أم أسيد.

أم أسيد. @am_asyd_4

عضوة جديدة

حكم تناول الأدوية المانعة أو الرافعة أو القاطعة للحيض

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
حكم تناول الأدوية المانعة أو الرافعة أو القاطعة للحيض



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم .
حين أقرأ في كتب الفقه تستوقفني مسألة تعاطي المرأة دواء , يمنع , أو يقطع أو يرفع حيضها ويستوقفني أكثر القول بجواز ذلك فأبحث عن الأدلة التي يستند إليها من يقول بالجواز فلا أجد شيئاً يذكر أو يصلح للاتكاء عليه للقول بالجواز.
ويضمن القول بالجواز شرطاً مسوغاً لهذا الفعل وهو أن لا يكون ما تتعاطاه يضر بها .
واستمر القول بالجواز عند جماعة من العلماء إلى عصرنا هذا حتى ساد وانتشر, وصار عليه العمل عند المنتصبين للإفتاء في العالم الإسلامي .
ولما تكلم بعض المختصين في الطب عن أضرار ثابتة أو محتملة لهذه المركبات الدوائية تردد بعض العلماء في المسألة وجاءت عباراتهم دالة على ذلك التردد فقال بعضهم " أنا أفضل أن تسير الأمور على طبيعتها " وقال آخر " أنا أحذر منها " وقال آخر" الأولى تركها " ونحو ذلك . والجميع يشير إلى الضرر أو احتماله , والضرر عند الجميع هو العلة في إطلاق الجوازمن عدمه.
وهنا أقول إنهم سلكوا الجادة في التعليق على المضرة وهي أقرب مأخذ يفزع إليه العالم وغيره في إثبات حكم أو رفعه في نظائر هذه المسألة .
والناظر بتأمل وإنصاف وإمعان ، يجد الأمر بخلاف ذلك ، وإن المسألة أتيت من غير بابها ، وأخذت من غير مأخذها وهذا ما سأحاول إثباته في هذه الورقة.
ولا يستدرك متعجل فيقول : إن الأصل الإباحة في الدواء والأكل والشرب حتى يثبت التحريم وما فعله العلماء المجيزون هو ما يتماشى مع هذه القاعدة . لأن الأمر ليس كذلك حيث يترتب على هذا الفعل أحكام شرعية عديدة وعظيمة في أبواب العبادات والمعاملات ، مما يستوجب إعادة النظر والتدقيق للوصول إلى حكم هو موافق للشرع ومقاصده.
فأقول توطئةً: قال الله تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) ، وقال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) . وقال أيضا : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ) .
فالدين الذي شرعه الله لنفسه ورضيه له هو الإسلام وهو الذي أرسل به الرسل عليهم السلام وأنزل به الكتب .
وقد أمتن الله على هذه الأمة بأن أكمل لها دينها ورضي لها الإسلام ديناً . كما أخبر أن من جاء بغيره فلن يقبل منه وهذا يتناول الكل والبعض ، والإسلام هو الاستسلام والانقياد والطاعة والخضوع والقبول ، ومقتضى هذا أن يكون عمل المسلم موافقا لهذا الدين حتى يقبل منه ويثاب عليه .
قال تعالى ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) .
فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بإتباع هذه الشريعة ومنهي عن إتباع غيرها وهي أهواء الذين لا يعلمون ، فيكون غيره من باب أولى .
وتأمل كيف جعل الله الأمر قسمين ، الأول اتباع شرع ، والآخر اتباع هوى ، والمسلم لابد أن يأتي بالمحصلة فيتبع الشريعة ولا يتبع الهوى .
وهذه الشريعة مفصلة بيّنة قال تعالى ( ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) ، وقال تعالى ( .. وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) وهي
الحنيفية السمحة التي هي أحب الدين إلى الله كما ثبت في البخاري ومسند أحمد من قوله صلى الله عليه وسلم .
وقد جاء عند الطبراني بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا أمرتكم به ، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه " . والشريعة في أصلها جنس طلب من المكلفين طلب أمر وفعل , وطلب نهي وترك , وجميعها على الصحيح فعل . فالأول بالإجماع أنه فعل، والآخر فيه خلاف والمختار عند المحققين من الأصوليين أنه فعل ، فالترك فعل يقيناً من جهة أدلة الشرع النصية ومن جهة القياس والعقل واللغة.
بل الترك من لوازم صحة الفعل ، فإن الذي لا يترك الشرك لا يصح توحيده، ومن لم يترك النفاق لا يصح إيمانه ، ومن لا يترك الظلم لا يصح عدله، ومن لا يترك الغش لا تصح أمانته وهكذا فإنه حيث وجد الأمر بالفعل فخلافه مأمور بتركه.
ولو أخذنا الصلاة مثلاً فإن المرء يثاب على فعلها لأنه مأمور بذلك ويأثم على تركها لأنه منهي عن ذلك .وعلى العكس والسرقة من فعلها أثم لأنه منهي عن فعلها ومن تركها أُجر لأنه مأمور بتركها. وعليه فمن ترك كل مأمور بتركه ( منهي عن فعله ) فإنه يؤجر على تركه. فمن ترك الربا والزنا والقمار وأكل مال الناس بالباطل والغش والظلم والغيبة والنميمة وكل المحرمات فإنه يؤجرعند بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أنه لا يؤجر على هذه التروك واشترط آخرون النية في الترك حتى يؤجر . والصحيح أن الترك لا يحتاج إلى نية ، والنية أمر آخر يؤجر عليها الإنسان بدون فعل ، وقد ذكرنا أن الترك فعل .. وقد خاطب الله المكلفين بالترك والخطاب المتضمن للطلب هو تكليف وهو مقتضى الثواب بل الجنة لم تُعد إلا للمتقين الذين يتوقون عذاب الله بفعل المأمور وترك المنهي على حد سواء . قال تعالى ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريماً ) . وقد جاء في الحديث عند
أحمد والترمذي وابن ماجة بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اتق المحارم تكن أعبد الناس" وهذا نص ظاهر في الدلالة على أن الترك عبادة ، كما أن الفعل عبادة .فخطاب ربنا لنا بالنواهي هو طلب ترك وهو حقيقية الأمر الذي عليه مدار الدين .
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا " ، وهذا نص آخر يدل على أن الانتهاء عند الأمر بالانتهاء عبادة تركية ، بل الترك هو أول العبادات العملية التي كلف بها آدم، فإنه أمر أن لا يقرب الشجرة وهو نهي يقتضي الترك .
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه " ما يصيب المسلم من نصب ، ولا وصب ، ولا هم ، ولا حزن ، ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عندهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها ".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " فما جاء في حديث أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما يصيب الإنسان بغير اختياره ولا رضى منه، بل يحصل له كل ذلك وعلى رأسها المرض وهو كاره له ، ومع ذلك فإن الله يكفر بها من ذنوبه وخطاياه .
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما جعل ترك ما يؤذي المسلمين صفة كمال الإسلام ولا شك أن كمال الإسلام هو أعظم الأمور المأجور عليها .
وجعل هاجر المنهيات في مكانة المهاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والهجرة إلى الله من أعظم القربات والطاعات .
وتأمل كيف أطلق في حديث ابن مسعود رضي الله عنه " ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه ... " وهذا يفيد أن من أصيب بمرض في رمضان فله الفطر، إما وجوباً أو استحباباً أو رخصة ، بحسب حاله ، ومع ذلك فالله يكفر من سيئاته ولو كان هذا المرض سبباً في فطره .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه " من غرس غرساً فأكل منه إنسان أو طير أو سبع أو دابة فهو له صدقة " وفي بعض الألفاظ " وما سرق منه " أخرجه أحمد وغيره وسنده حسن .
وعند البيهقي عن جابر " ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان له صدقة بما أكل منه وما سرق منه وما أكلت الطير منه وما أكلت الوحوش أو قال السباع " وسنده حسن ، وأخرج مسلم نحوه.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أتى إلى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح، كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة من ربه عز وجل " أخرجه النسائي وابن ماجة وسنده صحيح.
فحديث جابر يدل على أنه يؤجر في كل حالة أكل فيها من غرسه، ولو كان هو غير راض ولا نوى للصدقة، لأن الأصل أن الإنسان يكره أن يسرق من ملكه ويكره أن تغتصب الوحوش شيئاً من غرسه وهو كذلك يدفع الطير عن زرعه وغرسه فمن كرمه سبحانه وتعالى أن يكون ذلك له صدقة .
ومثله حديث أبي الدرداء، فالله يكتب له أجر ما كان نوى قيامه، وزيادة أمر آخر أن نومته تلك صدقة من ربه له، والأظهر أنه يؤجر عليها كما هو معلوم من ظاهر اللفظ .
ونحو هذا ما جاء في الشيب " من شاب في الإسلام شيبة كانت له نوراً يوم القيامة " أخرجه النسائي والترمذي وصححه الألباني مع كراهة الإنسان للشيب بل وستره له بالحناء والكتم والأصباغ .
فإذا ثبت أن المكلف المسلم يؤجر على ما ذكر وذلك يقع عليه بدون اختياره وبلا رضاً منه، بل بمدافعة منه لذلك، فكيف لا يؤجر عند الترك المأموربه ،وهو يقع منه اختياراً وامتثالاً لطلب ربه ومعبوده الذي كتبه عليه .
وهذا لا يحصل للإنسان إلا إذا دخل الإسلام ، وإلا فإن جنس المرض والابتلاء يحصل لمطلق الإنسان، ولكن الله خص المسلم بالأجور على الابتلاءات .
وقد جاء عند أحمد بسند صحيح عن سعد رضي الله عنه " المسلم يؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه " أو" في زوجته " مع أن الأكل حاجة وضرورة . وعند أحمد والنسائي بسند حسن " فالمؤمن يؤجر في كل أمره " .
وأفعال الإنسان كلها تستوعبها أحكام التكليف الخمسة المعروفة وهي الواجب والمستحب والمباح والمكروه والمحرم ، وكلها تعود إلى أمر واحد وهو جنس الطلب، فكل ما خالطه الطلب فهو تكليف على درجات. فالأمر يكون على وجه الإلزام وهو الفرض، والواجب ويكون لا على سبيل الإلزام وهو المستحب .
ومثله الأمر بالترك فيكون على وجه الإلزام وهو الحرام فعله الواجب تركه، كالشرك وسائر المعاصي ، ويكون لا على سبيل الإلزام هو المكروه . قال السيوطي في الأشباه : قال في البرهان وهو ظاهر مذهب الشافعي، فعلى هذا يكون مكلفا بفعل الواجب وترك الحرام وبالاعتقاد في المندوب والمكروه والمباح " .
