طبت حياً وميــــتا-للمغامسي.....مشاركة في المسابقة

الصوتيات والمرئيات




محاضرة بعنوان


(طبت حيا وميتا)


للشيح: صالح بن عواد المغامسي










الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعاره الإيثار وإيواء أهل التقوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله نبي سلم الحجر عليه ونبع الماء من بين أصبعيه وحن الجذع إليه فصلى الله وسلم وبارك وانعم عليه اللهم وعلى اله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد أيها الأخوة المؤمنون فإن المتصدر لتدريس شخصية ما وذكر أحوالها ومناقبها وما آلت إليه وما قدمته للناس يجعل النقد أول معايير حتى نضع الناس على بينة من أمرهم في الصواب والخطأ و الهداية والضلال والسداد وعدم التوفيق لكن الذي يريد أن يتحدث عن سيد الأنبياء وإمام الأتقياء سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فليس عليه إلا أن يطأطأ رأسه ويخشع قلبه وتسكن جوارحه إذ أنه يتحدث عن رحمة مهداة ونعمة مسداة عن سيد البشر وخيرة خلق الله وصفوتهم عن رسول الهدى ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه وينبغي أن يعلم في أول الأمر أن السيرة واحدة لا تزيد ولا تنقص فلا يستطيع أحد أن يزيد شيئا لم يثبت فيها ولا يستطيع احد أن ينقص شيئا مما ثبت فيها لكن المسلمين في استسقاء من سيرته صلى الله عليه وسلم تختلف مواردهم ومناهلهم ومصادرهم فمن سيرته صلى الله عليه وسلم يستسقي الواعظون وينهل القادة ويغترف الساسة وينال العلماء ويبحث الفقهاء ويجد كل امرئ له حظا من سيرته صلوات الله وسلامه عليه والأمر كما قيل:


وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم


صلوات الله وسلامه عليه ثم إنني قلبت الأمور في الوجه الذي أريد أن تخرج به هذه المحاضرة على النحو الاتم والوجه الأكمل على ما يسعى الإنسان أن ينال به رضوان الله ثم نفع إخواني المسلمين فبدا لي والإنسان ناقص مهما سعى إلى الكمال أن أعرض السيرة إجمالا من الميلاد إلى الوفاة والوقوف بعد ذلك عند الفوائد والعظات والعبر أقرب طريق إلى فقه سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم على الوجه الأكمل والنحو الاتم نبينا صلى الله عليه وسلم نال الحفاوة الكاملة والاحتفاء التام من ربه جل وعلى وحفاوة الله بأنبيائه سنة ماضية قال الله جل وعلى في حق نبيه إبراهيم ((قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ))


وقال جل وعلى في حق موسى ((واصطنعتك لنفسي ))


وقد نال رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل حفاوة وأتمها من قبل ربه جل وعلا فلقد مهد جل وعلى لذلك من قبل يقول صلوات الله وسلامه عليه <إني عند الله لخاتم النبيين وإن ادم لمجندل في طينته> ثم لما بعث الأنبياء وبعث المرسلون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أخذ الله جل وعلا العهد والميثاق أنه إذا بعث رسولنا صلى الله عليه وسلم وهم أحياء يرزقون أن يصدقوه ويؤمنوا به ((وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول من مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين))


ثم كانت دعوة أبيه إبراهيم عندما وقف عند البيت ((ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم))


ثم كانت بشارة عيسى ((ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ))


ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: < أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ورؤيا أمي حين رأت نورا خرج منها اضاءة له قصور الشام > بل قال صلى الله عليه وسلم كما روى الترمذي وحسنه انه عليه الصلاة والسلام قال < أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب خلق الله الخلق فجعلني في خير فرقة ثم قسمهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة هم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا > صلوات الله وسلامه عليه.


هذا كله قبل ولادة صلوات الله وسلامه عليه فلما أراد الله جل وعلى له أن يولد في العام الذي ولد فيه صلوات الله وسلامه عليه كان في ذلك العام إرهاصات وأحداث عظام تدل على أن شيئا ما سيقع وأن حدثا عظيما سيكون فكانت ولادته صلى الله عليه وسلم في نفس العام الذي غزا فيه أبرهة بيت الله العتيق وآب من ذلك الغزو خاسرا خائبا كما هو معروف لكل احد ولد صلى الله عليه وسلم لأب اختلف العلماء هل مات قبل ولادته أو بعده والأرجح الأول ثم إن الله أراد أن يبين لسائر الناس أن محمد بن عبد الله لم يكن يوما تلميذا لشيخ ولا طالبا في مدرسة ولا ربيبا لأبويه وإنما تولته عناية الله في أصلاب الرجال وأرحام النساء ثم بعد ولادته إلى يوم وفاته صلى الله عليه وسلم فتوفيت أمه وهو صغير لم يبلغ ستا من الأعوام وعاش طفولته الأولى بعيدا عن أسرته في بادية بني سعد حتى لا يقولن احد بعد ذلك أن رجل أو شخصيتا ما تولت رعايته وكونت شخصيته وألهمته الدروس وأعطته العبر وعلمته الكتاب ((وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لرتاب المبطلون *بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ))



فكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه كان عناية إلهية وفضلا ربانيا محض ليس لأحد من البشر كائنا من كان فيه حض ولا نصيب عاش صلى الله عليه وسلم بعيدا عن أسرته ثم عاد إلى مكة فكفله جده عبد المطلب ثم ما لبث أن توفي ذلك الجد ثم كفله عمه أبو طالب ولم يكن دور أبو طالب أكثر من راع معيشيا له صلوات الله وسلامه عليه فلم يكن لدى أبي طالب حظ من علم أو أثرة من كتاب يسقي من خلالها أو ينهل من خلالها رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى تكونت شخصيته فنشاء بعيدا عن ما فيه قومه وكذلك العاقل إذا راء مجتمعات الفساد وأودية الضلال ومنتجعات الغواية نئا بنفسه عنها ولو عاش وحيدا قال جل وعلى (( فلما أعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا )) فالبعد عن أهل الغواية والفساد والشرور والآثام أول طرائق الفلاح أول طرائق النجاح لكنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بعيد من محافل الخير فشهد حلف الفضول وشهد غير ذلك من مآثر قومه في الجاهلية ثم بدأت إرهاصات البعثة تدريجيا شيئا فشيئا من غير أن يعلم صلوات الله وسلامه عليه فلم يحدث نفسه ذات يوم أنه سيكون نبيا لأنه لا علم له بذلك أصلا لكنه عليه الصلاة والسلام كان يرى رؤيا فلا يرى رؤيا إلا وتأتي مثل فلق الصبح حاضرة ناصعة كما رآها في منامه حتى دنت البعثة فكان يمشي في طرقات مكة فيسلم عليه الحجارة السلام عليك يا نبي الله فيلتفت يمينا وشمالا فلا يرى شخصا ولا خيالا فيسكت ويبقى على حاله حبب إليه الخلاء فكان يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد ثم أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان على الأرجح لما تم له أربعين عاما جاءه الملك بالنقلة التاريخية لشخصه والنقلة التاريخية للكون كله إذ بعثه الله رحمة للعالمين رحمة من لدنه كما أخبر جل وعلا . جاءه الملك ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عهد بالملك أصلا فأصابه من الرعب والفزع ما أصابه قال له الملك: أقرأ قال: ما أنا بقارئ أي لا أجيد القراءة أصلا فردد الملك: إقراء ورسول الله باق على جوابه :ما أنا بقارئ فضمه الملك ثم يتركه ويضمه ثم يتركه حتى يشعره في تلك اللحظات أن الملك خارج عن حديث النفس فليس تلك رؤيا يراها أو حديث في نفس يريد أن يتأكد فكان الملك يضمه ثم يتركه حتى يتبين له أن هذا الحدث منفك ظاهرة منفكة عن حديث النفس منفكة عن رؤى الأحلام منفكة عن أحلام اليقظة ثم قال له ((أقرا باسم ربك الذي خلق *خلق الإنسان من علق *أقراء وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم )) نزل صلى الله عليه وسلم خائفا وجلا إلى زوجته خديجة . خديجة ترك النبي صلى الله عليه وسلم عندها أبناءه وبناته فلم تحدثه ماذا صنع البنين ولا ماذا أصاب البنات لم تحدثه عن الجوع الذي قاستهوإنما نسيت همومها في جانب همه صلى الله عليه وسلم ، آوته إلى صدرها وضمته إليهاثم قال لها : لقد خشيت على نفسي ، فطمأنته رضي الله عنها وأرضاها وجعل الجنة دارهاومثواها وقالت : والله لن يخزيك الله أبدا ثم عددت مناقبه انك لتطعم الفقير،وتعين على نوائب الدهر وتقول الصدق وأخذت تسرد له مناقبه و فواضله صلى الله عليهوسلم.


فقدمت بذلك أنموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه المرأة مع زوجها إن منكثير من الناس قد يأتي إليك محمولا بالهموم مثقلا بالخطايا فليس من الصواب أن تسردعليه أنت وترده وتصده لكن ينبغي أن تنسى همومك بجانب همه إذا أردت له النفع والفائدة .


ثم أخذت بيده إلى ورقه بن نوفل ابن عمها وكان رجل له حظ من العلم وأثرة من كتاب فقال له : ذلك الناموس الذي كان يأتي موسى. فاشتاق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوحي لأنه سمع القران لكن الوحي انقطع ولم يأتي حتى يذهب الرعب ويبقى الشوق إلى كلام الله جل وعلا تربيه من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تلك اللحظات قال أكثر أهل العلم إنها بقيت ستة أشهر وهي مرحله فتور الوحي أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن ما لله به عليم حتى نقل الحافظ في الفتح عن الزهري ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما يصعد إلى شواهق الجبال يريد أن يتردى منها مما أصابهمن حزن ومن شك في النفس عن الحادثة الأول ) لكن بعض المحدثين من العلماء يقولون إنهذه الرواية على هيئه بلاغ وهي لا تصح وتنافي عصمه الأنبياء والله تعالى اعلم وان كان نفيها اقرب إلى الصحة أياً كان الأمر عاش النبي صلى الله عليه وسلم فتره عصيبة وهي فتره انقطاع الوحي عنه حتى أصبح يشك في نفسه فيما رآه في السابق , فلما أصبحت نفسه ذات شوق عظيم إلى كلام الله إذا به صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري من حديث جابر يمشي في طرقات مكة فإذا الملك يناديه فيلتفت فإذا الملك على كرسي بين السماء والأرض قد سد مابين المشرق والمغرب يقول له: (( ياأيها المدثر * قم فانذر *وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر )) ثم نزل الوحي وتتابع وحمي بأعظم من ذلك قال الله جل وعلا في آية يبين فيها علو قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه فاقسم الله بمخلوقاته إرضاء له صلى الله عليه وسلم (( والضحى*والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى )) هذا الإشعار الإلهي الذي جاء على هيئه أيه قرانيه فيه من الإثبات من مكانه العظمى لرسولنا صلى الله عليه وسلم مكانه لا يرقى إليها احد من الخلق كائنا من كان إلا انها في نفس الوقت لا تعطيه صلى الله عليه وسلم أي حظ من الالوهية او الربوبية فالالوهية والربوبية كمالها وتمامها لله جل وعلا وحده لا شريك له فيها أبدا.

