نور المسلمة
نور المسلمة
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
جزاك الله كل خير على هذا المجهود الذي بدلته في تفسيراول سورة الكهف وفقك الله و جعله في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.
اللهم ارزق اختي wed الثبات في الدنيا و الاخرة و ارزقها جنة الفردوس.
واصلي و كان الله في عونك.
أسيرة الجمال
أسيرة الجمال
ماشاء الله تبارك الله جعله الله في ميزان حسناتك يوم القيامة

وجزاك الله خيرا على حسن عملك وترتيبك في ذكر الموضوع

ما شاء الله عنك

:27: :27:
*wed*
*wed*
اهلا وسهلا

نور واسيرة

اسعدتموني بتواجدكم واثابكم الله ايضا ولكم باذن الله مثل اجري على تشجيعكم انتما والاخوات السابقات

مع اعتذاري عن التاخير كان المفروض اطرح المقطع الثاني هذا الاسبوع لكن انشغلت

فسامحوني
*wed*
*wed*
*wed* *wed* :
فوائد في قصة اصحاب الكهف: 1- التوكل على الله حق التوكل والثقة به سبحانه وتعالى والذي تجلى في أبهى صوره حين ترك الفتية جميع ملذات الدنيا وفروا بدينهم طالبين بذلك العون والرضى والرشاد من الله تعالى 2- عَظم شأن من أدرك شبابه في طاعة الله يقول الشيخ الشعراوي: والشباب هم معقد الآمال في حمل الأعباء والنهوض بكل أمر صعب، وهؤلاء شباب مؤمن وقفوا يحملون راية عقيدتهم وإيمانهم أمام جبروت الكفر وطغيان الشرك، فالفتاء فيهم فتاء إيمان وعقيدة. لذلك لجأوا إلى الكهف مخلفين وراءهم أموالهم وأهلهم وكل ما يملكون، وفروا بدينهم إلى هذا المكان الضيق الخالي من أي مقوم من مقومات الحياة؛ لأنهم لا يشغلون أنفسهم بهذه المقومات، بل يعلمون أن لهم رباً سيتولى أمرهم؛ لذلك ضرعوا إليه قائلين: {ربنا آتنا من لدنك رحمة .. "10"} أي: رحمة من عندك، أنت ترحم بها ما نحن فيه من انقطاع عن كل مقومات الحياة، فالرحمة في فجوة الجبل لن تكون من البشر، الرحمن هنا لا تكون إلا من الله: {وهيئ لنا من أمرنا رشداً .. "10"} أي: يسر لنا طريقاً سديداً للخير وللحق. إن هؤلاء الفتية المؤمنين حينما ألجأهم الكفر إلى ضيق الكهف تضرعوا واتجهوا إلى ربهم، فهو وحده القادر على أن يوسع عليهم هذا الضيق. 3- ضبط النفس من صفات المؤمن التقي وهذا ماتجلى في قوله تعالى (وربطنا على قلوبهم) لتظل بداخلها العقيدة والإيمان بالله لا تتزعزع ولا تخرجها الأحداث والشدائد، وهذا من زيادة الهدى الذي أخبرت به الآية السابقة. وقوله تعالى: (إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض .. "14"} قاموا: القيام هنا دليل على مواجهتهم للباطل ووقوفهم في وجهه، وأن الباطل أفزعهم فهبوا للتصدي له بقولهم: {رب السماوات والأرض .. "14"} ولابد أنهم سمعوا كلاماً يناقض قولهم، وتعرضوا في دعوتهم للحرب والاضطهاد، فالآية تعطي صورة لفريقين: فريق الكفر الذي ينكر وجود الله أو يشرك به، وفريق الإيمان الذي يعلنها مدوية: {ربنا رب السماوات والأرض .. "14"} وإن كان فريق الكفر يدعو إلى عبادة آلهة من دون الله فإن فريق الإيمان يقول: {لن ندعو من دون إلهاً "14"} فإن ادعينا إلهاً من دون الله {لقد قلنا إذاً شططاً "14"} أي: فقد تجاوزنا الحد، وبعدنا عن الصواب. ثم يقول الحق سبحانه ومن هنا نأمر الغاضب الذي تغلي الدماء في عروقه بالهدوء وضبط النفس؛ لأن الهدوء سيعينه على الحق، ويلجم جماح غضبه الذي لا تحمد عقباه، ألا ترى التوجيه النبوي في حال الغضب؟ إنه ينصح بتغيير الوضع الذي أنت عليه؛ لأن هذه العملية تحدث لديك نزوعية، تصرف عنك الغضب 4- تقرير عظِم الشرك ووصفه بالظلم : {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً "15"}فأفظع الظلم وأقبحه أن نفتري على الله الكذب، كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم } 5-توضيح مفهوم الهداية والضلال {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً "17"} فقضية الهداية والإضلال قائمة من قديم، ولا تزال ذيول هذه المعركة موجودة إلى الآن، فهناك دائماً من يقول: إذا كان الله هو الهادي والمضل، فلماذا يعذبني إن ضللت؟ وشاع هذا السؤال وأخذه المستشرقون والفلاسفة، ويراد منه إيجاد مبرر للنفس العاصية غير الملتزمة، ونقول لكل مجادل: لماذا قصرت الاعتراض على مسألة الضر والعذاب إن ضللت؟ ولماذا لم تذكر الثواب إن أحسنت وآمنت؟ إن اقتصارك على الأولى دون الثانية دليل على أن الهداية التي جاءت لك هي مكسب تركته وأخذت المسألة التي فيها ضرر، ولا يقول ذلك إلا المسرفون على أنفسهم. والهداية نوعان: هداية دلالة، وهي للجميع، للمؤمن والكافر؛ لأن الحق سبحانه لم يدل المؤمن فقط، بل يدل المؤمن والكافر على الإيمان به، فمن يقبل على الإيمان به، فإن الحق تبارك وتعالى يجد فيه أهلاً للمعونة، فيأخذ بيده ويعينه، ويجعل الإيمان خفيفاً على قلبه، ويعطي له طاقة لفعل الخير، ويشرح له صدره وييسر له أمره. فمن شاء الحق سبحانه هدايته أعطاه الهداية، ومن شاء له الضلال زاده ضلالاً، وقد بين أن من شاء هدايته يهتدي، وهذه معونة من الله، والكافر لا يهتدي، وكذلك الظالم والفاسق، لأنه سبحانه قد ترك كل واحد منهم لاختياره، وهكذا يمنع الحق سبحانه عنهم هداية المعونة 6- الإيمان بالبعث: قوله: (بعثناهم) أي: أيقظناهم من نومهم؛ لأن نومهم الطويل الذي استغرق ثلاثمائة سنة وتسعاً أشبه الموت، فقال (بعثناهم)، والبعث هنا لقضية خاصة بهم 7- الإيمان بقدرة الله تعالى المتجليه في نومهم 309 سنوات دون تغير اجسادهم ودون فناءها: فلم يجدوا في ذواتهم شيئاً يدل على مرور زمن طويل، حيث وجدوا أنفسهم على الحال التي ناموا عليها، فلم يتغير مثلاً حالهم من الشباب إلى الشيخوخة، ولم يتغير شعرهم مثلاً إلى البياض؛ لذلك قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولو وجدوا أنفسهم شيباً لقدروا الزمن المناسب لهذا الشيب. وهذه وقفة المشدوه حين يسأل عن زمن لا يدري مدته، إنه طويل عند الله إنما قصير عنده، 8- ترك الحديث فيما لا ينفع والبحث فيما ينفع في قوله تعالى( قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ) وهو قول الجماعة الذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة، فقالوا لإخوانهم: دعونا من هذه القضية التي لا تفيد، واتركوا أمرها لله تعالى. ودائماً يأمرنا الحق سبحانه بأن ننقل الجدل من شيء لا ننتهي فيه إلى شيء، ونحوله للأمر المثمر النافع؛ لذلك قالوا: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا "19"} وايضا في الاية الكريمة: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحداً 9- البحث عن الكسب الحلال: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما أن الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطعام، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أطيبه وأطهره، وأبعده عن الحرام. 10_ أخذ الحيطة والحذر في الحفاظ على دينهم من الفتن : وكذلك لم يفتهم أن يكونوا على حذر من قومهم، فمن سيذهب منهم إلى هذه المهمة عليه أن يدخل المدينة خلسة، وأن يتلطف في الأمر حتى لا يشعر به أحد من القوم، ذلك لأنهم استيقظوا على الحالة التي ناموا عليها، ومازالوا على حذر من قومهم يظنون أنهم يتتبعونهم ويبحثون عنهم، ويسعون للقضاء عليهم. (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً ) وهذا احتياط منهم للدين، وحماية للعقيدة التي فروا بها. فإن يرجموكم فسينتصرون عليكم في الدنيا، إنما ستأخذون الآخرة، وإن ردوكم إلى دينهم، فلن تفلحوا في الدنيا ولا في الآخرة. 