وبين الأمر بالفعل والأمر بالترك، برزخ عريض هو المباح، وقد اختلف علماء الأصول فيه فمنهم من عده حكماً ومنهم من لم يعده حكما بل هو وسيلة إما لهذا أو ذاك . وعرفه الشاطبي وغيره بأنه غير مطلوب الفعل غير مطلوب الترك .
والمتيقن الذي عليه إجماع المسلمين أن أفعال المكلفين لا تخرج عن تلك الأحكام الخمسة .
فإذا دخل رمضان وجب على عموم المسلمين الصيام، الرجال والنساء على حد سواء غير أن للمرأة ما تختلف فيه عن الرجل ألا وهو دم الحيض الذي هو صفة كمال فيها باعتبار جنسها، وقد خص الشارع المرأة بأحكام إذا نزل منها ذلك الدم المعتاد ، فلا تصلي ولا تصوم ولا تدخل المساجد ولا تقرأ القرآن ( عند الجمهور ) ولا تمس المصحف .
وعدم صلاتها وصيامها له حكم في الشريعة، معرفته تؤثر في حكم تناول الأدوية المانعة أو الرافعة للحيض.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ( بالمملكة العربية السعودية ) برقم (1216) الجزء العاشر من إعداد أحمد الدويش : يجوز أن تستعمل المرأة أدوية في رمضان لمنع الحيض إذا قرر أهل الخبرة الأمناء من الدكاترة ومن في حكمهم أن ذلك لا يضرها ولا يؤثر على جهاز حملها ، وخير لها أن تكف عن ذلك وقد جعل الله لها رخصة في الفطر إذا جاءها الحيض في رمضان ، وشرع لها قضاء الأيام التي أفطرتها ورضي لها ذلك ديناً .
فقد جعلوا فطرها رخصة لها من الشارع والأكيد أنهم لا يقصدون الرخصة التي جاء بها الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وابن أبي شيبة بسند صحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته " ، وفي لفظ آخر " كما يحب أن تؤتى عزائمه " . لأن ذلك يعني أن صيامها إن صامت صحيح ولكن الأفضل أن تأتي الرخصة وهي الإفطار . وهو المفهوم عند عموم المسلمين من مدلول الرخصة.
وبالمقابل لا ينطبق تعبيرهم بالرخصة على الرخصة التي عرفها الأصوليون .
فالبيضاوي يقول " هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر " والغزالي يقول " الذي أبيح مع كونه محرماً " والآمدي يقول " ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام الدليل المحرم " .
ويقول ابن قدامة " هي استباحة المحظور مع قيام الحاضر " إلا بشيء من التكلف . لأن الإجماع منعقد على أن صيامها حرام أصلاً ولا ينعقد . ويلزم منه أن إفطارها واجب، والقول بالرخصة مخالفة للإجماع الذي نقله النووي وابن حزم وغيرهما من العلماء . وبين الرخصة والعزيمة اشتراك وإفتراق دقيق وبينهما تداخل يشكل، إذ الرخصة قد تتحول إلى عزيمة وفي مسألتنا هذه القول بالرخصة بعيد جدا والصحيح أن ترك الصيام في حقها عزيمة بل وعزيمة من الجهة الأخرى عكسا، إذ العزيمة تشمل الفعل والترك كما يستفاد من كلام الفتوحي في الكوكب المنير، ولأن الأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عن الشيء أمر بضده، وهو هنا متجه لأنه لا تعدديه في الأضداد قال التفتازاني : وجوب الشيء يدل على حرمة تركه، وحرمة الشيء على وجوب تركه، ثم قال وهذا مما لايتصور فيه نزاع " وعبر ابن الهمام في التحرير بقوله " واجتماع الأمر بالشيء والنهي عن ضده لا يقبل التشكيك ".
وأجاب الشيخ ابن عثيمين، عندما سألته أمراة فقالت أنا امرأة تأتيني الدورة الشهرية في هذا الشهر الكريم في خمس وعشرين إلى آخر الشهر ، فإذا حضته فسوف أضيع أجراً عظيماَ، فهل أبلع حبوب منع الحيض وخاصة أنني سألت الطبيب فقال: لا تضرني .
فأجاب الشيخ :
أقول لهذه المرأة ولأمثالها من النساء اللائي يأتيهن الحيض في رمضان إنه فاتها ما يفوتها من الصلاة والقراءة، فإنما ذلك بقضاء الله وقدره وعليها أن تصبر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حينما حاضت قال لها " إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم "
فنقول لهذه المرأة إن الحيض الذي أصابها شيء، كتبه الله على بنات آدم، فلتصبر ولا تعرض نفسها للخطر، وقد ثبت عندنا أن حبوب منع الحيض لها تأثير على الصحة وعلى الرحم، وأنه ربما يحدث تشوه في الجنين من أجل هذه العقاقير" .
أقول: إن هذه المرأة وغيرها من النساء، ليسألن وكلهن اندهاش واستغراب، وكأن المسألة حادثة ونازلة وأنها ليست ملازمة للأنثى منذ زمن حواء على الصحيح، وأعتقد أنها جاءت في السؤال بما يستدعي زجرها وأمثالها عند طرح مثله، إذ كيف تجهل أن من أمرها بالصيام هو الذي أوجب عليها الفطر عند نزوله .
أما الشيخ فلم يفتها بحكم شرعي وإنما نصحها نصيحة ويظهر أن المانع عنده من القول بالجواز أنها تضر . وهنا تعارض بين طبيب تلك المرأة الذي قال إنها لا تضرها وبين ثبوت المضرة عند الشيخ من طبيب أو أطباء آخرين .
فقد قال في جواب آخر : أنا أحذر من هذا، وذلك لأن هذه الحبوب فيها مضرة عظيمة ثبت ذلك عندي عن طريق الأطباء، ويقال للمرأة هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقنعي بما كتب عز وجل وصومي حيث لا مانع، وإذا وجد المانع فافطري رضاء بما قدر الله عز وجل .
فقوله: أحذر، يعني أنصح، وليس حكماَ بالمنع أو الجواز، مع أن الأصل أن يقول بالتحريم، لأنه ثبت عنده الضرر عن طريق الأطباء ، ولا يعلق هذا التحريم بإرادة الصيام بل يكون مطلقاَ لأن الضرر ثابت عنده .
وأيضاَ، فإن دعوة الشيخ لها بالصبر يشعر بأن نزول الحيض مصيبة، ولا أعرف أحد من السلف قال بذلك ، بل هو صفة كمال في المرأة إذا جاءها في أوانه .
ويفهم من كلام الشيخ أنه لو لم يكن مضراً، لما حذّر منه وأجازه، لكن هل هذا هو وجه المسألة ومدخلها ؟!
ولما سئل الشيخ ابن باز فقال : لا حرج أن تأخذ المرأة حبوب منع الحيض تمنع الدورة الشهرية أيام رمضان حتى تصوم مع الناس، وفي أيام الحج حتى تطوف مع الناس ولا تتعطل عن أعمال الحج، وإن وجد غير الحبوب شيء يمنع الدورة فلا بأس إذا لم يكن فيه محظور شرعي أومضرة .
فالشيخ صرح بالجواز لأنه لم يثبت عنده مضرتها . وكأنه لو ثبت ضررها لم يقل بجوازها، لكن التعليل بالصيام مع الناس فيه نظر لما سيأتي , ويظهر أن المضرة لم تثبت عنده .
وقال الشيخ القرضاوي :
أجمع المسلمون على أن المسلمة التي تأتيها العادة الشهرية في رمضان المبارك لا صيام عليها ، أي لا صيام عليها في الشهر وإنما يجب عليها القضاء وذلك تخفيف من الله ورحمة بالمرأة الحائض، حيث يكون جسمها متعباًً وأعصابها متوترة فأوجب عليها الإفطار إيجاباَ وليس إباحة .. فإذا صامت لا يقبل منها الصيام ولا يجزئها، و لا بد أن تقضي أياماَ بدل هذه الأيام، وهكذا يفعل النساء المسلمات منذ عهد أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن ومن تبعهن بإحسان . ولا حرج إذن على المرأة المسلمة إذا وافتها هذه العادة الشهرية أن تفطر في رمضان وأن تقضي بعد ذلك " ... ثم قال " وأنا أفضل شخصياَ أن تسير الأمور على الطبيعة وعلى الفطرة، فما دام هذا الحيض أمراَ طبيعياَ فطرياًَ فليبق كما هو على الطبيعة التي جعلها الله عز وجل، ولكن إذا كان هناك نوع من الحبوب والأدوية تتعاطها بعض النساء لتأجيل الحيض كما هو معروف من حبوب منع الحمل ، وأرادت بعض النساء أن يتناولن هذه الحبوب لتأخير العادة عن موعدها حتى لا تفطر بعض أيام رمضان فهذا لا بأس به بشرط أن تتأكد من عدم إضراره بها ".
كلامه في البداية فيه متانة حيث تكلم عن الإجماع وبين أن فطرها واجب وليس رخصة .
ولكنه عاد فقرر ما يضعف كلامه وهو قوله ولا حرج، إذن على المرأة أن تفطر في رمضان بعد أن قال بوجوب فطرها. ثم عاد مرة أخرى وناقض نفسه حيث إنه قرر أن فطرها واجب وأنها لو صامت لم يصح صيامها ثم عاد وقال بجواز أخذ الحبوب المانعة للحيض والتعليل حتى لا تفطر بعض أيام رمضان . سبحان الله الذي قال في كتابه " أتعلمون الله بدينكم " .
فإذا كان قد قرر أن فطرها واجب وصيامها حرام، وهو المجمع على معناها عند فقهاء الأمة، فكيف يخرج من هذا الواجب بلا موجب والقاعدة الفقهية تقول " أن الواجب لا يترك إلا لواجب " . والمتيقن هو الفطر، إذن لا بد من عذر مقبول متجه يرفع هذا الوجوب، لأن الله سبحانه وتعالى حين شرع فطرها يعلم ما خلق، وأنه سيأتيها كل شهر وهوالذي أوجب عليها صيامه إن لم ينزل منها كما أوجب فطرها إن نزل منها، فإذا لم يوجد عذر موجب فالبقاء على الأصل واجب .
والظاهر والله أعلم أنه إن استمر الزمان والقول بهذه الفتوى فستكون التي لا تأخذ تلك الحبوب هي التي يتحقق أنها أخذت بالرخصة .
وسئل الشيخ عبد الرحمن البراك :
فأجاب بكلام ومنه قوله : فعندي أن الأولى ألا تستعمل الحبوب لمنع الحيض فإن استعمال الحبوب لذلك يؤدي إلى اضطراب الحيض مما يجعل المرأة في قلق وحيرة كما يشهد بذلك الواقع، ولذلك أرى ألا تستعمل المسلمة الحبوب لمنع الحيض لأجل أن تصوم في رمضان وتصلي، لأنه لا حرج عليها في ترك ذلك، والحيض شيء كتبه الله على بنات آدم وأوجب على الحائض ترك الصوم والصلاة مع قضاء الصوم .. "
وكذلك لا يخلو من اضطراب : فأولاَ قال " فعندي أن الأولى ألا تستعمل الحبوب لمنع الحيض " فهو يذكر مجرد أولوية . والسياق يشعر بأنها لو فعلت فلا بأس .
ثم يعود فيقول بعد سطر " ولذلك أرى ألا تستعمل المسلمة الحبوب لمنع الحيض لأجل أن تصوم في رمضان وتصلي .. " وظاهره أنه لا يجيز ذلك .
وأيضاَ قال " لأنه لا حرج عليها في ترك ذلك يعني الصوم والصلاة .. " ثم يعود بعد سطر ويقول " و أوجب الله على الحائض ترك الصوم والصلاة ... " ،فإن قيل يوجه كلامه بأنه يقصد أن لا حرج عليها في ترك الصوم والصلاة لأن ترك الصيام والصلاة واجب. قيل هذا تعبير ضعيف يؤدي إلى اضطراب الفهم والواجب الإيضاح .
أما تعليل عدم الجواز بأنه يؤدي إلى اضطراب الحيض، فيقال إن الأطباء يعالجون اضطراب الحيض بهذا الدواء عيناَ كما أفادني أهل الاختصاص , وكلامه يتجه فيما إذا علمت هي من حالها أن يؤدي إلى اضطراب عندها فهنا لها حكمها الخاص بها .
وقد وجدت بعض المعاصرين يعبرون بأن الحائض يباح لها الفطر في رمضان وهو تعبير مخل لا ينطبق مع الواقع الشرعي والحكم التكليفي ، فمن اعتبر أن فطرها رخصة أو مباح أو لا حرج عليها فيه فهو مخطئ وكلامه منقوص أدى إلى خلل في تصور بعض المسائل المترتبة عليه في هذا الباب .
ومتقدموا الفقهاء يستدلون بالجواز على ما أخرجه عبد الرازق ، قال : أخبرنا ابن نجيح : قال : سئل عطا عن امرأة تحيض يجعل لها دواء فترتفع حيضتها وهي في قرئها كما هي تطوف ؟ قال نعم إذا رأت الطهر، فإذا رأت خفوقاَ ولم تر الطهر الأبيض فلا " .
فهو - رحمه الله - يشترط الطهر المعروف ( القصة البيضاء) الذي تعرفه النساء كدليل على الطهر وهو المجمع عليه، وإلا فلا يجوز لها الطواف أما مجرد الجفاف و الانقطاع فليس محل إجماع .
والسؤال كان في الطواف، ويظهر أنه في الحج، وقد ذهب جمع من العلماء إلى أن الحيض لا يمنع الطواف، وأن الطهارة تسقط كشرط له إذا كانت لا تستطيع البقاء حتى تطهر، أو أن من هي معهم يشق عليهم انتظارها حين ذاك، فإنها تستثفر وتطوف. ويكون هذا الداء الرافع للحيض بمثابة الاستثفار .
وكذلك ما أخرجه عبد الرازق بسند فيه مجهول عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سأل عن امرأة تطاول بها دم الحيضة فأرادت أن تشرب دواء يقطع الدم عنها فلم يرى ابن عمر بأساَ، ونعت ابن عمر ماء الأراك .
قال معمر سمعت ابن أبي نجيح يسأل عن ذلك فلم ير به بأساَ .
وهذا الأثر لا يصح الاستدلال به، لا من حيث الثبوت، ولا من حيث الدلالة، فسنده منقطع لجهالة أحد رواته .
ودلالة، لأن المستفتى عنها هي امرأة مستحاضة تطاول دمها وليست حائضاَ، والمستحاضة لها حكمها فهي مريضة قد أصابها عرق، كما في الحديث الصحيح وما وصف لها إنما هو دواء استشفاء من تطاول الدم بها والمسألة خاصة بمن هذه حالها ، ولا يمكن تعميمها أو الاستدلال بها على مطلق الجواز .
وكلام ابن أبي نجيح حاله كحال كلام ابن عمر رضي الله عنهما سواء بسواء، لأن معمر قال: سمعته يسأل عن ذلك، أي كما سئل ابن عمر رضي الله عنهما .
ولكي نعرف حكم تناول تلك الحبوب المانعة للحيض لا بد أن نأتي المسألة من بابها، ونتكلم عليها من أصلها .
جاء عند ابن حزم في مراتب الإجماع " أجمع أهل العلم على تحريم الصوم فرضه ونفله على الحائض وعلى أنه لا يصح صومها " ونحو هذا نقل ابن المنذر .
وقال أيضاَ : " وأجمعوا أن الحائض لا صلاة عليها في أيام حيضتها فليس عليها القضاء وأجمعوا أن عليها قضاء الصوم الذي تفطره في أيام حيضتها في شهر رمضان ".
وقال النووي في المجموع : " لا يصح صوم الحائض والنفساء ولا يجب عليهما، ويحرم عليهما ويجب عليهما قضاؤه، وهذا مجمع عليه، ولو أمسكت لا بنية الصوم لم تأثم وإنما تأثم لو نوته وإن كان لا ينعقد " .
وقال أيضاً : " والحائض مكلفة بترك الصلاة لا طريق لها إلى فعلها ولو وجدت الطهور.."
ونحو هذا ذكر أبو جعفر في كتاب اختلاف الفقهاء .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " كما يحرم على الحائض الصلاة والصيام بالنص والإجماع ومس المصحف عند عامة الفقهاء " وقال ابن حجر في الفتح " وذلك أن تركها الصلاة واضح من أجل أن الطهارة مشترطة في صحة الصلاة ، وهي غير طاهرة وأما الصوم فلا يشترط له الطهارة فكان تركها له تعبداَ محضاَ فاحتاج إلى التنصيص عليه بخلاف الصلاة " .
فالإجماع ثابت على أن صيامها أيام حيضها حرام ويلزم منه أن فطرها واجب يقيناَ لأنه ليس هناك إلا صيام أو فطر وليس بين ذلك حالة .
ويجب التفطن إلى أنهم حين نقلوا الإجماع على تحريم الصوم لم يشيروا أو يستثنوا حالة منعه أو رفعه، وكذلك حين نقلوا الإجماع على القضاء لم يشيروا إلى ذلك كأن يقولوا: إلا أن تكون أخذت دواء فمنع الحيض وصامت فإنه يجزؤها .
وإذا كان صيامها حرام ولا ينعقد ولا يصح، فإنها إن نوته وهي حائض مستبيحة للصيام فهي آثمة، بل على خطر عظيم، بل قد يكون فعلها كفر، حالها كحال من استباح الصلاة بغير شرطها دون عذر، كأن يصلي إلى غير القبلة أو يصلي بغير طهارة، أو يصلي وهو عار مع علمه بحرمة ذلك .
إذن، هذا هو الدين الذي رضي الله لعباده، وهذه هي الشريعة التي أمرهم الله بها، وعليها استقر أمر المسلمين ونقل علماؤهم الإجماع عليها .
فإذا أرادت امرأة الخروج من هذا التكليف الذي هو وجوب الفطر ( حرمة الصيام ) إلى التكليف الآخر الذي هو وجوب الصيام ( حرمة الفطر )، أي تجعل ما هو واجب حرام، وما هو حرام واجب فلا بد حينها من مسوغ ألا وهو ضرورة مبيحة أو عذر ناقل، وإلا فإن ذلك تلاعب بأحكام الشريعة .
وقد تأملت كثيراَ وسألت كثيراَ، فلم أجد ما يستدعي هذا الفعل، . وقد أجهدت في البحث عن مصلحة، دينية أو دنيوية تسوغ هذا الفعل، فعجزت عن إيجاد تلك المصلحة و بالتالي ليس هناك شبهة مصلحة حتى تلحق بالمصالح المرسلة بأي وجه ولو كان ضعيفا، لأن المصلحة ليست ظاهرة عند عقلاء الأمة، وليس الأمر مما يخص حفظ الدين أو الدم أو المال أو العرض .
ولا يجوز قياس الصيام على الحج لأن الحج، زمن مخصوص في مكان مخصوص، أما الصيام فإن القضاء فيه موسع وعلى التراخي ويصح في أي زمان وأي مكان، وكل الأعذار التي تأتي بها النساء هي من باب الترف أو من باب الغلو، كما سيتبين لاحقاَ .

سبق وأن بينا متقررا وهو أن أحكام التكليف الشرعي الخمسة أو السبعة على قول بعضهم تستوعب جميع أعمال المكلفين .
ولو أردنا أن نسمي هذا العمل وهو تعاطي هذا المانع فما يمكن أن نطلق عليه ؟ هل هو من جنس الواجب و ما في معناه ؟ الصحيح - لا- ،ولا أظن مسلما يجرأ أن يقوله .
وهل هو من جنس المستحب ؟ كذلك - لا - ،ومن أين دليل الاستحباب ؟ وحيث لا دليل فلا استحباب .
وهل هو من جنس المباح كما أشار إليه الحنابلة أم لا ؟ ولعل القول بالإباحة هو ما جعل المتأخرين منهم يتوسعون في الجواز وإظهاره .
وقاعدتهم أن الأصل جواز أكل الدواء وشربه، وحيث لم يرد تحريم، فالبقاء عليه ولا يستقيم هذا لأن الحيض ليس داء حتى نسمي ما يرفعه دواء، بل هو دم جبلة وطبيعة كما هو في تعريف سائر الفقهاء، وكما هو عند أهل الأرض جميعاَ .
ثم هو مما يترتب عليه أحكام شرعية كثيرة، منها ما هو لله، ومنها ما هو للمخلوق، وبالتالي لا يباح لها أن تغير فيه، لا تقديماً ولا تأخيراَ بلا موجب .
وأيضاَ القول فيه بالإباحة لا يتناسب مع الإجماع على حرمة الصوم ووجوب الفطر، لأن فيه نوع إبطال لهذا الإجماع وإلغاء لحكمته، حيث يتم الخروج منه بهذا اليسر المشعر بأن لا حكمة من هذا التحريم والوجوب .
وأيضاَ فإن من تأخذ هذا الدواء لا تكون مجردة عن النية، وإنما تأخذه لاستباحة عبادة محظورة ، وهذه النية مؤثرة، فإن كثيراَ من الأفعال المباحة تحرم بسبب النية، فالنكاح مباح ولكن إن نواه تحليلاً حرم .
ومن دقائق ما ذكر أهل العلم، أن الرجل إذا أخذ دواء يعجل الشيب ويكثره وكان قصده الرئاسة والتمشيخ فإنه لا يجوز له فعل ذلك .