اخذ صلى الله عليه وسلم يقوم بواجب الدعوة شيئاً فشيئاً وهو ما عرف تاريخياً بالدعوة في مرحلتها السرية تغير وجه قريش له ونالوا منه صلوات الله وسلامه عليه وساموه وأصحابه سوء العذاب ، وهو صلى الله عليه وسلم صابر محتسب يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنه يدعو الناس إلى التوحيد فكان أبو جهل يحمل راية السوء ضده حتى انه بلغ من أذى أبي جهل لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما أورد البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود :" ان جزوراًنحرت بالأمس فلما كان في الغد جاء صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وصلى فقال أبو جهل وقريش في أنديتها : أيكم يقوم إلى جزور بني فلان فيضع سلا الجزور على كتفي محمدصلى الله عليه وسلم فانبعث أشقى القوم عقبه بن أبي معيط فحمل الجزور فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فوضع سلا الجزور بين كتفيه الطاهرين صلى الله عليه وسلمقال ابن مسعود : فلو كانت لي منعه لرفعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انه ذهب إنسان إلى فاطمة رضي الله عنها واخبرها الخبر فجاءت وهي جويرية يومئذ فرفعت سلا الجزور عن كتفي نبينا صلى الله عليه وسلم فلما أتم صلاته دعا ثلاثاً وكان إذا دعا دعا ثلاثاً وسال الله ثلاثاً ثم قال: < اللهم عليك باابي جهل وعتبه بن أبي ربيعه وشيبه بن أبي ربيعه والوليد بن عتبه وعقبه بن أبي معيط وأميه بن خلف>وسمى سبعه صلوات الله وسلامه عليه قال ابن مسعود فو الله لقد رأيت من سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر كما وعده الله صلوات الله وسلامه عليه.

إن وقفنا عند هذا الحدث هناك يا أخي أعراف وتقاليد تتغير من مجتمع إلى آخر والعاقل من يستفيد من تلك التقاليد والأعراف ولا يصادمها ابن مسعود كان يعلم أن الأعراف الجاهلية لا تسمح للضعفاء ولا عديم الظهر من أن يكون لهم حظ في الناس فكان يعلم انه لا يمكنه أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو ميت فا أبقى على نفسه ولم يأتي ليرفع سلا الجزور عن رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو من الإيمان والتقوى بمكان لا يعلمها إلا الله وكانت الأعراف الجاهلية تنص عن حفظ المرأة وعدم التعرض لها ولو بدأت بالأذى وكان موقفا لفاطمة انها تقدمت بين صفوف الرجال وحملت سلا الجزور عن رسولنا صلى الله عليه وسلم دون أن يصيبها أذى فالعاقل من الدعاة والحكيم من أهل الاستقامة من يتعامل مع الأعراف والتقاليد الاجتماعية بما يتوافق معها وهذه التقاليد والأعراف لا تبقى في كل زمان على هيئه واحده و إنما تتغير الأعراف والتقاليدمن عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان والشاهد والمقصود أن يوظفها الإنسان لصالح الدعوة ولصالح هداية الناس إلى طريق الله المستقيم.



عجزت قريش عن الإيذاء الجسدي الفردي فعمدوا إلى الحصار العام فقدموا على أبي طالب فطلبوا منه أن يسلم إليهم ابن أخيه صلوات الله وسلامه عليه فأبى فقرر القرشيون مقاطعه بني هاشم لا يناكحونهم ولا يبتاعون إليهم ولا يبتاعون منهم فآوى أبو طالب لبني هاشم وبني عبد المطلب فيشعب لهم يقال له شعب بني هاشم ومكث الحصار ثلاث سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم وآله مؤمنهم وكافرهم ينالهم من الأذى ما الله جل وعلا به عليم ، بقي الحصار ثلاث سنين كان خلال مدة الحصار أبو طالب على كفرة إذا هجع الناس وناموا يعمد إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم فيأخذه لينام عنده ويأمر أحد بنيه أن ينام في مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو همّا أحد بقتله يقتل أبنه بدلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم،ومع ذلك كله ولله الحكمة البالغة لم يرزق أبو طالب الإيمان بالله جل وعلا وماتعلى الكفر ولذلك حكمة لا يعلمها إلا الله جل وعلا



قبل أن ينتهي الحصار لا يخلو صراع بين الحق والباطل من نشؤ أقوام كما يسمى في عرف السياسيين اليوم دول عدمالانحياز كانت في عصرنا هذا على هيئة دول لكنها في العصر السابق على هيئة أفراد فينشأ في المجتمع قوم حياديون ليسوا مع قريش وليسوا بمؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم تشاوروا فيما بينهم وعرفوا بطلان ما دعا إليه رؤساء قريش وزعمائهم فتعاونوا على نقض المعاهدة ..



وهنا ينبغي للعاقل من الدعاة وغيرهم أنه يرى أهل المروءات الذين لا يخلو منهم زمان ولا مكان فيستفيد منهم في عالم الصحوة وعالم الدعوة ويوظف طاقاتهم وقدراتهم في سبيل الدعوة إلى الله جل وعلا ولا يصادمهم حتى لا تخسر الدعوة سندا وقوة له فهؤلاء القوم لم يكونوا من أهل الإيمان لكن كان في قلوبهم رحمة وفي أنفسهم شهامة وخلال خصالهم مروءة وظفوها لنقض المعاهدة وتم لهم ما أرادوا ..



فنقضت الصحيفة وخرج بنو هاشم من الحصار ..بعد الخروج من الشعب من شعب بني هاشم مات أبو طالب وماتت خديجة في عام واحد وقيل بين موتهما ثلاثة أيام ..فبدا له صلى الله عليه وسلم أن يغير المكان لعل وعسى ...فخرج إلى الطائف وكانت أقرب الحواضر إلى مكة . خرج إلى الطائف فبدأ بسادات ثقيف يدعوهم إلى دين الله جل وعلا فلم يكونوا بأحسن حظاً من كفار قريش فسخروا منه وأمروا صبيانهم أن يرجموه فرموه بالحجارة حتى أدميت عقباه صلى الله عليه وسلم ولجأ الى حائط في الطائف فلما لجأ إليه صلوات الله وسلامه عليه رق له بعض الكبراء فأرسلوا له غلام نصراني يقال له عداس ومعه قطف من عنب فلما وضع العنب بين يديه قال صلى الله عليه وسلم :بسم الله فقال الغلام : هذاشيء لا يقوله أهل هذه البلد فقال صلى الله عله وسلم : من أنت ومن من ؟ قال :أنا نصراني من أهل نينواء فقال صلوات الله وسلامه عليه :من بلدة النبي الصالح يونس بن متى قال الغلام : وما يدريك ما يونس أبن متى قال هو نبي وأنا نبي . فأكب الغلام على رسولنا صلى الله عليه وسلم يقبله حتى لامه سادة ثقيف يومئذ .

ثم نزل صلى الله عليه وسلم وحيداً ليس معه إلا غلامه زيد بن حارثة فإذا انقطعت أسباب الأرض لجأ صلى الله عليه وسلم إلى ربه فورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم بث إلى الله شكواه ورفع إلى الله نجواه وهو يعلم انه نبي مرسل لكن البلاء فيمن يستمع إليه فناجى ربه قائلاً:<اللهم إليك اشكوا ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ارحم الراحمين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ان لم يكن بك عليّ سخط فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي ,أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت منه الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك أو أن ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولاقوه إلا بك>

فتحت لهذا الدعوات أبواب السماء فما كاد صلى الله عليه وسلم ينزل من الطائف من وادي نخلة حتى بعث الله إليه نفرا من الجن مؤمنين به حتى تطمئن نفسه ويسكن قلبه ويعلم أن العاقبة له (( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن )) فطمئنت نفسه شيئاً فشيئا صلوات الله وسلامه عليه ثم بعث إلى الملأ من قريش يخبرهم في رغبته في دخول مكة ويريد أن يدخل في حلف أحدهم فرده ثلاثة منهم ثم قبل المطعم بن عدي أن يدخل في جواره فدخل صلى الله عليه وسلم بجوار المطعم بن عدي رغم أنه مشرك استبقاء للمسلمين حتى لا يتعرضوا للأذى ثم بعد رحلة الطائف منّ الله عليه برحلة الإسراء والمعراج فجاءه جبرائيل وهو نائم في الحجر فشق صدره وغسل قلبه بماء في طست من ذهب ثم أفرغ في قلبه الطاهر إناء مليء إيمان وحكمة ثم قدم له البراق ثم اسري به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس حيث المسجد الأقصى وربط دابته في مربط للأنبياء هناك ، ثم عرج به إلى سدرة المنتهى لما صدّ أهل الأرض أبوابهم أمامه فتح الله له أبواب السماء فاستقبله هنالك سادات الأنبياء بدأ بآدم ثم ابني الخالة يحي بن زكريا وعيسى بن مريم ثم يوسف بن يعقوب عليهم السلام ثم إدريس ثم هارون ثم موسى ثم أبوه إبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ثم وصل صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ورأى جبرائيل مرة أخرى على هيئته التي خلقها الله تعالى عليها ..



أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه ** والرسل في المسجد الأقصى على قدم

لما رأوك بها التفوا بسيدهم * * كا الشهب بالبدر أو كالجند بالعــــــلـــم

صلى ورائك منهم كل ذي خطر ** ومن يفز بحبيب الله يأتــــــــمـــــــم

ركوبة لك من عز ومن شرف ** لافي الجياد ولافي الأينق الرســـم

مشيئة الخالق الباري وصنعته ** وقدرت الله فوق الشك والتهــــــــم

ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى مضجعه الشريف ، ثم توالت الأحداث فالتقى صلى الله عليه وسلم برهط من الأنصار فكانت بيعة العقبة الأولى ثم التقى برهط آخرين فكانت بيعه العقبة الثانيةثم أذن الله له بالهجرة إلى هذه المدينة مدينته صلوات الله وسلامه عليه .


هاجر قبله جمع من أصحابه ثم تأمرت قريش عليه وقرروا قتله في مؤامرة مشهورة معروفة ثم أخرجه الله جل وعلا من بين أظهرهم دون أن يروه وهو يتلو ((وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا و أغشيناهم فهم لا يبصرون )) ثم التحق بصاحبه أبي بكر وأوى إلى غار في جبل ثور عرف بغار حراء ومكث في الغار والطلب والرصد تبعله مرة بعد مرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار

أمرغ في حراء أديم خدي *** دوام بالغداة و بالعشي

لعلي ان أنال بحر وجهي *** ترابا مسه قدم النبـــــــــــــي

مكث صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام وقريش تبعث الطلب والرصد فيه فوقفوا على مقربه من الغار وأبو بكر يقول :يا رسول الله لو أن احدهم نظر أسفل قدميه لرآنافيقول :< يا أبا بكر ما بالك باثنين الله ثالثهما > هذانصر الله جل وعلا على هيئة كتمان آتاه الله جل وعلا لنبيه فلما سكن الرصد وقل الطلب خرج صلى الله عليه وسلم من الغار وصاحبه متوجهاً نحو هذه المدينة المباركة كانت الأنصار بلغهم خروجه صلى الله عليه وسلم فيخرجون كل يوم ينتظرون أوبته ينتظرون قدومه حتى إذا أشتد عليهم وهج الشمس رجعوا إلى دورهم فلما كان اليوم الذي وصل فيه صلى الله عليه وسلم خرج رجل من اليهود على آطم من آطام المدينة فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه عرفهم فنادى بأعلى صوته :يا بني قيله ـ وهو جد يجتمع فيه الأوس الخزرج ـ هذا جدكم الذي تنتظرون فسمع في المدينة التكبير وأبتدر القوم إلى السيوف وخرجوا يستقبلون نبيهم صلى الله عليه وسلم .

بالأمس خرج من مكة شريداً طريداً في ظلمة الليل ثم ما لبث أن نصره الله فدخل المدينة كأعظم ما يدخلها الملوك والأنصار من حوله كلما مر على ملاْ قالوا هلّم إلى العدد والعدة هلّم إلى العز والمنعة يا رسول الله وهو يقول :<خلوا سبيلها فإنه مأمورة>حتى بركت الناقة في موطن مسجده اليوم صلوات الله وسلامه عليه على مقربة من بيت أبي أيوب فعمد أبو أيوب إلى متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخله بيته فقال له عليه الصلاة والسلام:<المرء مع رحلة>ثم بنى مسجده وبدا يضع النواة الأولى لدولة الإسلام صلوات الله وسلامه عليه ثم جاءت الغزوات فكانت غزوه بدر وهي حدث عظيم لكن من أعظم ما يلفت النظر فيها انه صلى الله عليه وسلم بعد أن اخذ بالأسباب المادية وجهز الجيش واعد العدة لجاء إلى ربه.



فاللجوء إلى الله جل وعلا لا يستغني عنه احد كائنا من كان مهما عظمت قدرتنا وبلغ حولنا مابلغ وزادت قوتنا حاجتنا الى الله حاجه أبديه ملحه لأننا فقراء إلى الله جل وعلا مهما بلغنا.



مكث صلى الله عليه وسلم في العريش يناجي ربه حتى سقط رداءه عن منكبه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يأتيه من الخلف ويضمه ويقول : بعض مناشدتك ربك يا رسول الله, فانزل الله (( اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بألف من الملائكة مردفين )) فكان النصر له صلوات الله وسلامه عليه.



فلما قّّر الله عينه بالنصر ووضع القتلى في قليب بدر نظر إليهم عليه الصلاة والسلام واخذ يقول :-<يافلان ابن فلان , يافلان ابن فلان يناديهم بأسماهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً فتعجب أصحابه قالوا :- يارسول الله تكلم قوماً قد جيفوا ؟ قال :-يا عمر والله ما انتم بما اسمعبما أقول منهم ولكنهم لا يملكون جواباً> وعاد صلى الله عليه وسلم كان هذا النصرأعظم ما يكون المسلمون في حاجه إليه حتى تطمئن أنفسهم ويثقوا بنصر الله لأنها أول نزال بين أهل الكفر وأهل الإيمان بعد ان إذن الله للقتال ثم كانت احد وما أدراك مااحد فيها من العظات الشيء الكثير لكن فيها ان وجهه صلى الله عليه وسلم كان نوراً يتلألأ كأنه فلقت قمر ومع ذلك يريد الله أن يثبت ان الكمال المطلق لله وحده سبحانه فيشاع في ارض المعركة انه صلى الله عليه وسلم قتل فيشج رأسه وتكسر رباعيته ويسيل الدم على وجهه الشريف ثم يمسح صلى الله عليه وسلم وجهه الطاهر بيديه ويقول: < كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى الإسلام > فينزل الله جل وعلا عليه قوله: (( ليسلك من الأمر شيء او يتوب عليه او يعذبهم فإنهم ظالمين )) فالأمر كله لله جل وعلا وحده ..

وليت بني قومي اليوم إذا سمعوا بهلاك احد أو بموت احد لا يشغلوا أنفسهم هل هو في جنة أو في نار فهذه أمور لله تبارك وتعالى وحده ولم يكلفناالله تبارك وتعالى بان ندخل من نشاء الجنة أو نحرم من نشاء منها أو ان ندخل من نشاء النار أو نمنع من نشاء منها الجنة والنار بيد الله العزيز الغفار والله جل وعلا اعلم بخلقه واعلم بما تكنه الصدور هو تبارك وتعالى أسرع الحاسبين وقد قال بعض الصالحين لولده ينصحه " يابني ان الله لن يسألك لما لم تلعن فرعون" مع ان فرعون ملعون في كتاب الله لكن المؤمن العاقل مثل هذه الأمور لا يلقي لها بالا ولا يشغل به انفسه فالجنة والنار بيد أسرع الحاسبين وبيد رب العالمين وبيد ارحم الراحمين ولن يسألنا الله منهم أهل الجنة ومنهم أهل النار لكننا لأنفسنا نسال الله الجنة ونستجير بالله جل وعلى من النار وفي مسند البزار ( أن لا اله إلا الله كلمه كريمه على الله من قالها في الدنيا صادقاً دخل الجنة ومن قالها في الدنيا كاذباً حقنت دمه وحسابه على الله جل وعلا) فالعاقل لا شغل نفسه بما لا يعنيه لكنه في حوادث الدهر يحكم فيهن ماأمر الله به ورسوله أما الحوادث الأخروية فلسنا مسئولون عنها لان علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.

في غزوه احد أراد الله جل وعلا أن يربي المسلمين على أن القادة العظماء والزعماء الأفذاذ لا يربون الناس على التعلق بذواتهم وعلى حبهم والمبالغة في الغلو فيهم ولكنهم يربون الناس على التعلق بالله جل وعلا فلما أصاب المسلمين ما أصابهم يوم احد قال الله جل وعلا معاتباً أهل الإيمان (( ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين )) (( وما كان لنفس أن تموت إلابإذن الله كتابا موجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤتيه منها ومن يرد ثواب الآخرة نوتيه منها وسنجزي الشاكرين )) فالعاقل لا يربي الناس على التعلق به وإنما يربيهم على التعلق بإله الكون وحده فلا اله إلا الله تعني أن الكمال المطلق والحب المطلق والتوحيد المطلق والتكبير المطلق لا يكون إلا لله جل وعلا وحده فإذا كان سيد الخلق وجوده رحمه وعدمه لا يضر المسلمين شيئاً إذا اعتصموا بما جاء كان غيره أولى وأجدر أن تطبق عليه هذه القاعدة فكان صلى الله عليه وسلم حية مبادئه حي الدين الذي جاءبه أما هو صلى الله عليه وسلم فيجري عليه قلم القضاء (( انك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون )) فهذا أعظم ما خرج المسلمون منه يوم احد من تربيه إلهيه لهم , ثم كانت غزوه الأحزاب تجمعت قريش وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته فاستشار الناس فأشار عليه سلمان الفارسي أن يحفر الخندق والخندق وسيله حربيه مجوسية أخذها سلمان من أهل فارس لم يكن للعرب عهد بها ولا علم آن ذاك ...