11- الرفعة والعزة لمن فر الى الله والتجاء به : في قوله تعالى : إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم .. "21"} حدث هذا التنازع من الجماعة الذين عثروا عليهم، ويبدو أنهم كانوا على مسحة من الدين، فأرادوا أن يحافظوا على هذه الآية الإلهية، ويصح أنهم بمجرد أن عثروا عليهم قضى أجلهم فماتوا. وهذه مسألة يجب أن يؤرخ لها، وأن تخلد؛ لذلك جعلوها مثلاً شروداً للعالم كله لتعرف قصة هؤلاء الفتية الذين ضحوا في سبيل عقيدتهم وفروا بدينهم من سعة الحياة إلى ضيق الكهف؛ ليكونوا مثلاً لكل أهل العقيدة، ودليلاً على أن الله تعالى ينصر أهله ويدافع عنهم ويخلد ذكراهم إلى قيام الساعة 12- تقديم مشيئة الله في الامور المستقبلية: تتجلى في هذه الآية رحمة الله بالمحبوب محمد صلى الله عليه وسلم فلم يرد سبحانه وتعالى أن يصدم رسوله بمسألة المخالفة هذه، بل أعطاه ما أراد، وأجابه إلى ما طلب من مسألة أهل الكهف، ثم في النهاية ذكره بهذه المخالفة في أسلوب وعظ رقيق وقد سبق أن ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم حينما سأله القوم عن هذه القصة قال: سأجيبكم غداً ولم يقل: إن شاء الله. فلم يعاجله الله تعالى بالعتاب، بل قضى له حاجته، ثم لفت نظره إلى أمر هذه المخالفة، وهذا من رحمة الله برسوله صلى الله عليه وسلم. (هذه النقطة أعجبتني جدا فانظروا لعظمة وشأن الرسول صلى الله عليه وسلم) 13- مراعاة الله للانسان لما يحدث له من نسيان: واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً "24") أي: على فرض أنك نسيت المشيئة ساعة البدء في الفعل، فعليك أن تعيدها ثانية لتتدارك ما حدث منك من نسيان في بداية الأمر. وقوله تعالى: {وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً .. "24"} أي: يهديني ويعينني، فلا أنسى أبداً، وأن يجعل ذكره لازمة من لوازمي في كل عمل من أعمالي فلا أبدأ عملاً إلا بقوله: إن شاء الله. 14- سعة وشمول علم الله تعالى: ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً"25") وهذه الآية تعطينا لقطة من المذكرة التفصيلية التي أعطاها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف، وهي تحدد عدد السنين التي قضاها الفتية في كهفهم بأنها ثلاثمائة سنة، وهذا هو عددها الفعلي بحساب الشمس. لذلك؛ فالحق سبحانه لم يقل ثلاثمائة وتسعاً، بل قال: {وازدادوا تسعاً "25"} (سورة الكهف) ولما سمع أهل الكتاب هذا القول اعترضوا وقالوا: نعرف ثلاثمائة سنة، ولكن لا نعرف التسعة؛ ذلك لأن حسابهم لهذه المدة كان حساباً شمسياً. ومعلوم أن الخالق سبحانه حينما خلق السماوات والأرض قسم الزمن تقسيماً فلكياً، فجل الشمس عنواناً لليوم، نعرفه بشروقها وغروبها، ولما كانت الشمس لا تدلنا على بداية الشهر جعل الخالق سبحانه الشهر مرتبطاً بالقمر الذي يظهر هلالاً في أول كل شهر فلو حسبت الثلاثمائة سنة هذه بالحساب القمري لوجدتها ثلاثمائة سنة وتسعاً، إذن: هي في حسابكم الشمسي ثلاثمائة سنة، وفي حسابنا القمري ثلاثمائة وتسعاً. ونعرف أن السنة الميلادية تزيد عن الهجرية بأحد عشر يوماً تقريباً في كل عام وهنا لفتة جميلة : نحن كمسلمين نلتزم بالتوقيت القمري (بالاهلة ) لماذا؟؟ ومن حكمة الخالق سبحانه أن ترتبط التوقيتات في الإسلام بالأهلة، ولك أن تتصور لو ارتبط الحج مثلاً بشهر واحد من التوقيت الشمسي في طقس واحد لا يتغير، فإن جاء الحج في الشتاء يظل هكذا في كل عام، وكم في هذا من مشقة على من لا يناسبهم الحج في فصل الشتاء. والأمر كذلك في الصيام. أما في التوقيت القمري فإن هذه العبادات تدور بمدار العام، فتأتي هذه العبادات مرة في الصيف، ومرة في الخريف، ومرة في الشتاء، ومرة في الربيع، فيؤدي كل إنسان هذه العبادة في الوقت الذي يناسبه 15-الأطمئنان لــعبادة الله تعالى وفي تصديق ماأنزل به حيث ذكر سبحانه: {ما لهم من دونه من وليٍ ولا يشرك في حكمه أحداً "26"} (سورة الكهف) كأن الحق سبحانه وتعالى يطمئن عباده بأن كلامه حق لا يتغير ولا يتبدل؛ لأنه سبحانه واحد أحد لا شريك له أنتهى باذن الله سنتطرق للمقاطع الثانية في الأسبوع القادم دعواتكن لي ود
فوائد في قصة اصحاب الكهف: 1- التوكل على الله حق التوكل والثقة به سبحانه وتعالى والذي تجلى...


وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا

أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا




تفسير القرطبي:


وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ

قِيلَ : هُوَ مِنْ تَمَام قِصَّة أَصْحَاب الْكَهْف ; أَيْ اِتَّبِعْ الْقُرْآن فَلَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِ اللَّه وَلَا خُلْف فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ قِصَّة أَصْحَاب الْكَهْف . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : لَا مُغَيِّر لِمَا أَوْعَدَ بِكَلِمَاتِهِ أَهْل مَعَاصِيه وَالْمُخَالِفِينَ لِكِتَابِهِ .

وَلَنْ تَجِدَ

أَنْتَ .

مِنْ دُونِهِ

إِنْ لَمْ تَتَّبِع الْقُرْآن وَخَالَفْته .

مُلْتَحَدًا

أَيْ مَلْجَأ وَقِيلَ مَوْئِلًا وَأَصْله الْمَيْل وَمَنْ لَجَأْت إِلَيْهِ فَقَدْ مِلْت إِلَيْهِ .




وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ

هَذَا مِثْل قَوْله : " وَلَا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ " فِي سُورَة " الْأَنْعَام " وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِ . وَقَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : جَاءَتْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عُيَيْنَة بْن حِصْن وَالْأَقْرَع بْن حَابِس فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه ; إِنَّك لَوْ جَلَسْت فِي صَدْر الْمَجْلِس وَنَحَّيْت عَنَّا هَؤُلَاءِ وَأَرْوَاح جِبَابهمْ - يَعْنُونَ سَلْمَان وَأَبَا ذَرّ وَفُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ , وَكَانَتْ عَلَيْهِمْ جِبَاب الصُّوف لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ غَيْرهَا - جَلَسْنَا إِلَيْك وَحَادَثْنَاك وَأَخَذْنَا عَنْك , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْك مِنْ كِتَاب رَبّك لَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِد مِنْ دُونه مُلْتَحَدًا . وَاصْبِرْ نَفْسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهه - حَتَّى بَلَغَ - إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا " . يَتَهَدَّدهُمْ بِالنَّارِ . فَقَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَمِسهُمْ حَتَّى إِذَا أَصَابَهُمْ فِي مُؤَخَّر الْمَسْجِد يَذْكُرُونَ اللَّه قَالَ : ( الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَمَرَنِي أَنْ أَصْبِر نَفْسِي مَعَ رِجَال مِنْ أُمَّتِي , مَعَكُمْ الْمَحْيَا وَمَعَكُمْ الْمَمَات ) . وَقَرَأَ نَصْر بْن عَاصِم وَمَالِك بْن دِينَار وَأَبُو عَبْد الرَّحْمَن " وَلَا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهمْ بِالْغُدْوَةِ وَالْعَشِيّ " وَحُجَّتهمْ أَنَّهَا فِي السَّوَاد بِالْوَاوِ . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَهَذَا لَا يَلْزَم لِكَتْبِهِمْ الْحَيَاة وَالصَّلَاة بِالْوَاوِ , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تَقُول الْغُدْوَة لِأَنَّهَا مَعْرُوفَة .