وأيضاَ فإن هذا الدواء يمنع عارض الحيض الدال عليه وهو الدم، ولكنه لا يمنع الحيض نفسه. نظير ذلك الآلام، فإنها أدلة وعوارض للأمراض وليست هي الأمراض نفسها، فمن أخذ مسكناَ لها لا يعد آخذاً دواء لها، وغاية ما هنالك أن ذلك الدواء يحبس الدم داخل الرحم فلا يخرج ، واحتباس الدم هذا له أثره على بدن المرأة ونفسها وتكون بمثابة من يدافع الأخبثين وجميعهن يشعرن بانتفاخ البطن عند أخذها .
لذلك، قال بعض العلماء من الحنابلة أن المني إذا تحرك من مجاريه في البدن أوجب الغسل، وإن لم يخرج خارج البدن، ومن كظم غيظه ولم يخرجه لا يعني أنه غير مغتاظ. فالحيض حالة تعرف بنزول الدم وإن تعلقت الأحكام بنزوله، كما أن المني علامة البلوغ وليس هو البلوغ .
ولذلك يدخل الفقهاء في تعريف الحيض "الزمن" بقولهم هو نزول دم جبلة وطبيعة من المرأة في زمن معتاد .
ألا ترى أن المرأة إذا تطاول بها الدم أكثر من خمسة عشر يوما سميت مستحاضة، وعليه فإنه يجب عليها التطهر والتلبس بالعبادة ولا تلتفت إلى الدم الخارج ، ويكون حكمها حكم الطاهرات سواء بسواء، مع أنها تختلف عنهن بنزول الدم .
فالشرع هنا أهمل نزول الدم، لأنه ليس في وقت أوانه، وهذا يفيد بأن الحيض ليس مجرد نزول الدم، بل هو أمر آخر وحالة تعرف بنزول الدم، وهذا الاقتران مرعي في صور أخرى، فالحامل التي يصيبها الدم قبل الولادة بزمن لا يسمى حيضاَ، لأنه ليس في زمنه، وليس دم نفاس، لأنه ليس في زمنه أيضاَ،
ونزوله من الصغيرة جداَ لا يعد حيضاَ، لأنه ليس في زمن إمكانه أيضاَ، ومثله نزوله من اليائسة التي استقر يأسها .
وتأمل غسل الجنابة فإنه لا يجب إلا بشرطين، الأول خروج المني، والثاني أن يكون بشهوة فإذا خرج بدون شهوة فلا غسل ، وإذا حصلت الشهوة بلا خروجه فلا غسل أيضاَ.
والشهوة شيء آخر غير خروج المني، بل هي حالة تعتري البدن وتحدث فيه تفاعلات وتحولات تشتد حتى يكون خروج المني ذروتها ونهايتها .
والحيض كذلك، هو حالة تمر بجسد المرأة وتحدث فيه تغيرات كبيرة أظهر علامة لمرورها بهذه الحالة هي نزول الدم .
فمجرد نزول الدم من مخرجه عند المرأة لا يجعلها حائضاَ، بدليل لو أن امرأة في زمن الطهر سقطت أو أصيبت ثم نزل دمها من المحل، فإنها لا تصير حائضاَ بالإجماع .
وأيضاَ فإن أخذ المرأة لتلك الحبوب المانعة أو الرافعة لأجل أن تصوم ينافي كمال الاستسلام لشرع الله وكأنها تستدرك على أحكامه، وقد قال الله تعالى ( قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ).
وقال تعالى ( وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم ).وقال ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) .فالخير فيما يختاره الله للمؤمن، وأمره دائماَ على السمع والطاعة وخصوصاَ أن الله يختار له التخفيف والرحمة، وهو يختار لنفسه الشدة والعناء والمشقة .
ولو تأملت الصور والحالات التي أذن الشارع فيها للصائم بالفطر لوجدت أن الرحمة والتخفيف هي القدر المشترك بينها .
فالمسافر أذن له بالفطر إباحة أو استحباباَ أو وجوباَ على خلاف بين العلماء في ذلك، لأن السفر قطعة من العذاب يمنع المرء شرابه وطعامه كما ثبت في الصحيح فلا يجمع على المكلف صوم يحرم الإنسان الطعام والشراب وسفر يحرمه ذلك أيضا .
والمرض كذلك يحرم الإنسان من الطعام والشراب وقد جاء في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم"،أخرجه الترمذي وحسنه ابن ماجة والحاكم وغيرهم ، وحسنه الألباني لشواهده.
فإذا ثبت أن المرض يدفع شهوة الطعام والشراب، وهو المتيقين واقعاً وحساً، فإن من رحمته سبحانه وتعالى أن لا يجمع عليه ضعفان، ضعف المرض، وضعف الصوم .
وكذلك الكبر والهرم ، قال الله تعالى ( ثم جعل من بعد قوة ضعفاًَ وشيبة ) فلا يجمع مع هذا الضعف ضعفاَ آخر.
وكذلك الحامل والمرضع قال تعالى ( حملته أمه وهناَ على وهن وفصاله في عامين )
فإن الآية نصت في أن الوهن في الحمل والرضاعة لذكر العامين فهي تشمل الحمل وتمام الرضاعة ، وإذا كان سبب ضعفها حملها له في بطنها، وغذاؤه وهو فيه، فإن الرضيع لا يزال يتغذى من أمه ولا تزال تحمله، وهنا لا يجمع مع هذا الضعف ضعف آخر.
كذلك إفطار الحاجم والمحجوم على قول من صحح الحديث وقال بفطرهما، فقد أشار العلماء إلى أن العلة في المحجوم هو الضعف وهو أمر ظاهر لا ينكر، وكثيراَ ما يغمى على المحجوم لسرعة انخفاض الضغط لديه ، ولأن الأمر بهذه
المخاطرة فإن الشارع حسم المادة بتفطيره فهي سد لذريعة فعله، ومعالجة لوضعه إن خالف واحتجم .
أما الحاجم فإنه يفطر -والله أعلم- للإعانة كما لعن المحلل والمؤي للمحدث والعشرة في الخمر ونظائره كثيرة، ولا يقاس المجروح على المحجوم، لأن الأول ليس بفعله، أما الآخر فبفعله، لذلك لا يفطر الأول، أما الثاني فيفطر للحديث ، ومثله القيء، فإن من صحح الحديث الوارد فيه يقول بمدلوله، وهو أن من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقى فعليه القضاء، ولا شك أن القيء مضعف للبدن، ويكون إضعافه أكبر إذا كان الإنسان متسبباَ فيه، ويقال هنا ما يقال في الحجامة، ثم إن المبتلى بالأمر يعان عليه، أما الطالب له فيوكل إلى نفسه، كالإمارة فطالبها لا يعان، وآخذ الدين لا لحاجة لا يعان، ونظائره كثيرة، وفي الحديث " إن الله ينزل المعونة على قدر المؤنة، وينزل الصبر عل قدر البلاء " كما في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وإذا كان الإنسان يؤجر على الشوكة تصيبه، فهذا لا يعني أن يتقصد الوقوع على الشوك .
إذا ثبت هذا، فإن الحائض والنفساء لهما من هذا الضعف أكبر الحظ ، فحسم الله هذه الذريعة، وأوجب عليهما الفطر وحرم عليهما الصيام.
أما النفساء فالأمر فيها ظاهر جداً، وهي مضرب مثل للضعف، وكل ما يلد من الدواب والحيوان يظهر ذلك عليه، والشارع الحكيم كما راعى ذلك في المسافر والمريض راعى ذلك فيها، ووسع لها في التخفيف من التكليف إلى الأربعين، فإن توقف الدم وطهرت قبل الأربعين تلبست بالعبادات، لأن انقطاع الدم يعني استرداد قواها البدنية والنفسية .
أما مع وجود الدم والإرضاع، فمن الرحمة ألا تصوم، وهو الموافق للشريعة السمحة .
أما المستحاضة، وهي التي فارق دمها دم الحائض من حيث صفته و زمنه، فإنها تتعبد كالطاهرات، لأن الأمر - كما ذكرنا سابقاَ - وجد العرض دون الحقيقة الباطنة التي هي حقيقة الحيض .
وقد لا يصحبها من الضعف ما يصحب الحائض وهي مستثناة عن الأصل وأعدل الأمور في حقها أن يحكم لها أنها كالطاهرات لما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية .
وقد جاء في الحديث عند أحمد وأبي داود والترمذي وصححه عن حمنة بنت جحش قالت : قلت يا رسول الله إني استحاض حيضة شديدة فما ترى فيها ؟ قال : أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ، قالت : هو أكثر من ذلك ... فقال لها : إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة .. " حسنه الألباني .
فهي ركضة من الشيطان، وكيد الشيطان ضعيف، كما أخبر سبحانه ، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه دم أصفر رقيق كغسالة اللحم ، وهذا ما يجعل تأثيره أقل من تأثير الدم القاني البحراني الغليظ .
وأيضاَ فإنه ابتلاء لم تتسبب فيه ولذلك فهي معانة عليه .
وهذا الحديث يغني عن حديث ابن عمر السابق -الذي ذكرنا- أن في سنده مجهول مع التفطن أنه في المستحاضة وليس في الحائض .
وفيه فوائد كثيرة، فحمنة رضي الله عنها كانت تعرف أن ما أصابها إنما هو استحاضة وليس حيضاَ، وتعرف أنها استحاضة كثيرة شديدة كما في بعض الروايات الصحيحة .
ثم جاءت تستفتي الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنها منعتها الصلاة والصيام، فنعت لها الكرسف ( وهو القطن ) كما في كتب الغريب واللغة، وقال لها، إنه
يذهب الدم، ثم قالت: هو أكثر من ذلك فقال : تلجمي ، قالت : هو أكثر من ذلك، قال : اتخذي ثوباَ قالت: هو أكثر، إنما أثج ثجاَ ، الحديث .
فسياق القصة يدل على أمرين :
الأول : وهو الظاهر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم دلها على الكرسف (وهو قطن تحتشي به النساء ) باعتبار أن الدم قليل ثم تدرج معها كلما علم كثرته .
وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يرشدها فقط إلى طريقة التحفظ من الدم ، وهذا في النظر بعيد، لأن حمنة راشدة كبيرة و هي تعرف بداهة كيف تتحفظ بحسب الحال وظن الرسول صلى الله عليه وسلم بها ذلك ، وخصوصاَ أن عندها من النساء من تستشيرهن في أمرها .
والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدها إلى الكرسف باعتباره دواء وليس حفاظاَ، ويؤيد هذا قوله: إنه يذهب الدم، والإذهاب هو رفع الداء من أصله .
لذلك جاء في الحديث الصحيح المشهور أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على مريض قال : " أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي ".
