الطريق. فالمحبة تلقي العبد في السير إلى محبوبه، وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه.
والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب.
والرجاء يقوده.
فهذا أصل عظيم يجب على كل عبد أن يتنبه له، فإنه لا تحصل له العبودية بدونه.
وكل أحد يجب أن يكون عبدا لله لا لغيره.
فإن قيل: فالعبد في بعض الأحيان قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه، فأي شيء يحرك القلوب؟ قلنا يحركها شيئان:--
أحدهما: كثرة الذكر للمحبوب:-- لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به. ولهذا أمر الله عز وجل بالذكر الكثير، فقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا. الآية" سورة الأحزاب 41-42.
والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه:--
قال الله تعالى: "فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون" سورة الأعراف 69.
وقال تعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله" سورة النحل 53.
وقال تعالى: "وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" سورة لقمان 20. وقال تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" سورة إبراهيم 34. سورة النحل 18.
فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه من تسخير السماء والأرض وما فيها من الأشجار والحيوان وما أسبغ عليه من النعم الباطنة من الإيمان وغيره: فلا بد أن يثير ذلك عنده باعثاً.
وكذلك الخوف: تحركه مطالعة آيات الوعيد والزجر والعرض والحساب ونحوه.
وكذلك الرجاء: يحركه مطالعة الكرم والحلم والعفو.

أسأل الله تعالى أن يملأ قلوبنا بمحبته وخوفه ورجائه، آمين.
كتبه: سعيد شعلان.
11
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ديني سعادتي
ديني سعادتي
جزاك الله خير
أسأل الله تعالى أن يملأ قلوبنا بمحبته وخوفه ورجائه، آمين.
أم البنيين
أم البنيين
جزاك الله خيرا على مرورك العطر وعلى توقيعك المؤثر النافع
شيهانه®
شيهانه®
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم
أم البنيين
أم البنيين
جزاك الله خيرا
لمار**
لمار**
غفرالله لك ولنا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
لاإله إلاأنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير
رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين