بحور 217

بحور 217 @bhor_217

عضوة شرف عالم حواء

آخـــر ما قــــرأت

الأدب النبطي والفصيح

كانت قراءتي لرواية الأيام لطه حسين هي أول قراءة لي في مجال السيرة الذاتية ..

ولم أكن حينها قد عرفت ما يسمى بالسيرة الشعرية والتي يكتبها الشعراء فيسجلون فيها كل ما يرون أنه مرتبط بتجربتهم الشعرية من أطوار حياتهم ..

وقد تعرفت عليها من كتاب السيرة الشعرية لغازي القصيبي ... واليوم هذا آخر قراءاتي

عذابات العمر الجميل لفاروق شوشة

وإليكم انطباعاتي واختياراتي لكم من الكتاب :

هو كتاب صغير الحجم يقع في 187 صفحة من القطع الصغير من إصدارات النادي الأدبي الثقافي بجدة

يخلو الكتاب تماما من الصور والرسومات ويتميز أسلوبه بالجمال ولا ريب فكاتبه شاعر !!

شعرت أن الكتاب يؤرخ لفترة أدبية مرت بها بلاد مصر وطن الشاعر

وهي بالتأكيد ترتبط به وبتجربته الشعرية لكنه ركز عليها أكثر من تركيزه على شعره هو ومراحل تطوره

حتى أنه أورد في الكتاب نماذج من كتابات وقصائد تلك الفترة لعدد من الكتاب والشعراء أكثر مما أورد من نماذج شعره هو ..

وكانت هذه الفترة هي قمة الصراع بين القديم والحديث

ذلك الزمن الذي اجتمع فيه أنصار القصيدة العامودية القديمة التي تتوسم خطى الشعر الجاهلي

وأنصار القصيدة الحديثة التي تتفلت من القيود سواء في الكلمات المستخدمة أو في الشكل العام للقصيدة أو في الموضوعات التي تعالجها القصيدة

قسم الكاتب الكتاب إلى لوحات وليس إلى فصول وسأختار لكم مقتطفات من تلك اللوحات إن شاء الله في وقت لاحق
31
6K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أحلام اليقظة
أحلام اليقظة
جميل جدا ً

تحمست لقراءة الكتاب

أرجو أن يتيسر لك الوقت لعرض اللوحات

ننتظر بشووووووووووووووق
جنـان
جنـان
رائع أختي بحور 217 نحن بانتظارك :26:
فتاة اللغة العربية
بانتظار عرض اللوحات


رائعة بحورنا .

:27:
بحور 217
بحور 217
قبل أن أبدأ في عرض اللوحات أحب أن أنبه إلى أن الكتاب يحوي بعض الأمور التي أختلف فيها مع المؤلف إما شرعيا أو فكريا .. وقد أحببت عرض الكتاب عليكم هنا لأن فيه فوائد أدبية وفكرية وليس معنى هذا أنني أوافق على كل ما جاء فيه ..

فإن قرأ أحد منكم الكتاب فوجد فيه ما لم يعجبه فلا يعاتبني فقد نبهت .. فخذوا النافع ودعوا الضار .. بارك الله في الجميع



أحلام


جنان


فتاة اللغة


شكرا لكن .. وللأسف فقد كتبت اللوحة الأولى كاملة ومسحت من الجهاز :29:

لكنني سأعيد كتابتها إن شاء الله :34:
بحور 217
بحور 217
اللوحة الأولى : بيت فوق الشجرة



(( كان صيفا كغيره من الأصياف التي مضت ، لا ينبيء عن تباين أو اختلاف . وكنت على وشك إتمام دراستي الابتدائية في مدرسة المدينة ، تلك التي تكلفني رحلة يومية بين القريةحيث أقيم والمدينة حيث أتعلم .





جاء أبي من القرية - بعد صلاة الجمعة - مربد الوجه ، قلقا وحزينا ومهموما ، كان يحدث أمي عن انتشار وباء الكوليرا في قريتنا - الشعراء - وفي القرى المجاورة لها من بين قرى محافظة دمياط ..





وأنهى حديثه بالقرار الصارم : ألا أغادر البيت أبدا إلى الشارع ، وألا أختلط مع غيري من الصغار . وفجأة تحولت إجازة الصيف - التي ظللت أحلم بها طيلة العام الدراسي - إلى سجن انفرادي !!




في ركن صغير من أركان غرفة الجلوس ، كان مكتب صغير لأبي ، لم يقترب منه أحد أبدا ، لكن عزلتي الطويلة داخل الغرفة ، وإحساسي بضراوة السجن الذي بدأت أعيش فيه ، جعلاني أقترب من المكتب وأكتشف أنه يضم عددا من الكتب والمجلات ، سرعان ما امتدت يدي إلى تقليب العناوين والصفحات :





كتاب صغير الحجم هو الشوقيات لأحمد شوقي ومختارات من روائع النثر والنظم ومختارات البارودي لعدد من شعراء التراث العربي ن وأعداد ضخمة من مجلتي الرسالة والرواية اللتين كان يصدرهما أحمد حسن الزيات ، وعدد من الكتب الأدبية الأخرى أذكر منها الآن النظرات للمنفلوطي والشاعر أو سيرانو دي برجراك وهي خلاصة الرواية التمثيلية التي وضعها الشاعر الفرنسي إدمون روستان وترجمها مصطفى لطفي المنفلوطي وقصة ماجدولين أو تحت ظلال الزيزفون تأليف الكاتب الفرنسي الشهير ألفونس كار ملخصة بقلم المنفلوطي أيضا وكتابا آلام فرتر ورفاييل ترجمة أحمد حسن الزيات .





لكن الكتب الذي يستوقفني أكثر من بين ما احتوته مكتبة أبي المتواضعة - والذي سوف سصحبني أمدا طويلا - هو كتاب ( الشعراء الثلاثة : شوقي ومطران وحافظ ) تصنيف حسن السندوبي صاحب جريدة الثمرات .





لقد لمست دون أن أدري باب هذا العالم السحري الغامض المسمى بعالم الشعر ، ولم تفتح يدي مجرد درج من أدراج مكتبة أبي ، وغنما فتحت عالما غريبا حاشدا ورائعا ، استغرقني وتملكني ، حتى لقد صار مبعث الدهشة في بيتنا أن يجدون يكل صباح وقد خلوت بنفسي في غرفة الجلوس ونشرت أمامي على الأرض هذه المقتنيات والكنوز من الكتب والمجلات ورحت أقلب فيها .





ثم اكتشفت أن ما استوعبته في حدود قدرتي على الفهم والتذوق هو أقل القليل ، لكنه القليل الغامر الذي يملؤني ويفيض عني .





أي سحر تبعثه في الكلمات ! أي طرب ونشوة تتملكني مع إيقاعات الشعر وانسياب موسيقاه ! أي جلوات رائعة تلك التي أتنقل بينها وتحملني إلى آفاق عليا من التواصل مع أصوات الكون وأصدائه البعيدة .





هذا العالم الرحب الغزير المتنوع بين ماض وحاضر ونثر وشعر وحب وبطولة و أساطير وواقع هو الصفحة الأولى من قراءاتي ، والموجة الأولى من تأثراتي واهتزازاتي ، واللوحة الأولى في تشكيل ملامح تصوراتي وقدرتي على الإحساس والتذوق والتأمل سبقه بسنوات قليلة وإن كان قد تفاعل معه وأذكاه ، جو مفعم بالرهبة والخوف والخشوع ، عشته في ( كتاب القرية ) ، عندما دفع بي أبي في سن الخامسة لحفظ القرآن .





وقد أتيحت لي خلال العامين اللذين قضيتهما في كتاب القرية أحفظ القرآن وأجوده تجربة دينية ولغوية ، أما التجربة الدينية فقد طغت عليها مشاعر الخوف والرهبة بأكثر مما اتسعت للوحات المشرقة الرضية نتيجة للجو الذي يسود الحياة عادة في الكتاب ، وطريقة العقاب التي تلاحق الجميع عند أدنى هفوة أو سهو أو خطأ .





وأما التجربة اللغوية فتمثلت في ذلك التدريب الصوتي والمران الذي مارسته دون أن أدري مع مخارج الأصوات والحروف ، والمد ، وقواعد التجويد ، وأنواع النبر والوقف ، وتدريب جهازي الصوتي على النطق السليم المبين ، وهو ما بدأت أحس بقيمته عندما انتظمت في المدرسة الابتدائية فوجدت رصيدي من القدرات والمهارات والوعي المبكر يفوق ما لدى أقراني بكثير .





وأصبحت حصة اللغة العربية ودرس الأدب العربي بفضل هذا الرصيد أقرب الدروس إلى نفسي وعقلي ، بقدر ما كانت عذابا ومحنة للآخرين .





بدأ ذلك القروي يهضم ذلك كله ويتمثله ، ويعيد ارتشافه وتأمله ، في عش صغير من القش والأسلاك ، صنعه بنفسه فوق شجرة من أشجار الزيتون المتاخمة لبيته - وسط المزارع والحقول - وزينه بالفروع والغصون وأوراق الأشجار .





وأصبح هذا العش بيته الحقيقي ومأواه ، يلوذ به وينفرد بتأملاته وخواطره وانطلاقاته ، يسرع إليه بعد العودة من المدرسة ويظل فيه حتى يهبط الظلام ، ويجد فيه البديل عما اعتاده أقرانه ورفاق طفولته من لهو و عبث وشقاوة ومشاغبة ، لم تتح له اهتماماته المبكرة التي ملكت عليه نفسه ، أن يسهم فيما يمارسونه بنصيب .





في هذا العش الهاديء - الذي تراقصه الريح وتحف به أنغام الطيور ، وتضفي عليه غصون الشجرة الأم ظلالا من الحنو والأمان والرضا - غمغم صاحبنا بكلماته الأولى المتعثرة لغة ووزنا ، الصادقة انفعالا وإحساسا ، وعرف لأول مرة عذابات الميلاد وقد تملكته تلك الحالة التي سيعرفها أكثر فيما بعد حين يشتعل جسده بحرارة مفاجئة وتضطرب نظراته وتزيغ وينفصل بوعيه عن كل ما حوله ومن حوله ، ويصغي لصوت ذلك المجهول البازغ من أعماقه ، يملي عليه ثم يتوقف ثم يعاود الإملاء ، والعالم السحري يتشكل شيئا فشيئا من سيل الكلمات والأنغام التي تتواثب وتومض كالبرق الخاطف ، لابد من سرعة تسجيلها على الورق قبل المروق والاختفاء إلى الأبد .




لقد بدأت عذابات ذلك الكائن الجميل المراوغ : الشعر
.