جونان

جونان @gonan_1

عضوة نشيطة

تخلف النتائج مع بذل الأسباب

ملتقى الإيمان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ








الحمدلله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يُسأل عن ما يفعل وهم يُسألون والصلاة والسلام على خير من بذل الأسباب ورضي بالنتائج . أما بعد 
فلا شك أن الإنسان عندما يبذل أسباباً معينة فإنه يرجو تحقيق نتيجة محددة ومع هذا فقد يبذل الإنسان جميع الأسباب ولا تتحقق النتائج أو بمعنى آخر لا تتحقق كما يريد أو كما كان يهدف إليه .
وذلك أن النتائج يرتبط بها أموراً تفوق علم الإنسان وقدرته وهي مرتبطة بحكمة الخالق سبحانه وقدرته .
وكل هذا يدور بفضل الله مع خيرة الله لعبده ورحمته به ؛ قال تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ).
وقال تعالى :(وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً )
هذه الآيات العظيمة هي علاج لما قد نشعر به عندما نبذل جميع الأسباب وتتخلف النتائج .
وقد نبه الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أكثر من آية أن وظيفة الإنسان هي بذل الأسباب فقط ،أما النتائج فليس للإنسان تحكم بها (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖإِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ ۗ) .
ومع أن إنقاذ الناس من عذاب الله يوم القيامة أجل مهمة وأعظم غاية ؛ فإن الله نهى نبيه أن يلحقه حزن من عدم استجابة المدعوين ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) .
وقال أيضاً :( أفمن زين له سوء عمله فراه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرت إن الله عليم بما يصنعون ).
فهذا أمر الهداية والدعوة إلى الله إذا بذل الإنسان الأسباب فيه ولم تتحقق النتائج فلا يحزن ولا يجزع وغيره من الأمور من باب أولى .
تأكد أن النتائج تتخلف ولا تتحقق بحكمة العزيز الحكيم .
كم بذل نوح عليه السلام من أسباب طلباً لهداية ابنه ؟!
وكم بذل إبراهيم الخليل من أسباب لهداية والده ؟!
وكم حاول الحبيب صلى الله عليه وسلم طلبا لهداية عمه أبي طالب ؟!
بل تعال معي أخي الكريم لمنظر تراه يوم القيامة :( يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد ).
كم بذل هؤلاء الأنبياء عليهم السلام من أسباب إلا إن إرادة الله غالبة وحكمته سابقة .
بل قف معي على اللحظات الأخيرة من حياة سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه واسمع ما قال ("لقد طلبت الموت مضانه ولم يكتب لي، فما في جسدي شبرا إلا وفيه ضربة سيف أو رمية سهم، وهاأنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء."
لقد بذل سيف الله المسلول جميع الأسباب لنيل الشهادة إلا أن الله كتب له أن يموت على فراشه ..
فليكن شعارك أخي الحبيب :( بذل الأسباب وترك أمر النتائج إلى الله سبحانه وفق ما تقتضيه حكمته ويسبق بها قدره )
لا تطلب من نفسك ولا من غيرك إلا بذل الأسباب الشرعية لتحقيق النتائج المرجوة ثم بعد ذلك كن على رضى بكل ما يتحقق وإن لم يتحقق شي .
الوالدان والمعلمون والمعلمات والمربون والمربيات أغرسوا هذه القناعة في نفوس أولادكم وطلابكم وظيفتنا بذل الأسباب فقط
ومن بذل الأسباب ولم يحقق النتائج المرجوة فكافئوه ولا توبخوه .
القادة والمدراء قيموا أعمال مرؤوسيكم ببذل الأسباب وليس بتحقيق النتائج فهذا هو العدل في هذا الباب.
فليس للإنسان تحكم في النتائج وإنما وظيفته بذل الأسباب فقط ..
وتأكدوا جميعا أن بذل الأسباب قرين غالبا لتحقق النتائج المرجوة فإن تخلفت فأعلموا أن الخير في تخلفها مع هذه الحالة أعظم من الخير في تحقيقها .
قال السعدي رحمه الله تعالى :( من بذل المجهود وتوكل على المعبود وأتى الأمور من أبوابها أدرك المقصود ؛ فإن لم يدركه كله أدرك بعضه ؛ فإن لم يدرك منه شيئا لم يلم نفسه ).
كونوا على يقين من أن تخلف النتائج مع بذل الأسباب الشرعية حكمة ربانية خيرها علينا في العاجل والآجل فوق ما نتصور وهذا مقتضى حكمة ربنا ورحمته .
قد تشاهد في حياتك من لا يبذل من الأسباب مثل ما تبذل لكنه يحقق من النتائج فوق ما تحقق ؛ فلا يدفعك ذلك إلى الحزن ولا إلى ترك بذل الأسباب ؛ واعلم أن هناك أسبابا خفية قد يبذلها غيرك ولا تبذلها من الصدقة والدعاء والاستغفار وبر الوالدين والإحسان إلى الناس وهذه أسباب جالبة لكل خير نافعة في كل باب وفقنا والله وإياكم لما يحب ويرضى والسلام عليكم ورحمة 

فالعلم لا يكون إلا ببذل السبب ، لا بد من الصبر والاجتهاد والحرص على العلم وعلى تحصيله ويسأل الله التوفيق .
كذلك لو أن إنساناً قال " إن كتب الله لي أولاداً بررةً صالحين .. ، فهذا إن كتبه الله لي يتحقق . أما بالنسبة لي فلن أتزوج إلى أن أموت !! 
فهذا عطل السبب الذي جعله الله تبارك وتعالى لنيل الولد . فتعطيل الأسباب يتنافى مع التوكل ، وليس متوكلاً من عطّل الأسباب ، ولا يكون التوكل إلا بفعل الأسباب ، وعرفنا أن الحق في هذا الباب أن تفعل السبب معتمداً على الله لا على السبب نفسه . 
وضل في هذا الباب فريقان من الناس : الفريق الأول : فريق عطل الأسباب أي لا يباشر الأسباب ولا يفعلها ، ويقول أنا متوكل على الله سبحانه وتعالى ، فهذا لا يحصل إلا الخيبة والخسران .
القسم الثاني : عطَّل التوكل معتمداً على السبب ، أي متوكلاً على السبب نفسه لا على المسبب وهو الله تبارك وتعالى ، وهذا أيضاً لا يحصل إلا الخيبة




ولا ينال الإنسان الخير إلا بالتوكل حقاً كما أُمر في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم . ولهذا قال بعض أهل العلم : الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل ، والإعراض عن الأسباب بالكلية فساد في الشرع ، والتوكل والرجاء هو من مجموع التوحيد والعقل والشرع ، أما الذي يلتفت إلى الأسباب ويعتمد عليها فهذا مشرك في التوحيد ، والذي يلغي الأسباب (أي يقول لا يوجد أسباب أصلاً) فهذا نقص وفساد في العقل . والذي يعرض عن الأسباب بزعمه أنه متوكلاً على الله تبارك وتعالى فهذا فساد في الشرع لأن الشرع ليس فيه الإعراض عن الأسباب ، فالنبي عليه الصلاة والسلام في حياته كلها كان يباشر الأسباب ، في القتال كان يطابق بين ذرعيه عليه الصلاة والسلام ، فلا يأتي إلى المعركة وليس عليه شيء ، بل يضع الذرع ، لما خرج من مكة استأجر هادياً خريتاً أي بصيراً بالطريق ، فهذا بذل للسبب . 
إذا خرج إلى أسفاره أخذ الزاد والراحلة ، ورتب لأموره . 
فحياته كلها صلى الله عليه وسلم قائمة على بذل الأسباب دون الاعتماد على السبب ؛ وإنما الاعتماد والتوكل على الله تبارك وتعالى . ]] 
إنتهى كلامه حفظه الله تعالى




وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
0
492

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️