وهنا نأتي بما عرف بعصرنا بصراع الحضارات ينبغي أن يفرق أهل التقوى مابين التقارب الديني وما بين التقارب الحضاري الدين يا أخي صنع الهي لا يملك أحد أن يزيدفيه أو ينقص والحضارة صنع إنساني قابله بالزيادة والنقصان قابله للأخذ والعطاء قابله للتلاقح بين الأمم إذا تقاربت وتنافست ..


فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مشورة سلمان وعمل بالخندق لما رأى فيه مصلحه يقوم به صلاح أمته ولم يقل صلى الله عليه وسلم حينها<من تشبه بقوم فهو منهم > من تشبه بقوم فهو منهم محمول على من تشبه بهم في أمور الدين أما الصناعات الإنسانية فليست ملكاً لأحد ولقد كانت العرب لاتأتي المرأة وهي مرضع خوفاً على أن يؤثر الإتيان على الرضيع فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارس والروم تصنع ذلك ولا يضر أبناءها شيئا لم ينهى أمته عنه كماروى مسلم في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه .

فالحضارات حق مفتوح وأمر مشاع يجوز للامه أن تأخذ منه إذا رأت أن في ذلك مصلحه والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها , أما الدين ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) ما عندنا من الدين يمنعنا أن نأخذ ولو قطره من سقى من أي دين أو مله على وجه الأرض لان الله يقول (( ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين))


ثم توالت الأمور حتى كانت السنة السادسة فعزم صلى الله عليه وسلم على التوجه إلى مكة معتمراً واخذ معه رهطاً من أصحابه معهم السيوف في قرابها , فلما دنو من البيت العتيق منعتهم قريش من أن يدخلوها فجرى ما جرى منالتفاوض تريد قريش أن تطمئن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتي للقتال فكان أنبعث صلى الله عليه وسلم عثمان لأنه كان يومئذ عزيزاً منيعاً في بني أميه وكان أكثرهم مشركاً حين ذاك ثم أشيع أن عثمان قد قتل فبايع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم نبين اصلى الله عليه وسلم على الموت تحت ظل شجره سمره والذين بايعوه ألفا وأربع مائه رجلكلهم إلا الجد ابن قيس كان رجلا منافقا لم يحضر البيعة قال النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء <انتم خير أهل الأرض وقال لهم :- لا يدخل النار رجل بايع تحت الشجرة , ثم انه صلى الله عليه وسلم بسط يمينه وقال هذه عن عثمان ثم بسط يساره يبايع نفسه بنفسه> قال العلماء فكانت يد رسول الله لعثمان خير من يد عثمان لعثمان نفسه بعد هذه البيعة وبعد مداولات اقر الصلح بين المسلمين وكفار قريش والصلح ظاهره أن فيه إجحاف بحق المؤمنين وباطنه الرحمة إذ وضعت الحرب وألقت أوزارها وخمدت الناس واخذ ذوي العقول يفكرون في الطرائق المثلى للوصول إلى الإيمان ..



إن هناك أناس يرزقهم الله جل وعلا عقولاً ويمنعهم من الاستفادة منها حجب التقليد التي يضعونها أمامهم ..

أبو جهل كان يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم على الحق ورأى من الآيات ما يشهد له بذلك لكن الحسد والتقليد الأعمى منعه وكان سبباً في حرمانه من دخوله الإيمان أما سراقة بن مالك لما تبع النبي صلى الله عليه وسلم ورأى الآية لماساخت قوائم فرسه امن أن النبي حق وعرف الآية ونبذ التقليد وراء ظهره خلال هذه الفترة بعد الصلح رجع عقلاء الناس إلى أنفسهم واخذوا يناقشونهاويحاسبونها ودخل كثير من الناس أفواجا في دين الله فانقلب ذلك العدد من ألف وأربعمائه رجل إلى عشره آلاف يوم الفتح كما سيأتي ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وفي العام الذي بعده كانت عمره القضاء ثم انه صلوات الله وسلامه عليه غزى خيبر ثم لماكان العام الثامن كانت من ضمن شروط صلح الحديبية أن من شاء أن يدخل في حلف محمد دخل ومن شاء أن يدخل في حلف قريش دخل فدخلت بنو بكر في حلف قريش ودخلت خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وسلم فأعانت قريش بكراً على خزاعة فقدم عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة يستنصر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام : نُصرت يا عمرو بن سالم ثم جهز صلى الله عليه وسلم جيشه وقدم على مكة في عشرة آلاف من أصحابه ودخلها صلى الله عليه وسلم دخولا عظيما أظهره الله جل وعلا فيه دخلها من أعلاها من كداء وعلى يمينه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه يحمل اللواء لكنه عليه الصلاة والسلام طوال دعوته وجهاده لم يكن يطلب حظاً لنفسه وإنما كان يريد أن يبلغ رسالة ربه فلما أظهره الله ودخل صلى الله عليه وسلم مكة طأطأ رأسه حتى أن لحيته الشريفة كانت تمس وسط راحلته تواضعا لله جل وعلى حتى يعلم الخلق أن التواضع لله أعظم أسباب النصر فدخل صلى الله عليه وسلم مطأطا رأسه متواضعا لربه على بغلته طاف بالبيت سبعاً وأشار إلى الأصنام في عود بيده وهو يردد ((وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ))ثم سال عن عثمان بن أبي طلحة وكانت حجابة البيت عندهم يومئذ ومازالت فتح له باب الكعبة فدخلها صلى الله عليه وسلم ووجد فيها صورة إبراهيم يستقسم بالأزلام فقال ما كذبهم والله لقد علموا ما إستقسم بها إبراهيم قط ثم أمر بالأصنام والأزلام فا أخرجت ثم كبر في نواحي البيت وصلى ركعتين ثم خرج فلما خرج بادرة علي رضي الله عنه قائلاً : يا رسول الله أجمع لنا السقاية والحجابة فقال صلى الله عليه وسلم : < أين عثمان بن أبي طلحة ؟ قال : أنا يا رسول الله فأعطاه مفتاح الكعبة وقال : اليوم يوم بر ووفاء خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم > فإلى اليوم مفتاح الكعبة بيد بني شيبة يفتحون البيت متى شاءوا ((وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )) ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمّر على مكة عتاب بن أُسيد قبل أن يدخلها أسلم أبو سفيان وجيء به إليه وقيل له يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فقال صلى الله عليه وسلم :< ومن دخل دار أبي سفيان فهو امن> ...

