"المسح على الخفين" الشيخ سعيد شعلان

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:--

أيها المستقبلون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:--
أما بعد:--


فإنه ليس معنى عنوان رسالتي: أن هناك أحكاماً في شريعة الإسلام تجوز في الشتاء ولا تجوز في الصيف، إنما المراد أن الشتاء يختص بالبرد، فيحتاج المسلم إلى استعمال الرُخَصِ الشرعية أكثر مما يحتاج إلى ذلك في الصيف.
فأحببتُ أن يكون في رسائلي القادمة معونة لإخواني على استعمال الرُخَصِ على وجه صحيح، لتكون عباداتنا مبنيةً على الإخلاص لله -عز وجل- والمتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع جعل ذلك كله مبنياً على أصل أصيل وأساس متين وركن ركين، ألا وهو الإيمان المستوفي لأركانه التي جاء بها القرآن والسنة.

"المسح على الخفين":--

وأول ما أتناوله في هذه الرسالة: المسح على الخفين والجوربين والجرموقين، وما في معناها من اللفائف التي لا يجد البعض غيرها وسيلةً لوقاية قدميه من شدة البرد.

أما الخفان: فهما كالجوربين، لكنهما مصنوعان من الجلد.
ومثلهما: الجرموقان، وهما خفان فيهما اتساع.
وأما الجوارب فمعروفة، وهي تنسج من الصوف والقطن ونحوهما.

والمسح على الخفين ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ومخالفة الروافض والخوارج في ذلك لا يُلْتَفَتُ إليها، لأنهم لا يعتبرون في الإجماع ولا في الخلاف.

أما دلالة القرآن: ففي القراءة بالجر لقوله تعالى في الآية السادسة من سورة المائدة: "وَأَرْجُلِكُم".
هذه قراءةٌ سبعيةٌ قرأ بها: "ابن كثير المكي، وأبو عمرو البصري، وحمزة الكوفي".

ومحل الاستدلال من هذه القراءة: أن الذي دلت عليه قراءة "وَأَرْجُلَكُم" بالفتح -كما قرأها: "حفص عن عاصم الكوفي، ونافع المدني، وابن عامر الشامي، والكسائي الكوفي"، أن فرض الرِجْلين في الوضوء: الغسل، لأن نصبها يعطفها على مغسول، وهو الوجه والأيدي: "فَاغْسِلُوا وُجُوْهَكُمْ وَأَيْدِيَكممْ".
والقراءة بالجر تعطفها على ممسوح، وهو الرأس.

وجاءت السنة فبينت أن غسل الرِجْلين يكون وهما مكشوفتان، والمسح يكون في حالة لبس الخفين أو الجوربين.

وأما دلالة السنة: فقد تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح على الخفين.
قال ابن المنذر: قال الحسن البصري: "حدثني سبعون من أصحاب رسول الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على خفيه".
وقد ذكر أهل العلم أنه قد روى المسح على الخفين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانون صحابياً، منهم العشرة المبشرون بالجنة في حديث واحد، أي الذين جاء النص على أنهم من أهل الجنة في حديث واحد، وهكذا ينبغي لمن أراد أن يقول: "العشرة المبشرون بالجنة"، أن يقول: في حديث واحد، لأن هناك من بُّشِروا بالجنة غيرهم.

ومن الأحاديث الواردة في المسح على الخفين: ما جاء في كتاب الوضوء من صحيح البخاري برقم: "203"، ومسلم في كتاب الطهارة من صحيحه برقم: "ب|د"، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكان المغيرة يصب الماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه، فلما وصل إلى الرِجْلين أهوى المغيرة إلى خُّفَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لينزعهما من أجل غسلهما: قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما".

وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز المسح على الخفين.

وقد ذكرتُ آنفاً أن مخالفة الروافض والخوارج لا تؤثر في الإجماع ولا في الخلاف، علماً بأن من تدعي الرافضة الانتساب إليه، وهو أمير المؤمنين الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب: أحد الصحابة الذين رووا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسح على الخفين.