وفي القرآن ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) أي رفعه وأبعده، ويكون تدرج النبي صلى الله عليه وسلم معها من باب معرفة قدره دون أن يكون ذلك مباشرة.
وهي حين نعت لها الكرسف فقالت: هو أكثر من ذلك، إما أنها كانت قد حاولت ولم ينفع، أو أنها تعرف بخبرة النساء أن الكرسف لا ينفع مع هذا الثج .
وإذا تأملت هذا الحديث جيداً، وجمعت إليه فتوى ابن عمر على ما في سنده من جهالة وفتوى عطاء وابن أبي نجيح وجدت أن السؤال وقع عن الاستحاضة
غير المعتادة، والمعروف أنها ركضة من الشيطان، وأنها داء وعرق، فدل على أن المستقر عندهم أن الحائض حيضاَ معتاداَ لا يجوز لها أخذ ما يرفعه أو يقطعه بلا سبب موجب ومسوغ، وأن الحيض المعتاد ليس محل سؤال .
وقد نص الفقهاء على عدم جواز أخذها ما يقطعه أصلاً كما قال صاحب الفواكه الدواني " ولو استعملت دواء لقطعه أصلاً فلا يجوز لها حيث كان يترتب عليه قطع النسل كما لا يجور للرجل استعمال ما يقطع نسله أو يقلله " .
وربما يظن البعض أن دواء قطع الحيض لم يكن معروفاَ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا غير صحيح، فالإغريق والبابليون والآشوريون والفراعنة والرومان كانوا يعرفون أدوية مفردة ومركبة تقطع الحيض وتقطع النسل، والعرب القدماء كانوا يعرفون أعشاب وأدوية مفردة ومركبة لقطع البلغم، وبلل المعدة، وقطع استطلاق البطن واستجلابه، وقطع الشهوة واستجلابها، وإسقاط الجنين وقطع النسل، وقطع زخم الحيض، وقطع بخر الفم، وقطع الرعاف واستجلابه وقطع نزف دم الرحم، وقطع الحليب واستجلابه، وقطع القيء واستجلابه، وقطع شهوة الطعام والشراب واستجلاب ذلك، وقطع الإحساس بكثير من الآلام .
بل كانوا يعرفون أعشابا ومركبات لقطع الهموم والوساوس والخوف والهلع، وإبعاد النوم واستجلابه .
وكانوا يعرفون السموم وأضدادها وما يسبب العمى المؤقت وما يرفعه، ويعرفون ما يسبب الجنون والخبال ، وكانوا يفعلون أدوية لرؤية أرواح الجن وطردهم، كما ذكر صاحب مغني ذوي الأفهام، وغير ذلك مما يعرفون كثير .
وقد كان زمن النبي صلى الله عليه وسلم حكماء ( أطباء ) قد تفرغوا لمداواة الناس وقد تعلمت عائشة رضي الله عنها الطب من كثرة ما كان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم من أطباء .
وكانوا يعالجون العضو المقطوع بالغمس في الزيت المغلي وهو أنفع ما يكون لمثله. وغيره كثير مما يتعلق بفقه الجروح والقصاص .
ولعل النبي صلى الله عليه وسلم حين نعت لها الكرسف إنما هو مما أخذ عن العرب , وظاهر الأمر أنه كان معروفاَ عند حمنة وغيرها، لأنها أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا ينفع .
ولذلك علق ابن بطال على حديث مداواة فاطمة رضي الله عنها لجرح النبي صلى الله عليه وسلم برماد الحصير المحروق بقول المهلب وفيه، أن قطع الدم بالرماد من المعلوم القديم المعمول به .
فالظاهر بعد هذا، أنهم كانوا يتطببون في قطع دم الحيض وقد ينجح مع بعضهن و لا ينجح مع البعض الآخر وكذلك يظهر أن هذا الأمر ليس خاصاَ، بل أمر معروف لمن تتبعه في مصادره .
ولعل كلام الإمام أحمد رحمه الله " لا باس أن تشرب المرأة دواء يقطع الحيض إذا كان دواء معروفاَ " كما في كتب المذهب، يحمل على الاستحاضة لا على الدم المعتاد، وهذا هو الظن بأحمد رحمه الله، إذ عدم ورود الدليل المسوغ مع توافر الدواء لا يجعله يطلق قوله في جنس الحيض، أما الاستحاضة وقطعها فقد أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما تقتضيه عمومات الأدلة ومقاصد الشريعة .
وقد جاء في كتب الحنابلة ما يجوز قطعها مطلقاَ، ولا أدري هل هو منصوص أحمد أم قياساَ على قوله ؟ ومن له دراية في فقه أحمد لا بد أن يستبعد ذلك جدا في الحيض دون الاستحاضة .
واشترط بعضهم إذن الزوج، فعجباَ كيف تراعى حدود الزوج وحقوقه ولا تراعى حدود الله وحقوقه؟! . فتجدهم يقولون لا تصوم المرأة النافلة إلا بإذن زوجها كما هو مفاد الحديث، ولا يسألون هنا عن إذن الله هل هو راض عن هذا
الفعل أم لا ؟ كما قال الله تعالى . ( قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون) ،وقال ( شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) .
وفي زكاة الفطر لا يخرجون عن المنصوص إتباعاً، ولو قامت القرائن بجواز غير المنصوص، وهنا لا يتمسكون بالمنصوص وهو تحريم الصيام في الحيض، ومثله منصوص أحمد في أن الحامل إذا ماتت وفي بطنها حمل، أن بطنها لا يشق تمسكاَ بظاهر النص في عدم جواز كسر عظم الميت ويظهر أنه جمع مع ذلك أنه لم يفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن المصلحة ظاهرة في إنقاذ النفس التي من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاَ .
ولا يصح هنا أن يقال إن حقوق الله مبنية على المسامحة لأن هناك تغيير حالة لتغيير حكم، وهذا تعد نوضحه لاحقاً.
وكون المقتضى قائماَ وقت الصحابة وهو دم الحيض، وإرادة الخير، وتتبع البر متوافر والدواء الرافع معروف، كما بينا سابقا، فلماذا لم يسأل الصحابة عن ذلك ؟؟!
ولما وقع السؤال عن رفع الاستحاضة دون الحيض علم أن الأمر مستقر عندهم بعدم جواز رفع الحيض .
وهذا الفعل يشبه حال من إذا أراد أن يصلي أوقات النهي دخل إلى حجرته وصلى في الظلام ،لأنه لا يرى الشمس أو أنه لا يتحرى الترك في أيام الغيم .
وكون علامة الحيض التي هي الدم، ارتفعت، فهذا لا يعني أنه حقيقة ارتفع وإنما العلامة فحسب، كما أن القصة البيضاء هي علامة الطهر وليست هي الطهر نفسه، بدليل أنها لو رأت القصة البيضاء فإنها لا تتعبد حتى تغتسل إجماعاَ .
وتشبه النذور، فإنها مكروهة، وقال بعضهم، محرمة، وإن كان الإجماع منعقد على صحتها ولزوم الوفاء بها .
لكن الشارع لم يطلبها ابتداءً وإنما العبد هو من ألزم نفسه بها، وهذا وجه الكراهة فيها، فهي عبادة مكروهة كالصلاة في أوقات النهي التي اختلف العلماء في حصول الثواب بفعلها .
ولو كانت مستحبة - النذور- لفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه .
وهنا أيضاَ يقال: إن هذه المرأة ألزمت نفسها بوجوب الصيام في وقت حرمه الله عليها وشغلت ذمتها به دون أن يلزمها ربها به، فأقل الأحوال أن يكون فعلها مكروهاَ كما النذر .
ولو كان هذا مستحباَ لأرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم و لتتبعنه أمهات المؤمنين وسائر الصحابيات، ولأرشد الصحابة نساء الأمة إليه .
وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن إيجاب المؤمن على نفسه شيئاَ منهي عنه، . وقال ابن حزم في الأحكام " .. وإما أن يكون أوجب على نفسه ما لم يوجبه الله تعالى فهذا عظيم لا يحل .. إلى أن قال : ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) ولقد علمنا ضرورة أن الله تعالى إذا حرم بالنص شيئاَ فحرم إنسان شيئاً غير ذلك قياساَ على ما حرم الله تعالى أو أحل ما حرم الله قياساَ أو أوجب غير ما أوجب الله تعالى قياساَ، أو أسقط بعض ما أوجب الله تعالى قياساَ فقد تعدى حدود الله تعالى فهو ظالم بشهادة الله تعالى على ذلك " .
وبقطع النظرعن قوله في القياس لأنه مذهبه، فإنه جاء بالصور المحتملة وقد أجاد .
فإذا كان النذر مكروهاَ وليس فيه تغيير لحكم إنما هو ابتداء من براءة إلى واجب، فكيف بهذا الفعل وفيه تغيير حكم ليس من البراءة إلى الوجوب؟ بل من التحريم إلى الوجوب، لا شك أنه أكثر كراهة .
ومن تفعل هذا الفعل هي تشبه من يطلب المال ويكنزه حتى يحول عليه الحول ليقيم ركن الزكاة ولا نعلم أحدا من السلف فعل ذلك والفعل بهذه النية بدعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لو كان لي مثل أحد ذهباَ ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين " أخرجه البخاري .
أو كحال من يطلب المنكرات، ويتتبع عورات المسلمين، ليقيم شعيرة النهي عن المنكر، أو يطلب الابتلاء ليصبر أو عرض نفسه له ليصبر ويحتسب .
فكل هذه مبادرات لا يرضاها الله، بل هي من جنس البدع، والعبد لا يبادر بشيء يتقرب به إلى الله دون أن يأذن به الله .
ألا ترى أن المجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله لو أصابته جراحة قاتلة وتيقن أنه يهلك منها فأجهز على نفسه أنه ارتكب كبيرة عظيمة كما قال الله في الحديث القدسي " بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة " أخرجه البخاري .
قال ابن حجر في شرحه للحديث " وفيه الوقوف عند حقوق الله ورحمته بخلقه ". وقال في موضع آخر" الوقوف عند ما حد الشارع من عزيمة ورخصة واعتقاد أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف ".
أو من أوصى بأكثر من ثلث ماله، فإن الله لا يرضاه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الزيادة عن الثلث ومن خالف لا تنفذ وصيته وقد نقل النووي الإجماع على ذلك .
فإن من جاء يوم القيامة وقد أوصى بالثلث لا يخشى عليه من السؤال، أما من جاء وقد أوصى بأكثر من الثلث فإنه يخشى عليه من السؤال والإثم، لمخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وللتقريب نقول: هب أن أمرأتين توفيتا في رمضان، إحداهن كانت حائضاَ تاركة للصيام فتوفيت على ذلك، والأخرى قد أخذت ما يرفع حيضها وتوفيت
وهي صائمة وقت الحيض المرفوع، فعلى من الخشية من السؤال يوم القيامة التي تركت امتثالاً، أم الأخرى التي لم تمتثل ؟
وقد قال الله تعالى ( ومن أحسن من الله حكماَ لقوم يوقنون )، وقال ( ومن أحسن ديناَ ممن أسلم وجهه لله وهو محسن )، ومن الأقرب لدخولها في قوله تعالى ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا )؟ !!