الزعماء من الناس الذين تربوا على القيادة من الصعب أن تسلبهم حقهم بالكلية فان ذلك يحدث تغيرا في أنفسهم ونحن ما بعثنا لنخاصم الناس في دنياهم وإنما بعثنا كدعاة وكعلماء لان ننقذ الناس من الضلالة فترك للناس دنياهم يتركوا لك دينهم ..

فقال صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبو سفيان فهو امن ومعلوم أن دار أبي سفيان لا تحمل أكثر من عشره نفر ولكن عندما يعلن في الملا وفي بيوت مكة ومن دخل دار أبي سفيان فهو امن يصيب أبا سفيان من الرضا ما يصيبه وينال من الفخر ما يناله دون أن يضر الإسلام شيئا ثم عرج صلى الله عليه وسلم على هوازن وعلى ثقيف فكانت غزوه حنين وغزوه الطائف غر كثيرامن المسلمين ما هم فيه من كثره العدد ثم ثبت الله نبيه وال الأمر إلى نصره صلى الله عليه وسلم وعند منقلبة صلى الله عليه وسلم من الطائف بدأ له إن يقسم الغنائم فأعطى أربعه من رؤوسا الناس يومئذ ممن اسلموا حديثاً ألف بعير لكل واحد وقسم كثيرا من الغنائم على عدد بلغ الستين عند جمهره المؤرخين ولم يعطي الأنصار شيئاً صلى الله عليه وسلم فحز ذلك في أنفسهم وتغيرت بعض قلوبهم فقال حدثاء الأسنان منهم : يغفرالله لرسول الله يعطي قومه وان سيوفنا لتقطر من دماءهم فبلغ ذلك القول رسولنا صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم من العلم والقدوة بمكان عظيم لا يرقى إليه أحد ...




يا أخي القادة العظماء لا يتركون الحزازات في النفوس لكل إنسان مشاعر وأحاسيس وأراء لو أننا كبتناها لانقلبوا علينا لكن لا يمكن أن ينجح أمير فيبلدته ولا زعيم في دولته ولا أب في بيته ولا معلم في فصله ولا مربي في حلقته إذاكان لا يستمع إلى مشاعر وأحاسيس من هم تحته فالله جل وعلا كلم موسى واستمع إليه وهو مخلوق من مخلوقاته (( قال ربي إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي رداء يصدقني إني أخاف أن يكذبون )) والله يعلم كل ذلك من قبل أن يخلق موسى ومع ذلك استمع إليه فهو الله جل وعلا ولله المثل الأعلى ...




فجمع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار في قبة ثم قال لهم في معالجه تربويه تقصر عنها بيان البلغاء قال < ما مقولة بلغتني عنكم الم تكونوا ضلالا فهداكم الله الم تكونوا عاله فأغناكم الله الم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم >قالوا :- بلى يا رسول الله , لله ورسوله المنة والفضل . فقال :< الا تجيبوني ؟> قالوا :- بمانجيب يا رسول الله فتولى الإجابة عنهم وقال < إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا طريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ومخذولاً فنصرناك ثم قال صلى الله عليه وسلميا معشر الأنصار :أوجدتم في أنفسكم عليّ في لعاعة من الدنيا أسلمتها إلى قوم حديثوا عهد بإسلام وأوكلتكم إلى ما جعل الله في قلوبكم من الإسلام يا معشر الأنصار أماترضون أن يعود الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم > فبكى القوم رضي الله عنهم وأرضاهم وقالوا : رضينا بالله ربا وبرسول الله قسماً وحظا فقال صلى الله عليه وسلم : <اللهم أغفر للأنصار وأبناء الأنصار وأبناءأبناء الأنصار > وانقلبوا راجعين مع رسولهم صلى الله عليه وسلم .



إن حاجتنا ملحة لأن نستمع إلى الغير وإن من أعظم الأخطاء في التربية والدعوة أن يجعل الإنسان من نفسه سلطانا على الغير يفكر بدلا منهم ويشعر بدلا منهم ويرى ما حولهم بدلا منهم ذلك أسلوب فرعوني نقظه القرآن قال فرعون ((ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )) وقد قيل :

زمان الفرد يا فرعون ولى * * * ودالت دولة المتجبرين

وأصبحت الرعاة بكل أرض * * * على حكم الرعية نازلين



قفل الرسول صلى اللهعليه وسلم عائداً إلى المدينة ،وفي ذلك العام كان عام الوفود فبدأت وفود العرب تقدم إليه صلوات الله وسلامه عليه وكانت من الوفود التي قدمت وفد نجران وكان وفد نجران مسيحيا يعبدون المسيح عيسى أبن مريم فلما قدموا عليه صلوات الله وسلامه عليه أخذوا يجادلونه ويقولون له كيف نتبعك وأنت تنتقص صاحبنا وتقول إنه عبد الله ورسوله قال: نعم عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله فقالوا :كيف يكون عبداً لله ورسوله أرأيت ولداًولد من غير أب فأنزل الله جل وعلا قوله ((إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين )) فلأن كان عيسى ولد من غير أب فإن آدم خلق من غير وأم ولا أب فجاءوا بالغريب فجاءهم الله بما هو أغرب ردا على حجتهم فلما قال لهم صلى الله عليه وسلم ذلك أبوا أن يسلموا له فدعاهم إلى المباهلة ودعا علي والحسن والحسين وفاطمة وقال :إن أنا دعوت فأمنوا وأنزل الله جل وعلا قوله (( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبنائنا وأبنائكم ونساءناونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )) فعرفوا أنه نبي الله حقا لكنهم لم يؤمنوا وخشيوا من مباهلته ثم إنهم صالحوه على ألفي حلة تؤدى له صلى الله عليه وسلم مرتين في العام وأشياء أخر.