وأما الجوربان: فقد ثبت المسح عليهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحديث المغيرة بن شعبة في سنن أبي داوود برقم: "159"،: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الجوربين والنعلين"، وصححه الألباني.
ورواه أيضاً أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة.
وروى ابن ماجة نحوه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه برقم: "560"، وصححه الألباني أيضاً.
وروى أحمد بتحقيق الأرنؤوط برقم: "22437"، وأبو داوود عن أحمد نفس من نفس الطريق برقم: "146"، عن ثوبان رضي الله عنه قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سَرِّيَةً فأصابهم البرد، فلما قدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- شَكَوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين".
والعصائب هي: العمائم.
والتساخين هي: الخفاف والجوارب وكل ما هو في معناها مما يُسَّخِنُ الأقدام ويدفئها.

هذا من حيث ثبوت النص في الجوربين، وأما من حيث المعنى: فالجوارب وأشباهها تلحق بالخفين لأن المراد منهما واحد، وهو الحاجة إلى الدفئ، وخوف الضرر، ومشقة النَزْع.

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن التحاق الجوربين بالخفين من حيث المعنى، في الجزء الثالث عشر من مجموع فتاواه:
"ولأنهما في معنى الخفين في حصول الارتفاق بهما".

ومن هنا يُعلَمُ أن الشريعة الإسلامية قد جاءت باليسر والسهولة ومراعاة الأحوال.

وسأتكلم عن فقه هذه المسألة من خلال نقاط تسهيلاً لفهمها وجمعها ومراجعتها.


1-- شروط المسح على الخفين:--

"ا" طهارة القدمين وطهارة الخفين:
لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين"، يشمل القدمين والخفين لصلاحية عَوْدِ الضمير في قوله: "أدخلتهما": إلى كل منهما، فلا بد من أن يكون المسلم قبل لبس الخفين طاهراً من الحَدَثين الأكبر والأصغر، ولا بد أيضاً من طهارة الخفين أو الجوربين من النجاسة.

"ب" أن يكون المسح في المدة المحددة شرعاً:--
وهي ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم.
دل على ذلك حديث علي بن أبي طالب في صحيح مسلم برقم: "276": "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام للمسافر ويوماً وليلةً للمقيم يعني في المسح على الخفين".

وحديث صفوان بن عَّسال في الترمذي برقم: "96"، وهو صحيح.
وحديث أبي بكرة الثقفي في ابن ماجة برقم: "556"، وصححه ابن خزيمة.

ولكن متى يبدأ حساب المدة:--

ذكر النووي في المجلد الأول من كتابه "المجموع" ثلاثة آراء:--
1- من حين اللبس: وذكر أن الماوردي والشاشي نقلاه عن الحسن البصري.
2- من بعد الحَدَث -أي الأصغر-:
وذكر أنه مذهب الشافعية وأبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وجمهور العلماء وهو أصح الروايتين عن أحمد.
3- من أول مسح بعد الحدث: وبه قال الأوزاعي وأبو ثَوْر ورواية عن أحمد وداوود واختاره ابن المنذر وحكاه عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
قال النووي: وهو المختار الراجح دليلاً وهو الذي دلت عليه الأحاديث الصحاح، ومنها حديث صفوان: "يمسح المسافر ثلاثة أيام"، فجعل عليه الصلاة والسلام المدة تبدأ من المسح.