لا شك أنها الممتثلة، ولو كان فعل الثانية هو الأحسن والأكمل لأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته وبناته ونساء الصحابة ونساء أمته إليه .
وأخشى أن تدخل في قوله تعالى ( أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) ، قال ابن كثير: " لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأجير من وبيل عقابه ومن استحق غضب الله وألزم به فلا محيد له عنه ".
والدين الذي ارتضاه ويرضاه لنا سبحانه وتعالى هو الإسلام، والمجمع عليه فيه أن المرأة الحائض لا تصوم وأن صيامها حرام ، وأن اتباع ما يسخط الله وكراهة رضوانه محبط للأعمال كما أخبر سبحانه وتعالى .
فإن قيل إن المستمسك في جواز الأخذ هو أصل الإباحة كما قال صاحب مطالب أولى النهي : " ولها شربه لحصول حيض إذا الأصل الحل حتى يرد التحريم ، ولم يرد وتنقضي عدتها بشربها الدواء " . رد عليه أن قاعدة الأصل الإباحة معارضة بقاعدة أن الأصل الحظر، والأمر محل خلاف كبير بين العلماء، فلا يصح أن تكون مستمسكاَ، إضافة أن من العلماء من قال بالوقوف وهم جمهور المحدثين، بحيث لا يقولون إن الأصل الإباحة ولا أن الأصل الحظر، وذهب جماعة إلى التفريق والتفصيل فجعل الحظر في الدماء والفروج والأموال والإباحة فيما سواها .
وحيث لا إجماع على القاعدة فلا حجة في الاستدلال بها إلا أن يستدل بها داخل المذهب لمن يسلم بها .
وأيضاً فإن القاعدة لا تنطبق هنا، لأن ذمة المرأة الحائض منشغلة بعزيمة ترك الصيام ووجوب الفطر إجماعاَ وإن تنوعت العبارة فالإجماع منعقد على أن الحائض يحرم عليها الصيام وتحريم الصيام يقتضي وجوب الفطر، فيكون إجماعاَ، وقد نقله جمع من العلماء -أشرنا إلى بعضهم سابقاَ- .
وقد قررنا أن الترك طلب امتثال الاجتناب، فصار الترك فعلاَ، فيكون ترك الصيام فعل واجب، فذمتها منشغلة به وهي في عبادة تركية ، قال الرافعي في شرح الوجيز: " والفرق أن سقوط القضاء على الحائض ليس من باب الرخص والتحقيقات، بل هو عزيمة فإنها مكلفة بترك الصلاة " . وقال النووي " الحائض مكلفة بترك الصلاة لا طريق لها إلى فعلها ولو وجدت الطهور ". وقال أيضاَ : " سقوط قضاء الصلاة عن الحائض عزيمة لأنها مكلفة بترك الصلاة فإذا تركتها فقد امتثلت ما أمرت به من الترك فلم تكلف بالقضاء ". فكيف يصح أن يقال إن الأصل الإباحة في مثل هذه الحال، إذ لا بد من دليل يخرجها من هذا الواجب ولا دليل ، فالكلام مباح ولكن إذا دخل في الصلاة حرم عليه لأن ترك الكلام في الصلاة واجب، وحلق الشعر مباح لكن إذا تلبس بالإحرام حرم، بل تقليم الأظافر والطيب والنكاح من المستحبات ولكن إذا أحرم حرم عليه ذلك، لأن الترك هنا عبادة والذمة منشغلة به حتى يحل .
وأيضاَ فإن للوسائل حكم المقاصد وهنا ملحظ مهم ، قال ابن القيم في إعلام الموقعين : " لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها، والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها ، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها فوسيلة المقصود تابعة للمقصود ، وكلاهما مقصود لكنه مقصود قصد الغايات ، وهي
مقصودة قصد الوسائل فإذا حرم الرب تعالى شيئاَ وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له ومنعا أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاَ للتحريم ، وإغراء للنفوس به وحكمته تعالى يأبى ذلك كل الإباء " .
وهنا يقال إن الصيام حرام بالإجماع، وأخذ هذا الدواء وسيلة للتخلص من هذا التحريم واستباحة للعبادة ، وهذه الوسيلة ليست مما أباحه الله أو أمر بها كما أمر بالوضوء أو الغسل لاستباحة الصلاة ولو كانت هذه الوسيلة مباحة لأفضت إلى نقص التحريم الذي هو شرع الله .
وأخذ هذا الدواء لا يكون مجرداَ عن النية، بل يؤخذ، والنية التوصل لاستباحة العبادة، وهذه النية هي المؤثرة والمبطلة لاستخدام قاعدة الأصل الإباحة .
وأيضاَ فإن هذه الطهارة طهارة مغتصبة وليست الطهارة التي قدرها الله كما قدر الحيض ، قال الله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ...) الآية . فهذه الطهارة هي التي علقت عليها الأحكام، أما التي تأتي بعد أخذ ما يقطع أو يمنع فهي قبل أوانها بفعل لا دليل على إباحته، وأصول الشريعة تأباه والقاعدة الفقهية تقول " أن من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه " .
ألا ترى أن الخمر إذا تخللت بنفسها كانت طاهرة، أي بدون فعل من أحد، وإذا طهرت بفعل أحد كإلقاء شيء فيها أو تحريكها من ظل إلى شمس لم تطهر. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه صعد المنبر فقال : لا يحل خل خمر أفسدت، حتى يكون الله تعالى هوالذي تولى إفسادها .
وقد أخذ بن قدامة من قول عمر على المنبر إجماع الصحابة على ذلك ، فعجبا كيف يراعى ذلك في الخمر ولا يراعى في المرأة الحائض، فيفرق بين طهارتها بفعل الله وطهارتها بفعل نفسها .
إذن قاعدة " الأصل الإباحة حتى يثبت التحريم "لا يصح استخدامها هنا لم عرفت، و بقي أن نعرف حقيقة ما نقل عن الإمام أحمد في جواز أخذ ما يقطع الحيض .
فقد جاء في كتاب مسائل الإمام أحمد وإسحق بن راهويه لإسحاق بن منصور ما نصه قال :" قلت : المرأة تشرب دواء يقطع الدم عنها ؟ قال : إذا كان دواء يعرف لا بأس به " .
هذا هو المنقول عن أحمد والقرائن تبين مراده من جوابه .
المعروف عن الإمام أحمد شدة ورعه وكثرة تحفظه وتحرزه في العلم، وكان يقول لبعض أصحابه : " إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام ". وكان شديد الكراهة والتحذيرمن الفتيا في مسألة ليس فيها أثر من السلف وعنهم .
ونحن لم نجد أحداً من السلف سبق أحمد في هذه الفتوى، بعد البحث فيما أعلم، فكيف يقول هو بها ؟ أيخالف ما كان يوصي به ؟ هذا بعيد!! لكن النظر الصحيح يجعلنا نأخذ الفتوى في سياقها فقد قال أحمد بذلك في معرض سؤاله عن الاستحاضة كما يظهر من ترتيبها بين ما طرح عليه من أسئلة .
لقد غيّر نقلة المذهب كلمة " الدم " إلى كلمة " الحيض " ولكنهم أيضاً أدرجوها ضمن مسائل الاستحاضة ونظائرها من السلس أو من حدثه دائم، كما فعل بن قدامة في كتبه وابن مفلح في الفروع، وصاحب الإنصاف وغيرها من كتب المذهب ، فإدراج المسألة مع مسائل الاستحاضة يجعلنا نحمل كلامه على دم الاستحاضة .
وتعبير الإمام أحمد بالدم هو من باب إطلاق العام وإرادة الخاص ، وهو موجود في القرآن والسنة وكلام العرب كما بينه الشافعي وعده من الدلالة الظاهرة ، فقال " اللغة تسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة وتسمى بالإسم الواحد المعاني
الكثيرة ". وقال أيضاً " كتاب الله ينزل عاما يراد به الخاص وخاصاَ يراد به العام ... وقامت السنة مع كتاب الله هذا المقام " .
وإطلاق العام على الخاص أمر جائز في لغة العرب له شواهد كثيرة من الكتاب والسنة ، بل وجدت صور أطلق فيها العام وأريد بعض الخاص والعكس .
فالدم عام والحيض خاص والاستحاضة بعض الخاص ، وقد جاء القرآن باسم الحيض وهو الخارج المعتاد بأصل الخلقة في أوانه، فبقي أن الدم ألصق بالاستحاضة، وقد جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها " أن امرأة تراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. " أخرجه أحمد وأبو داوود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وسنده صحيح .فإن كان جاء في كلام أحمد لفظ الحيض "بدل " "الدم " فيما لم أطلع عليه فهذا لا يعني ضعف ما نقول لأن الحيض والاستحاضة يشتركان في الحقيقة ويفترقان في الصفة، وقد ذكرنا سابقاَ حديث حمنة رضي الله عنها وقولها إني استحاض حيضة كبيرة شديدة مع أنه يصح أن تقول إني أستحاض استحاضة . كما قال الله تعالى ( استكبروا استكبارا ) ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها عندما حاضت في سرف : " أنفست " أخرجه البخاري في الصحيح . ودم النفاس أبعد عن الحيض من دم الاستحاضة، ومع ذلك تجوز عليه الصلاة والسلام على ما هو معروف من لغة العرب وهو أفصح الناس .
وقد بوب عليه البخاري بقوله باب من سمى النفاس حيضاَ والحيض نفاساَ .
إذن، كلام أحمد محتمل، ومع ما ذكرنا من القرائن سابقاَ نزيد فنقول: إنه سئل عن شرب دواء يقطع الدم والدواء لا يشرب إلا لداء، والحيض المعتاد ليس داء بل ضده، أما الاستحاضة فعرق ومرض كما دلت السنة عليه، وبه ترد الأمة إن شريت وظهر فيها وقد أخفاه البائع لأنه عيب ومرض .
فالدواء يقابل الداء كما جاء في الحديث الصحيح المشهور " ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له شفاء" أخرجه البخاري، وفي بعض الروايات عند النسائي وغيره " إلا وأنزل له دواء " وعند مسلم " لكل داء دواء " فالدواء يقابل الداء والداء هو الإستحاضة ولا أظن منصف يرد هذا .