وفي عصرنا هذا نشأ ما يسمى بتقارب الأديان وبحوار الأديان فأما حوار الأديان فلا حرج فيه شرعاً إذا أراد المحاور المسلم أن يثبت صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله جل وعلا رب لا رب غيره ولا شريك معه أما تقارب الأديان فأمر مرفوض لأنه لا يمكن أن تلتقي الأديان في شيء واحد فإن ذلك يعني تنازل عقديا والمسلمون أمرهم الله أن يقولوا (( قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ))فالمسلم على ملة حنيفية بيضاء لا ينبغي له أن يحيد عنها مثقال ذرة وليس هناك مصلحة ترقى على مصلحة التوحيد ولا مفسدة أعظم من مفسدة الشرك وما يسمى بتقارب الأديان يفضي إلى ترك التوحيد وإلى القرب من الشرك وقد قال الله جل وعلا (( ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منهوهو في الآخرة من الخاسرين))


ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فكان العام العاشر فأعلن لناس عزمه على الحج فلما أعلن عزمه على الحج صلوات الله وسلامه عليه تسامع الناس بذلك فقدموا إلية حتى يأتموا به فخرج صلى الله عليه وسلم بعد أن أحرم من ذي الحليفة مهللاً ومكبراً حتى وصل مكة وطاف في البيت سبعاً ثم رقى الصفا وقال أبدأ بما بدأ الله به ثم أتم نسكه صلى الله عليه وسلم حتى كان اليوم الثالث عشر فنزل بعد أن رمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر ثم نزل في خيف بنى كنانة صلوات الله وسلامه عليه وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم أضطجع ثم لما كانت صلاة الفجر نزل إلى الحرم قبل صلاة الفجر ثم طاف طواف الوداع ثم صلى بالناس صلاة الفجر ثم قفل راجعا إلى المدينة يكبر على كل شرف من الأرض ويقول لما دنى منها:<آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون > صلوات الله وسلامه عليه .



ثم أشتكى الوجع وبدأ يشعر بتغير حالة واشتدت عليه الحمى فلما شعر بدنو أجله خرج صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فستغفر لأهله ثم خرج إلى أحد فشهد للشهداء معه ثم تصدق صلى الله عليه وسلم بدنانير كانت عنده وأعتق غلمانه ثم إنه صلوات الله وسلامه عليه مكث ينتظر أجل ربه يوماً بعد يوم والحمى تشتد عليه حتى كان صبيحة يوم الاثنين الثاني من ربيع الأول على الأظهر والأصح والله اعلم فكان في صبيحتها اطل من ستار بيته فرأى أصحابه يصلون صلاة الفجر مأتمين بابي بكر فقرت عينه وسكنت نفسه بعدأن رآهم مجتمعين على إمام واحد خاشعين لربهم فبذلك أرسل ولذلك دعي ثم إنه صلوات الله وسلامه عليه عاد إلى فراشه واشتدت عليه وطئت الحمى ثم دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي فمه سواك ثم أستاك صلوات الله وسلامه عليه ثم مازال يردد : بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى .ثلاثاً ثم فاضت روحه وأنتقل إلى رحمة خالقة ومولاه ،خير من أرسل وأجل من بعث صلوات الله وسلامه عليه بعد إن أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنه اإلا هالك.




ولا ينبغي لمن يقف مع السيرة وينظر في مسيرتها أن يغفل عن شيءمهم وهو انه صلى الله عليه وسلم كان له من كريم الصفات وجميل النعوت ما تحبب الناس إليه وأجتمع عليه صلوات الله وسلامه عليه وكان في كل حينه منقطعا إلى ربه دائم الصمت عليه من السمت والوقار ما عليه حتى إنه صلى الله عليه وسلم تفقده عائشة ذات ليلة فإذا هو في المسجد منتصبة قدماه يقول في سجوده < اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك>

أيها المؤمنون هذه قطوف من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم منّ الله عليناوعليكم وأبحرنا خلالها من خلال ساعة كاملة وإننا مهما قلنا لمقصرون ومهما تحدثنا لن نبلغ الصواب كله ولن نبلغ الكمال كله لكن إن كان من وصية أختم بها فإن الله جل وعلا شرفنا بأن جعلنا من أمه محمد صلى الله عليه وسلم وفي عصرنا هذا من أسباب الفجور وأسباب البعد عن الله ما لا يخفى على أحد والبعد عن أسباب الفجور سلامة منه


إن السلامة من سلمى وجارتها * * * أن لا تمر على سلمى وواديها


ويحتاج هذا الأمر كله إلى صبر على هدي محمد صلى الله عليه وسلم فليوطنأحدنا نفسه على الصبر وليوطنها على إتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعلم أن هذه الفتن التي تتابع شررها وتفاقم خطرها إنما هي بلاء وفتنة يصرف الله جل وعلا به من يشاء عن طريقه ويهدي الله جل وعلا من يشاء فمن أخلص لله النية وصلح قلبه واستقامة سريرته وفق للصواب وهدي إلى سبيل الرشاد وهذا والله تعالى أعز وأعلى وأعلم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين .













تم بحمدالله


ولسماع المحاضرة

طبت حياً وميتا !
http://www.islamcvoice.com/play.php?catsmktba=4117
4
6K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

pink-girl
pink-girl
,,

بورك مسعأك عزيزتي

/
حـلـم طـفـلـه
جزاك الله خير وسلمت يداك

دمتي في حفظ الرحمن
ورده الجوري
ورده الجوري
.
WIDTH=400 HEIGHT=400

. جزاكـ الله خيراً .
الخافق المكـابر !
شكرا لكم والله ينفع بهاااا