وهذا الرأي الأخير هو الذي اختاره شيخانا -الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، رحمهما الله- ووضحه شيخنا الشيخ محمد بن عثيمين -في كتبه وفتاويه المسموعة والمقروءة- تمام الإيضاح، وبين أن المدة -على هذا القول- يمكن أن تصل في حق المقيم إلى ثلاثة أيام -مع أن الأصل فيها يوم وليلة-، ويمكن أن تصل في حق المسافر إلى خمسة أيام -مع أن الأصل فيها ثلاثة أيام بلياليهن-، فذكر أن المسلم إذا توضأ مثلاً عند صلاة فجر يوم الجمعة ولبس خفيه وظل على وضوئه فلم يُحْدِثْ حتى صلى العشاء: فقد استفاد يوماً كاملاً لم تُحْسَبْ له فيه مدة المسح بعد.
ثم نام ثم قام عند فجر يوم السبت فقضى حاجته وتوضأ ومسح على خفيه، فمن هنا يبدأ حساب مدة مسحه على الخفين، فله أن يمسح على الخفين كلما أحدث وتوضأ، وذلك إلى فجر يوم الأحد.
ومع أن المدة بذلك تكون قد انقضت في حقه: إلا أن طهارته تكون باقيةً ما لم يُحْدِثْ، فيستمر مستفيداً من لبس الخفين، غير أنه لا يجوز له المسح عليهما لأنه قد استنفذ المدة المأذون له فيها شرعاً، ومع ذلك إن حافظ على وضوئه يوم الأحد بتمامه: فلا يُطْلَبُ منه خلع الخفين إلا إذا أحدث وتوضأ فإنه يُطالَبُ بنزع الخفين وغسل رِجْليه في الوضوء.
فإذا استمر على وضوئه حتى صلى العشاء من يوم الأحد: فإنه يستمر لابساً للخفين حتى يُلْزَمَ بالوضوأ لصلاة الفجر من يوم الاثنين أو بسبب وضوئه لقيام الليل ليلة الاثنين، وبذلك يكون قد استفاد من الرخصة الشرعية ثلاثة أيام كاملة، مع أن المأذون له فيه -لأنه مقيم- هو يوم وليلة فقط.

وبنفس الطريقة بين شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله- أن المسافر يمكنه الاستفادة من الرخصة الشرعية خمسة أيام، مع أن مدة مسحه على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، وذلك كله بسبب الحساب الصحيح لمدة المسح.
وبَّيَنَ شيخنا أن قول العوام: إن المقيم يمسح على الخفين خمس صلوات، قولٌ لا أصل له.

"ج" وجوب نزع الخفين عند الجنابة:--

لا يمنع المسلم من مواصلة المسح على الخفين إلى نهاية مدته إلا الجنابة، بجماعٍ أو احتلامٍ أو إنزال للمني بشهوةٍ.
وذلك لحديث صفوان بن عسال الذي سأورده الآن من رواية النسائي برقم: "127":--
عن زِّرٍ قال سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام
من غائط وبول ونوم إلا من جنابة".

فإذا أَجْنَبَ المسلم وجب عليه خلع خفيه والاغتسال، ثم له بعد الغسل أن يعود فيلبس خفيه ويبدأ مدةً جديدة في المسح عليهما على النحو الذي تم بيانه في النقطة السابقة.

هذه هي شروط المسح على الخفين، والنقاط التالية ليست شروطا وإنما هي مسائل تحتاج إلى البيان.

2-- إذا نزع المسلم خفيه قبل انقضاء المدة فلا يمكنه المسح عليهما إذا عاد إلى لبسهما، وذلك لحديث صفوان السابق الذِكْر: "أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها من غائط وبول ونوم".

ومن الجدير بالذِكْر أن البعض يظن أنه لو خلع خفيه بعد صلاة العشاء ليريح قدميه وهو نائم: أن هذا الخَلْع لا يمنعه من المسح في بقية مدته، فيقوم من النوم ويلبس خفيه ويمسح عليهما، وهذا خطأ، فما دام قد نزع خفيه فلا بد من غسله لرِجليه في الوضوء كما دل عليه حديث صفوان.

3-- كيف تكون طريقة المسح:--
يَبُّلُ المسلم يديه بماء يسير، ويمسح على ظاهر خفيه -أي أعلاهما- بدءاً من أطراف أصابع قدميه إلى أن يصل إلى ساقيه، مُفَّرِجاً بين أصابعه -غير ضاّمٍ لها- حتى يشمل أكبر قدرٍ ممكن من ظهر قدميه، ويمسح بيده اليمنى رِجْله اليمنى واليسرى باليسرى، مرةً واحدةً لأن المراد المسح لا الغسل.

وبذلك جاء حديث علي بن أبي طالب في سنن أبي داوود برقم: "162"، وهو صحيح على شرط مسلم كما قال الحافظ ابن حجر في كتابه "بلوغ المرام"، ونص الحديث:
قال علي رضي الله عنه: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أَوْلى بالمسح من أعلاه، وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه".