ولو كان الحيض مرضاَ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابيات ونساءه بالتداوي منه. خصوصاَ أن الحيض يمنع الصحابيات من الصلاة خلفه وحضور مواعظه صلى الله عليه وسلم في مسجده ،أما الاستحاضة فعرق ومرض ولذلك أقر بعض أزواجه في الاعتكاف في المسجد وإن كان الطست يوضع تحتها وهي تصلي كما جاء في الصحيح فهو عذر يلحقها بالطاهرات حكماَ ، ومع هذا لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ دواء أو الذهاب إلى من يطببها أو استدعاه لها، وإنما أرشد حمنة لأنها أتت تشتكي منه، والظاهر أن مشورته لها بالكرسف ليست لازمة لها وإنما اللازم عليها ما يتعلق بعبادتها، ولو كان مرضاً لسن لنساء أمته التعوذ منه فقد استعاذ من الجنون والجذام والبرص والصمم والبكم وغيره وهو لا يصيب إلا بعض الأمة، أما الحيض فهو يصيب أكثر من نصف أمته، وتأمل أنه لم يرشد نساءه إليه قبل الحج مع احتمال وروده عليهن وحبسهن له عن السفر .
فالأظهر بعد هذا، أن يحمل كلام أحمد على المستحاضة، فإنها هي التي يجوز لها شرب ما يقطع دمها وبهذا ينتظم الأمر مع حديث حمنة ومع سؤال ابن عمر وعطاء وابن أبي نجيح .
وليس هذا غريباَ فإن صالح بن أحمد نقل عن أبيه أن المستحاضة لا تطوف بالبيت إلا إن تطاول بها الدم ، قال أبو حفص العكبري " لعلها غلط من الراوي، فإن الصحيح عن أحمد أن المستحاضة بمنزلة الطاهرة تطوف بالبيت " ذكر ذلك ابن رجب في فتح الباري ، فالعكبري وضع احتمال غلط الراوي بناء على ما يعرفه من مذهب أحمد في المستحاضة ، ونحوه قول أحمد في
الجارية : " تصوم إذا حاضت، فإن جهدها الصوم فلتفطر ولتقض " قال ابن قدامة : " يعني إذا حاضت وهي صغيرة لم تبلغ خمس عشر سنة " فتأمل كيف تعامل ابن قدامة مع فتوى أحمد وكيف وجهها لتوافق أصوله .
ليس هذا كل ما يمكن قوله في هذه المسألة، بل قد يقال إن فعل ذلك هو من باب تغيير خلق الله والذي لا يأمر به إلا الشيطان ، قال الله تعالى : ( وقال لأتخذن من عبادك نصيباَ مفروضا ، ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله .. ) الآية .
قال القرطبي: قال أبو جعفر الطبري في حديث ابن مسعود المرفوع " لعن الله الواشمة والمستوشمة " دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء من خلقها الذي خلقها الله عليه بزيادة أو نقصان، إلتماس الحسن لزوج وغيره ونص على أنه لا يجوز لها إزالة سن زائدة، أو تقطع سن طويل تقطع طرفه، وكذا لا يجوز لها حلق لحية أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها لأن ذلك تغيير لخلق الله ، وزاد عياض أنه لا يجوز له قطع إصبع زائدة أو عضو زائد ولا نزعه لأنه من تغيير خلق الله " وقال الماوردي : " إن خضاب اللحية من تغيير خلق الله " .
فإذا كان حلق لحية نبتت لامرأة يعد عند بعضهم من تغيير خلق الله مع ثبوت الضرر وسوء المنظر وربما تعطل نكاحها، فلا شك أن أخذ هذا المانع أو الرافع هو من تغيير خلق الله . ولا يقال إنه ليس قطعاً أو منعاً كلياَ، لأن نمص شعر الحاجب ليس قطعاً كلياً فهو يعود وينبت، بل هو أسرع من عود الحيض ومع ذلك عد نمص شعرة منه من تغيير خلق الله ، أضف إلى ذلك أن أخذ الدواء مع كونه تغيير لخلق الله يترتب عليه تغيير لشرع الله .
ومما سبق يظهر أن هذا الفعل لا يصح تسميته مباحاَ ولا مكروهاَ، وليس رخصة ولا عزيمة، ولا مخرجاً فقهياَ، وإنما هو أمر آخر يظهر بما يلي :
قال الشاطبي في الموافقات :
" التحيل بوجه سائغ مشروع في الظاهر أو غير سائغ على إسقاط حكم أو قلبه إلى حكم آخر ، بحيث لا يسقط أو لا ينقلب إلا مع تلك الواسطة فتفعل ليتوصل بها إلى ذلك الغرض المقصود مع العلم بكونها لم تشرع له فكأن التحيل مشتمل على مقدمتين : إحداهما : قلب أحكام الأفعال بعضها إلى بعض في ظاهر الأمر، والأخرى جعل الأفعال المقصودة بها في الشرع معان وسائل إلى قلب تلك الأحكام .. فإذا تسبب المكلف في إسقاط ذلك الوجوب عن نفسه أو في إباحة ذلك المحرم عليه بوجه من وجوه التسبب حتى يصير ذلك الواجب غير واجب في الظاهر ، أو المحرم حلالاَ في الظاهر أيضاً .فهذا التسبب يسمى حيلة وتحيلاًَ .. وعلى الجملة فهو تحيل على قلب الأحكام الثابتة شرعاَ إلى أحكام أخرى بفعل صحيح الظاهر لغو في الباطن كانت الأحكام من خطاب التكليف أو من خطاب الوضع ".
ومن الأمثلة التي ذكرها الشاطبي ومن سبقه من العلماء شرب دواء مسبت بعد دخول وقت الصلاة ليخرج وقتها وهو فاقد لعقله كالمغمى عليه أو سافر في رمضان بغرض الفطر ، أو وهب ماله لابنه الصغير قبل حلول حول الزكاة فرارا منها ، أو إتلاف مال الحج بعد استقرار الوجوب عليه تهرباَ منه ، أو فرق بين مجتمع، أو جمع بين متفرق لأجل تقليل الزكاة، أو إرضاع المرأة لضرتها الصغيرة لتحرم على الزوج ، أو تعجل في التفرق ليلزم البيع ويفوت على صاحبه الخيار ، أو أكل بصلا وثوما بغرض التخلف عن الجماعة ، أو نفر الصيد من الحرم ليصيده في الحل أو أمر غير المحرم بصيده له ، أو نكح امرأة ليحلها لآخر ، أو تحايل على الربا ببيع العينة فيشتري مؤجلاَ ويبيع لنفس البائع حاضرًا بسعر أقل.
وصوره بالمئات والجامع بينها أن الظاهر سائغ ولكن المفسد هي النية قال ابن القيم: " لا ريب أن من تدبر القرآن والسنة ومقاصد الشارع جزم بتحريم الحيل
وبطلانها فإن القرآن دل على أن المقاصد والنيات معتبرة في التصرفات والعادات كما هي معتبرة في القربات والعبادات " .
وقال أيضاَ: " إن الشريعة قابلت أصحاب الحيل بنقيض مقاصدهم وسد عليهم الطرق الموصلة إليها ، ونص أيضاَ في أكثر من موضع أنه ينقض على صاحبها مقصوده "، وقال صاحب المغني: " والحيل كلها محرمة لا تجوز في شيء من الدين وهي أن يظهر اعتقاداً مباحاَ يريد به محرماً مخادعة وتوصلاًَ إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب أو دفع حق " ، وقال ابن القيم : " استباحة الحيل يبطل المحرمات ابتداءً " إذ لا فائدة من التحريم إذا فتحت الحيل لتجاوزه .
وتوضيحاً لكونها حيلة، نقول: إن صيام الحائض حرام وفطرها واجب بالإجماع ، ولكي تستبيح المرأة الصيام فإنها تأخذ دواء يقطع الحيض والغرض استباحة الصيام المحرم ، وأخذ الدواء من حيث الأصل مباح ، لكنه هنا لا يؤخذ استشفاءً، بل بقصد ونية استباحة الصيام ، فتكون أسقطت عن نفسها واجباَ هو الفطر وأباحت لنفسها محرماً وهو الصيام ، وأقرب ما لهذه الصورة سفر الصائم بغرض الفطر، فإن السفر مباح بالإجماع، وإباحته أظهر من إباحة الدواء ولكن نية الفطر جعلت السفر محرماَ، ولا يسوغ له الفطر، بعكس لو كان بحاجة فإنه يستحب له الفطر .
وهي صورة مقلوبة للحائض، فمن السهل تصور الحيل التي يسعى فيها المكلف للتخلص من التكليف من تلك الصور التي يوجب على نفسه فيها التكليف، والحقيقة أنهما سواء إذ كلاهما تغيير من حكم إلى آخر .
فإن قيل أخذ الدواء لرفع أو منع الحيض فيه مصلحة وهي أنها تصوم مع المسلمين، وذلك أيسر عليها من القضاء لوحدها ، فيقال كذلك المسافر بغرض الفطر فإن الأيسر له أن يصومها متفرقة قضاء وفي أوقات معتدلة الطول والحر والبرد فهنا مصلحة أيضاً .
فتأمل وقارن هذه الحالة بصور التحايل، فستجدها نظيرة لتلك الحالات من كل وجه ، بل هي أعظم من جهة أنها غلو ، والغلو من جنس البدع، وهي ضارة بالشريعة لا المكلف فحسب، وهي تضر بها أكثر من ضررها على المكلف ، وقد جاءت الشريعة بسد أبواب الغلو في كل شيء حتى في الدين .
ولكي يظهر الفرق جلياَ، فلو أن امرأة أخذت دواء يجلب الدم لتفطر رمضان لكانت الفتوى تحريم فعلها ولظهور أنه تحايل ، ولكن إذا أخذت الدواء لمنع الحيض ومن ثم الصيام فهذا لا بأس به .
ووالله إن المسألة واحدة ولا فرق بين الحالتين، خصوصاَ أنهم يقولون أن الأصل الإباحة حتى يرد التحريم ، لكن للأسف التعاطف مع الغالي ظاهر مع أن الأمر أقبح إذ الغلو باب عظيم من أبواب البدع المفسدة للشرائع .
والتفريق هنا محض تحكم بالهوى، وإلا فالحالين تغيير للأحكام، فالأولى جعلت الواجب حراما بأخذ الدواء والأخرى جعلت الحرام واجبا بأخذ الدواء . والإجماع منعقد بأن تحليل ما حرم الله كتحريم ما أحل الله , وقد غفل المجيزون من الحنابلة أن من أصول الإمام أحمد رحمه الله الفقهية تحريم الحيل، فهو يرى أن الحيل كلها باطلة لا يجوز فعلها ولا يبر بها ، قال أبو داوود سمعت أحمد -وقد ذكر أهل الحيل- فقال: " يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ونقل عن أحمد قوله: " لا نرى شيئا من الحيل " والمنقول عنه في هذا كثير وكان شديداَ في سدها .