وقد ذهب إلى مسح القدمين في آن واحد: شيخنا محمد بن عثيمين.
ومع أن شيخنا عبد العزيز بن باز قال بأن الأمر واسع: إلا أنه اختار البداءة بمسح اليمين قبل اليسار للأحاديث الواردة في التيامن، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، البخاري برقم: "168"، ومسلم برقم: "268"، ونصه:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله".

والصحيح المسح باليدين معاً في آن واحد، لأن الأحاديث في المسح على الخفين والجوربين وما في معناهما: جاءت مُطْلَقَةً من غير تفصيل، وذلك على العكس من الغسل للقدمين في الوضوء، فإنه قد جاء فيه بيان صفة غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقدميه، وأنه كان يبدأ باليمنى ثم اليسرى، أما المسح فمع الحاجة إلى معرفة صفته، وكثرة الدواعي إلى نقله: فإنه لم يَرِدْ فيه تفصيلٌ، ولم يَرِدْ إلا أنه: "مسح على الخفين"، فالأولى إبقاؤه كما هو على إطلاقه من غير تقييد.

قال ابن قدامة في المغني:

وقد روى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة فذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم توضأ ومسح على الخفين فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين".
قال ابن عقيل: سنة المسح هكذا أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى وقال أحمد: كيفما فعله فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين.


4-- لا مانع من أن يلبس المسلم أكثر من خف أو جورب إذا احتاج إلى ذلك، فيمسح على الأول، ثم يلبس خفاً ثانياً ويمسح عليه، وثالثاً ويمسح عليه، وتحسب المدة من لبس الخف الأول.
لكن ماذا يلزمه إذا خلع خفاً قد مسح عليه؟

في هذه المسألة قولان:
الأول: أن الأحوط خلع الجميع حتى تُغْسَلَ القدمان مع الوضوء القادم.
واختاره شيخنا محمد بن عثيمين، على اعتبار أن الجميع في حكم الخف الواحد، فإذا نُزِعَ خفٌ فكأنما نُزِعَ الجميع.
الثاني: يستمر في المسح بقية مدته، على اعتبار أن الخف الذي خلعه كالظِهارة بالنسبة للخف الأول، والأول كالبطانة.
وأنا أختار القول الثاني لأنه أرفق بالناس وأيسر، فقد يشتد البرد فلا يكتفي المرء في تلك الحالة بخفٍ واحدٍ كما قال ابن قدامة في المغني: "فإن البلاد الباردة لا يكفي فيها خفٌ واحدٌ غالباً".
وقد يميل الجو إلى الدفء فيستغني المرء عن الزيادة ويكتفي بخف واحد.
قال صاحب "المهذب" كما نقله عنه النووي في المجموع:

"والطريق الثاني: أن نزع الجرموق لا يؤثر لأن الجرموق مع الخف تحته بمنزلة الظهارة مع البطانة ولو انقلعت الظهارة بعد المسح لم يؤثر في طهارته".

وأما بالنسبة لاختيار شيخنا محمد بن عثيمين للقول الأول على أنه الأحوط: فأنا أحب أن أنقل كلاماً نفيساً قيماً له هو شخصياً في إجابته على السؤال "50" من أسئلة "لقاء الباب المفتوح الأول" بترقيمي الخاص بي لنسختي الإلكترونية، وذلك في جوابه على من عتب عليه من القضاة لا مواجهةً، ولكن قال ذلك لأحد طلابه، عندما كان يلقي درساً من شرح شيخنا محمد بن عثيمين لبلوغ المرام، وجاءت في الدرس مسألة الاكتحال -أي وضع الكُحْل في العين أثناء الصيام- وأن شيخنا لا يرى بذلك بأساً، فحصل الاعتراض من القاضي على ذلك، وأضاف اعتراضاً آخر لم يُذْكَرْ موضوعه في الدرس، ألا وهو: ما يدعو إليه شيخنا من منع الاجتماع لتلقي العزاء، وأن العزاء يتم في أي مكان عند لقاء المصاب، في المسجد أو في السوق أو في أي مكان.
فكان في آخر جواب شيخنا كلامٌ يَصْلُحُ أن يكون ميزاناً يستعمله طالب العلم في العلم والفهم والإفتاء، فإليكم كلامه القيم:--

"إن الاحتياط هو: ما جاء في الكتاب والسنة، هذا هو الاحتياط.
فأين في كتاب الله أو سنة رسول الله أن الكحل مفطر؟ فإذا كان عنده نص من القرآن أو السنة فعلى العين والرأس، وإذا لم يكن عنده نص فالأصل أن صوم المكتحل صحيح منعقد بمقتضى دليل الشرع، لا يمكن أن نضيق على عباد الله وأن نحرم عليهم ما أحل الله لهم إلا بالدليل، لأن الله سبحانه وتعالى سيسألنا: لماذا حرمتم على عبادي هذا الشيء بغير إذن مني؟ فالمسألة ليست بهينة، لأن تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام، فتحليل الحرام فيه تسهيل، أما تحريم الحلال ففيه تشديد، والدين الإسلامي يميل إلى السهولة واليسر أكثر مما يميل إلى التضييق والعسر، وإن كان كل من تحريم الحلال وتحليل الحرام يؤدي بصاحبه إلى الهلاك، لأنه افتراء على الله، يقول الله جل وعلا: "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب" النحل 116".

وكلامه -رحمه الله- هذا: من الأمور التي جعلتني أميل إلى عكس اختياره رحمه الله.

5-- إذا لَبِسَ المسلم الخفين في الحَضَر -أي في بلده- ثم في أثناء مدة مسح المقيم سافر: فإنه يتم مدة مسح مسافر، وإذا لَبِسَ في السفر خفيه وقبل انقضاء مدة مسح المسافر عاد إلى بلده: فإنه يتم مسح مقيم.

6-- إذا فقد المرء الماء فتيمم ولبس خفيه ثم وجد الماء في أثناء مدة المسح: فإنه يخلع الخفين ويغسل رِجْله في وضوئه.

قال أبو إسحاق الشيرازي صاحب "المهذب" بنقل النووي في المجموع:--

"لأن التيمم طهارة ضرورة، فإذا زالت الضرورة: بَطَلَتْ من أصلها -أي الطهارة- فكان كما لو لَبِسَ الخف على حدث".
أي لو لم يخلع خفيه ويغسل رِجْليه في وضوئه بعد أن وجد الماء: لكان كما لو لبس الخفين على غير طهارة، وهي الشرط الأول من شروط المسح على الخفَين.

ونقل النووي في "المجموع" عن الشافعي -رحمه الله- أنه قال:
"إذا وجد الماء وجب الوضوء وغَسْلُ الرِجْلين".

7-- لا إشكال في كون الخفين مُخَّرَقَيْن، أو كون الجوارب خفيفةً، ما دامت ساترةً للقدم ويمكن المشي فيها.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: أن أكثر الصحابة كانوا فقراء، وكانت خفافهم مخرقةً وكانوا يمسحون عليها.

8-- إذا نسي مسلمٌ فلبس الخفين على غير طهارة، أو انقضت مدة المسح ولم ينتبه فمسح عليهما: فإنه يعيد الصلوات التي صلاها بهذا الوضوء الذي مسح فيه الخفين على غير طهارة، ولا إثم عليه لقول الله تعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" البقرة 286.
وثبت في صحيح مسلم برقم: "125" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال في إجابة هذا الدعاء: "نعم"، وفي صحيح مسلم أيضاً في الحديث الذي بعده "126" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: "قد فعلت".

هذا هو ما يسره الله تعالى لي في هذه المسألة، وستكون المسألة القادمة -بعد أسبوع إن شاء الله- في أمر يهم الكثيرين وهم فيه حيارى، وسيأتيهم ما يفرج عنهم إن شاء الله تعالى.

أسأل الله تعالى أن يملأ قلوبنا جميعاً علماً وإيماناً، وأن يشغل جوارحنا بطاعته، آمين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


كتبه: سعيد شعلان، 13/1/1432-ه.
53
4K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

سندس بنات حواء
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
دقائق الليل
دقائق الليل
شهناز15
شهناز15
موضوع افاااااااااااادني كثيرا جزاك الله خير
نونو_الكويت
نونو_الكويت
أم البنيين
أم البنيين
جزاكن الله خيرا