وعلى هذا الأصل كان الحنابلة أكثر من ألفّوا في الحيل وقرروا بطلانها فقد ألف في بطلانها ابن بطة العكبري، وشيخ الإسلام ابن تيميه وابن قيم الجوزية في مباحث من كتبه كثيرة كإغاثة اللهفان وإعلام الموقعين، وقد أطال في هذا كثيراَ، وكذلك موفق الدين في المغني كثيراَ ما يشير إلى بطلانها تنصيصاَ . وللقاضي شريك بن عبد الله كتاب في إبطال الحيل .
ويأتي بعدهم المالكية فقد صنفوا في إبطال الحيل مصنفات مشهورة ، قال ابن بطة: " وأصل الحيلة في شريعة الإسلام خديعة، والخديعة نفاق، والنفاق عند الله عز وجل أعظم من صراح الكفر" . وهذا الأصل عند الإمام أحمد يقوي توجيهنا لما نقل عنه أنه يريد دم الاستحاضة لا دم الحيض .
فالواجب على المرأة أن تتيقن أنها حين تفطر وهي حائض إنما تفعل عبادة تركية، حيث امتثلت أمر الله باجتناب الصيام ولا تتحايل لفعله إذ هذا ليس من تمام الإيمان والاستسلام لشرع الله ، وإن ترك الصيام فعل واجب وهو من جنس المأمور . وهي مثابة على هذا الترك، وأن الطاعة فيه تساوي الطاعة بامتثال الصيام حيث لا مانع لأن الآمر واحد وهو العليم الحكيم ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) وتركها الصيام تعبداً محضا كما نص عليه ابن حجر في فتح الباري .
ولتعلم كما أنه من تمام الحج ترك الرفث والفسوق، ومن تمام الصيام ترك قول الزور والعمل به، وأنها تؤجر على ذلك كما ثبت في السنة، فكذلك هنا تؤجر وتثاب والله أرحم أن يكتب عليها شيء ثم يأمرها بعدم الصيام من أجله ولا يثيبها لهذا الامتثال وهو أرحم الراحمين .
كيف، وقد ثبت في السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن في بضع أحدكم صدقة " قالوا : يا رسول الله أيقضي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر قال: " أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ قالوا : نعم : قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " أخرجه مسلم .
بل ليس بعيداَ أنه لو جامع في رمضان ناسياَ حقيقة، أن يقع له أجر وضعها في حلال ويكون صومه تاما .
ألا ترى أن الصائم لو أكل وشرب ناسياً لم يضره ذلك، وقد ثبت عند الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: " من أكل أو شرب ناسياَ فلا يفطر فإنما هو رزق
رزقه الله " وعند أحمد: "فليتم صومه فإن الله عز وجل أطعمه وسقاه " فكما أنها لو صامت ( وهي حائض ) لأثمت فكذلك إذا تركت أجرت ، فيا له من رب رحيم .
ولتتيقن أن ترك الصيام، وهي حائض، أفضل لدينها من التحايل لفعله، لأنه إذا وجد المبيح للفطر كالسفر والمرض، فالفطر أولى وهو المستحب، فكيف إذا وجد الموجب للفطر وهو الحيض ؟!
فقد صح عند أبي داوود من حديث حمزة الأسلمي أنه قال : يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر - يعني شهر رمضان - وأنا أجد قوة وأنا شاب وأجد بأن الصوم يا رسول الله أهون علي من أن أوخره فيكون ديناَ ، أفأ صوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر؟ قال : " أي ذلك شئت يا حمزة ". الله أكبر فلتتأمل المرأة أنه لما جاء المبيح للفطر وهو السفر . لم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المرجحات وهو كونه شاباَ مطيقاَ قوياَ والصيام أهون عليه من القضاء وكذلك اعتقاده بأنه أعظم لأجره . وساوى بين الأمرين ولم يقل إذا صمت لما ذكرت فهو أفضل لك ، هذا وهو مجرد مبيح وهو السفر ، فكيف بوجود الموجب للفطر وهو الحيض المانع من الصيام ، إذن، لا تقبل دعوى المرأة بأنه أهون عليها ولا أنها تطيقه وأن الحيض لا يرهقها ولا أنه أعظم لأجرها مع وجود الموجب .
وهذا الحديث لمن فقه نص في عدم جواز أخذ المرأة لذلك الدواء المانع أو الرافع، وأن الأسلم للدين والأعظم للأجر أنها لا تتحايل لفعله .
وما أعظم فقه عبد الرحمن بن عوف، وابن عمر، وأبي هريرة، رضي الله عنهم حين أفتوا أن من صام في السفر فعليه القضاء في الحضر لقوله تعالى( فعدة من أيام أخر ) مع شدة حاجة الإنسان للسفر .
وما أقبح حال المرأة التي أراد الله بها الأيسر وأن لا يجمع عليها ضعفين، ثم أرادت هي لنفسها الأعسر ، ومن أشد القبح أن تضر بنفسها في مكان حرم الله فيه إضرارها بنفسها، وإن كان الإضرار بالنفس محرماً على كل حال، لكنه هنا أشد، فهي كالذي يتقصد الوقوف في الشمس وقت الصيام طلباَ لعظم الأجر ، مع أن حال هذا أخف عند التأمل .
ولتعلم أنها إذا أخذت ذلك الدواء فإنها تقع في سوئين الأول ترك واجب مأمورة به وهو الفطر، وفعل محرم منهي عنه وهو الصيام، وإن لم يكن ذلك مباشرة بل تحايلاَ .
نظير ذلك من صام يوم العيد، فقد صام في وقت الصيام فيه محرم، ولم يفطر في وقت الفطر فيه واجب .
ولتعلم أن من رحمة الله تعالى أن من هم بحسنة ولم يعملها كتبها له عنده حسنة كاملة، ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبها له عنده حسنة كاملة كما ثبت في الصحيحين .
ونية المرأة الصيام لو لم يكن مانع مأجورة عليها ولو ماتت أثناء ذلك كتب لها أجر الصائمة كما ثبت في الأحاديث الكثيرة .
فترك المأمور بتركه هو كفعل المأمور بفعله ، والتلازم بينهما ظاهر في معظم الصور والحالات، ويظهر هذا بالتتبع .
والمسلمة تامة الإستسلام لشرع الله وقافة عند حدوده، منقادة لأمره، وإنما التحايل صنيع غيرها، خصوصاَ اليهود أمة الحيل والتحايل ، وقد نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو عبد الله بن بطة بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ".
وقد ثبت في السنة أن اليهود إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت ، ومع هذا الضرر الكبير الذي يلحق كلاًَ من المرأة والرجل والأبناء إلا أن اليهود لم يتحايلوا في هذا الأمر ولم يتكلفوا منعه ولا قطعه، وهم أمة الحيل، فما بال المسلمات يصنعن ذلك ويتحايلن عليه .
وما أفقه عائشة رضي الله عنها حين سألتها امرأة -كما في الصحيحين- : أتقتضي الصلاة أيام محيضها ؟ فقالت عائشة :" أحرورية أنت، قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " .
وهذا زجر من عائشة رضي الله عنها شديد، إذ الحرورية فرقة غالية وهم أصل الخوارج .
مع أن هذه المرأة سألت مجرد سؤال، ولم تفعل، وكذا هي سألت عن جنس الصلاة الذي هو أعظم من جنس الصيام، ثم هي لم تصنع شيئاَ يعد تحايلاً، والقضاء هنا أسهل، لأنه لا مانع منه، سواء أنه غلو وخلاف ما كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عد بعض الشافعية سقوط القضاء عن الحائض والنفساء عزيمة وليس رخصة كما في الأشباه والنظائر للسيوطي .
وما تصنعه الآخذة للدواء أعظم من صنيع هذه المرأة، إذ أنها متحايلة وتصنع ما لم يصنعه النساء على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم , وهو أظهر في الغلو من مجرد القضاء .
وأيضاَ الآخذة للدواء تجعل جنس الصيام أعظم من جنس الصلاة، فهي تأخذه بنية الصيام، ثم تفعل الصلاة تبعاً وهذا يفتح باباَ آخر وهو إذا جاز أخذه من أجل الصيام فلم لا يجوز أخذه لأجل الصلاة في غير رمضان، والمتقرر أن جنس
الصلاة أعظم من جنس الصيام، قال ابن حزم : " الصلاة أعظم حرمة من الصوم" .
والأحاديث في تكفير تاركها أظهر وأشهر من أن تذكر بينما لم يرد حديث واحد في تكفير تارك الصيام، ولو كانت عائشة رضي الله عنها ترى جواز شرب هذا الدواء لأرشدت هذه السائلة إليه، حيث إنه أهون عليها من القضاء لاحقاَ .
وجاء في الصحيح أن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة، فلما بلغ ابنة زيد بن ثابت أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر ، قالت : " ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن " قال ابن بطال: " عابت عليهن ذلك لما فيه من الحرج والتنطع " .
فإذا كان مثل ذلك يعاب لأن النساء لم يصنعنه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أفلا يعاب صنيع النساء اللاتي يأخذن دواء لمنع أو رفع حيضهن مع العلم أن النساء لم يكن يصنعنه زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، أليس ذلك تنطعاَ وغلواَ .
فإذا تعبدت الصحابيات بالترك أفلا يتعبد من جاء بعدهن بالترك .
وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه عندما رأى أناسا يسبحون الله ويحمدونه كذا وكذا بين المغرب والعشاء أنه قال : " والله لقد جئتم ببدعة ظلماً أو قد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقال : لئن اتبعتم القوم لقد سبقوكم سبقاَ مبيناَ، ولئن جزتم يميناَ أو شمالاً لقد ضللتم ضلالاَ بعيدا " .
وقال حذيفة رضي الله عنه : " عبادة لم يتعبد بها أصحاب محمد فلا تتعبدوا بها " . وقال الشافعي : " من استحسن فقد شرع " وليس لمن فعل هذا غير أنه مستحسن .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد " وفي رواية " من عمل عملاَ ليس عليه أمرنا فهو رد " . وأخيراً أقول إنه يخشى على من فعلت هذا من البدعة وكل القرائن تدل على أنه كذلك . ومن ثم يخشى عليها الإثم والوزر ، كما يخشى أنه لايجزؤها صيامها ولا يقبل منها وأنه يجب عليها القضاء ولو صامت في هذا الطهر المستعار ، ولا تغتر بأنها ليست ضارة لجسدها، إذ الإضرار بالنفس محرم على كل حال سواء أرادت الصيام أم لا، وإنما فعلها هذا ضار بدينها .

والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ،،،
وكتبه : سعود بن محمد الخالدي
0
11K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️