يُرِيدُونَ وَجْهَهُ

أَيْ طَاعَته .

وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ

وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن " وَلَا تَعُدَّ عَيْنَاك عَنْهُمْ " أَيْ لَا تَتَجَاوَز عَيْنَاك إِلَى غَيْرهمْ مِنْ أَبْنَاء الدُّنْيَا طَلَبًا لِزِينَتِهَا ; حَكَاهُ الْيَزِيدِيّ . وَقِيلَ : لَا تَحْتَقِرهُمْ عَيْنَاك ; كَمَا يُقَال فُلَان تَنْبُو عَنْهُ الْعَيْن ; أَيْ مُسْتَحْقَرًا . و " تُرِيد " فِعْل مُضَارِع فِي مَوْضِع الْحَال ; أَيْ لَا تَعْدُ عَيْنَاك مُرِيدًا ; : لَا تَعْدُ عَيْنَاك عَنْهُمْ ; لِأَنَّ " تَعْدُ " مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ . قِيلَ لَهُ : وَاَلَّذِي وَرَدَتْ بِهِ التِّلَاوَة مِنْ رَفْع الْعَيْنَيْنِ يَئُول إِلَى مَعْنَى النَّصْب فِيهَا , إِذَا كَانَ لَا تَعْدُ عَيْنَاك عَنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ لَا تَنْصَرِف عَيْنَاك عَنْهُمْ , وَمَعْنَى لَا تَنْصَرِف عَيْنَاك عَنْهُمْ لَا تَصْرِف عَيْنَيْك عَنْهُمْ ; فَالْفِعْل مُسْنَد إِلَى الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مُوَجَّه إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ " فَأَسْنَدَ الْإِعْجَاب إِلَى الْأَمْوَال , وَالْمَعْنَى : لَا تُعْجِبك يَا مُحَمَّد أَمْوَالهمْ . وَيَزِيدك وُضُوحًا قَوْل الزَّجَّاج : إِنَّ الْمَعْنَى لَا تَصْرِف بَصَرك عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَات وَالزِّينَة .

تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

أَيْ تَتَزَيَّن بِمُجَالَسَةِ هَؤُلَاءِ الرُّؤَسَاء الَّذِينَ اِقْتَرَحُوا إِبْعَاد الْفُقَرَاء مِنْ مَجْلِسك ; وَلَمْ يُرِدْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ , وَلَكِنَّ اللَّه نَهَاهُ عَنْ أَنْ يَفْعَلهُ , وَلَيْسَ هَذَا بِأَكْثَر مِنْ قَوْله " لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك " . وَإِنْ كَانَ اللَّه أَعَاذَهُ مِنْ الشِّرْك .

وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا

رَوَى جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبه عَنْ ذِكْرنَا " قَالَ : نَزَلَتْ فِي أُمَيَّة بْن خَلَف الْجُمَحِيّ , وَذَلِكَ أَنَّهُ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَمْر كَرِهَهُ مِنْ تَجَرُّد الْفُقَرَاء عَنْهُ وَتَقْرِيب صَنَادِيد أَهْل مَكَّة ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبه عَنْ ذِكْرنَا " يَعْنِي مَنْ خَتَمْنَا عَلَى قَلْبه عَنْ التَّوْحِيد . وَقِيلَ : نَزَلَتْ " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبه عَنْ ذِكْرنَا " فِي عُيَيْنَة بْن حِصْن الْفَزَارِيّ ; ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق , وَحَكَاهُ النَّحَّاس عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ . وَاَللَّه أَعْلَم .

وَاتَّبَعَ هَوَاهُ

يَعْنِي الشِّرْك .

وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا

قِيلَ هُوَ مِنْ التَّفْرِيط الَّذِي هُوَ التَّقْصِير وَتَقْدِيم الْعَجْز بِتَرْكِ الْإِيمَان . وَقِيلَ : مِنْ الْإِفْرَاط وَمُجَاوَزَة الْحَدّ , وَكَأَنَّ الْقَوْم قَالُوا : نَحْنُ أَشْرَاف مُضَر إِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ النَّاس ; وَكَانَ هَذَا مِنْ التَّكَبُّر وَالْإِفْرَاط فِي الْقَوْل . وَقِيلَ : " فُرُطًا " أَيْ قُدُمًا فِي الشَّرّ ; مِنْ قَوْلهمْ : فَرَطَ مِنْهُ أَمْر أَيْ سَبَقَ . وَقِيلَ : مَعْنَى " أَغْفَلْنَا قَلْبه " وَجَدْنَاهُ غَافِلًا ; كَمَا تَقُول : لَقِيت فُلَانًا فَأَحْمَدْته ; أَيْ وَجَدْته مَحْمُودًا . وَقَالَ عَمْرو بْن مَعْدِيكَرِبَ لِبَنِي الْحَارِث بْن كَعْب : وَاَللَّه لَقَدْ سَأَلْنَاكُمْ فَمَا أَبْخَلْنَاكُمْ , وَقَاتَلْنَاكُمْ فَمَا أَجَبْنَاكُمْ , وَهَاجَيْنَاكُمْ فَمَا أَفْحَمْنَاكُمْ ; أَيْ مَا وَجَدْنَاكُمْ بُخَلَاء وَلَا جُبَنَاء وَلَا مُفْحَمِينَ .



وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ

" الْحَقّ " رُفِعَ عَلَى خَبَر الِابْتِدَاء الْمُضْمَر ; أَيْ قُلْ هُوَ الْحَقّ . وَقِيلَ : هُوَ رَفْع عَلَى الِابْتِدَاء , وَخَبَره فِي قَوْله " مِنْ رَبّكُمْ " . وَمَعْنَى الْآيَة : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْفَلْنَا قُلُوبهمْ عَنْ ذِكْرنَا : أَيّهَا النَّاس مِنْ رَبّكُمْ الْحَقّ فَإِلَيْهِ التَّوْفِيق وَالْخِذْلَان , وَبِيَدِهِ الْهُدَى وَالضَّلَال , يَهْدِي مَنْ يَشَاء فَيُؤْمِن , وَيُضِلّ مَنْ يَشَاء فَيَكْفُر ; لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَاَللَّه يُؤْتِي الْحَقّ مَنْ يَشَاء وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا , وَيَحْرِمهُ مَنْ يَشَاء وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا غَنِيًّا , وَلَسْت بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ لِهَوَاكُمْ ; فَإِنْ شِئْتُمْ فَآمِنُوا , وَإِنْ شِئْتُمْ فَاكْفُرُوا . وَلَيْسَ هَذَا بِتَرْخِيصٍ وَتَخْيِير بَيْن الْإِيمَان وَالْكُفْر , وَإِنَّمَا هُوَ وَعِيد وَتَهْدِيد . أَيْ إِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمْ النَّار , وَإِنْ آمَنْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنَّة .

إِنَّا أَعْتَدْنَا

أَيْ أَعْدَدْنَا .

لِلظَّالِمِينَ

أَيْ لِلْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ .

نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا

قَالَ الْجَوْهَرِيّ : السُّرَادِق وَاحِد السُّرَادِقَات الَّتِي تُمَدّ فَوْق صَحْن الدَّار . وَكُلّ بَيْت مِنْ كُرْسُف فَهُوَ سُرَادِق . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : " سُرَادِقهَا " سُورهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : حَائِط مِنْ نَار . الْكَلْبِيّ : عُنُق تَخْرُج مِنْ النَّار فَتُحِيط بِالْكُفَّارِ كَالْحَظِيرَةِ . الْقُتَبِيّ : السُّرَادِق الْحُجْزَة الَّتِي تَكُون حَوْل الْفُسْطَاط . وَقَالَهُ اِبْن عَزِيز . وَقِيلَ : هُوَ دُخَان يُحِيط بِالْكُفَّارِ يَوْم الْقِيَامَة , وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي سُورَة " وَالْمُرْسَلَات " . حَيْثُ يَقُول : " اِنْطَلِقُوا إِلَى ظِلّ ذِي ثَلَاث شُعَب " وَقَوْله : " وَظِلّ مِنْ يَحْمُوم " قَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْبَحْر الْمُحِيط بِالدُّنْيَا . وَرَوَى يَعْلَى بْن أُمَيَّة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَحْر هُوَ جَهَنَّم - ثُمَّ تَلَا - نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا - ثُمَّ قَالَ - وَاَللَّه لَا أَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دُمْت حَيًّا وَلَا يُصِيبنِي مِنْهَا قَطْرَة ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَخَرَّجَ اِبْن الْمُبَارَك مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لِسُرَادِقِ النَّار أَرْبَع جُدُر كُثُف كُلّ جِدَار مَسِيرَة أَرْبَعِينَ سَنَة )

قُلْت : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ السُّرَادِق مَا يَعْلُو الْكُفَّار مِنْ دُخَان أَوْ نَار , وَجُدُره مَا وُصِفَ .

وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُهْل مَاء غَلِيظ مِثْل دُرْدِيّ الزَّيْت . مُجَاهِد : الْقَيْح وَالدَّم . الضَّحَّاك : مَاء أَسْوَد , وَإِنَّ جَهَنَّم لَسَوْدَاء , وَمَاؤُهَا أَسْوَد وَشَجَرهَا أَسْوَد وَأَهْلهَا سُود . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : هُوَ كُلّ مَا أُذِيبَ مِنْ جَوَاهِر الْأَرْض مِنْ حَدِيد وَرَصَاص وَنُحَاس وَقَزْدِير , فَتَمُوج بِالْغَلَيَانِ , فَذَلِكَ الْمُهْل . وَنَحْوه عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ الَّذِي قَدْ اِنْتَهَى حَرّه . وَقَالَ : الْمُهْل ضَرْب مِنْ الْقَطْرَانِ ; يُقَال : مَهَلْت الْبَعِير فَهُوَ مَمْهُول . وَقِيلَ : هُوَ السُّمّ . وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِب . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله " كَالْمُهْلِ " . وَخَرَّجَ عَنْ أَبِي أُمَامَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : " وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد يَتَجَرَّعهُ " قَالَ : ( يُقَرَّب إِلَى فِيهِ فَكَرِهَهُ فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهه وَوَقَعَتْ فَرْوَة رَأْسه وَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُج مِنْ دُبُره . يَقُول اللَّه تَعَالَى " وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ " يَقُول " وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوه بِئْسَ الشَّرَاب وَسَاءَتْ مُرْتَفِقًا " قَالَ : حَدِيث غَرِيب .

قُلْت : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة تِلْكَ الْأَقْوَال , وَأَنَّهَا مُرَادَة , وَاَللَّه أَعْلَم . وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهَا أَهْل اللُّغَة . فِي الصِّحَاح " الْمُهْل " النُّحَاس الْمُذَاب . اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الْمُهْل الْمُذَاب مِنْ الرَّصَاص . وَقَالَ أَبُو عَمْرو . الْمُهْل دُرْدِيّ الزَّيْت . وَالْمُهْل أَيْضًا الْقَيْح وَالصَّدِيد . وَفِي حَدِيث أَبِي بَكْر : اِدْفِنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ وَالتُّرَاب .

بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا

قَالَ مُجَاهِد : مَعْنَاهُ مُجْتَمَعًا , كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى مَعْنَى الْمُرَافَقَة . اِبْن عَبَّاس : مَنْزِلًا . عَطَاء : مُقِرًّا . وَقِيلَ مِهَادًا . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : مَجْلِسًا , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب ; وَأَصْله مِنْ الْمُتَّكَأ , يُقَال مِنْهُ : اِرْتَفَقْت أَيْ اِتَّكَأْت عَلَى الْمَرْفِق .




إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا

لَمَّا ذَكَرَ مَا أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ مِنْ الْهَوَان ذَكَرَ أَيْضًا مَا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الثَّوَاب . وَفِي الْكَلَام إِضْمَار ; أَيْ لَا نُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ مِنْهُمْ عَمَلًا , فَأَمَّا مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ فَعَمَله مُحْبَط . وَرَوَى الْبَرَاء بْن عَازِب أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَامَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِف بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَته الْعَضْبَاء فَقَالَ : إِنِّي رَجُل مُسْلِم فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذِهِ الْآيَة " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " الْآيَة ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَنْتَ مِنْهُمْ بِبَعِيدٍ وَلَا هُمْ بِبَعِيدٍ مِنْك هُمْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ فَأَعْلِمْ قَوْمَك أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِمْ ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ , وَأَسْنَدَهُ النَّحَّاس فِي كِتَاب مَعَانِي الْقُرْآن , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن سَهْل قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن الضَّرِيس عَنْ زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : قَامَ أَعْرَابِيّ . .. ; فَذَكَرَهُ . وَأَسْنَدَهُ السُّهَيْلِيّ فِي كِتَاب الْأَعْلَام . وَقَدْ رُوِّينَا جَمِيع ذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ , وَالْحَمْد لِلَّهِ . و " عَمَلًا " نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيز , وَإِنْ شِئْت بِإِيقَاعِ " أَحْسَنَ " عَلَيْهِ . وَقِيلَ : " إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا " كَلَام مُعْتَرِض , وَالْخَبَر قَوْله " أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّات عَدْن " .



أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ

سُرَّة الْجَنَّة , أَيْ وَسَطهَا وَسَائِر الْجَنَّات مُحْدِقَة بِهَا وَذُكِرَتْ بِلَفْظِ الْجَمْع لِسَعَتهَا ; لِأَنَّ كُلّ بُقْعَة مِنْهَا تَصْلُح أَنْ تَكُون جَنَّة وَقِيلَ : الْعَدْن الْإِقَامَة , وَمِنْهُ " جَنَّات عَدْن " أَيْ جَنَّات إِقَامَة وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَعْدِن ( بِكَسْرِ الدَّال ) ; لِأَنَّ النَّاس يُقِيمُونَ فِيهِ بِالصَّيْفِ وَالشِّتَاء وَمَرْكَز كُلّ شَيْء مَعْدِنه وَالْعَادِن : النَّاقَة الْمُقِيمَة فِي الْمَرْعَى . وَعَدْن بَلَد ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ .

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ

أَيْ مِنْ تَحْت أَشْجَارهمْ وَمَنَازِلهمْ ; وَمِنْهُ قَوْله فِرْعَوْن : " وَهَذِهِ الْأَنْهَار تَجْرِي مِنْ تَحْتِي " .

يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ

وَهُوَ جَمْع سِوَار . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : عَلَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ ثَلَاثَة أَسْوِرَة : وَاحِد مِنْ ذَهَب , وَوَاحِد مِنْ وَرِق , وَوَاحِد مِنْ لُؤْلُؤ .

قُلْت : هَذَا مَنْصُوص فِي الْقُرْآن , قَالَ هُنَا " مِنْ ذَهَب " وَقَالَ فِي الْحَجّ وَفَاطِر " مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤًا " وَفِي الْإِنْسَان " مِنْ فِضَّة " . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : سَمِعْت خَلِيلِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( تَبْلُغ الْحِلْيَة مِنْ الْمُؤْمِن حَيْثُ يَبْلُغ الْوُضُوء ) خَرَّجَهُ مُسْلِم .

وَهُوَ الَّذِي يُلْبَس فِي الذِّرَاع مِنْ ذَهَب , فَإِنْ كَانَ مِنْ فِضَّة فَهُوَ قُلْب وَجَمْعه قَلِبَة ; فَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْن أَوْ عَاج فَهِيَ مَسْكَة وَجَمْعه مَسَك .

قُلْت : قَدْ جَاءَ فِي الصِّحَاح وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : وَاحِدهَا إِسْوَار . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : لَمَّا كَانَتْ الْمُلُوك تَلْبَس فِي الدُّنْيَا الْأَسَاوِر وَالتِّيجَان جَعَلَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ لِأَهْلِ الْجَنَّة .

وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ

السُّنْدُس : الرَّقِيق النَّحِيف , وَاحِده سُنْدُسَة . وَالْإِسْتَبْرَق : مَا ثَخُنَ مِنْهُ - عَنْ عِكْرِمَة - وَهُوَ الْحَرِير . وَتَصْغِيره أُبَيْرَق . وَقِيلَ : هُوَ اِسْتَفْعَلَ مِنْ الْبَرِيق . وَالصَّحِيح أَنَّهُ وِفَاق بَيْن اللُّغَتَيْنِ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْقُرْآن مَا لَيْسَ مِنْ لُغَة الْعَرَب , عَلَى مَا تَقَدَّمَ , .

رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُل فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَخْبِرْنَا عَنْ ثِيَاب الْجَنَّة , أَخَلْق يُخْلَق أَمْ نَسْج يُنْسَج ؟ فَضَحِكَ بَعْض الْقَوْم . فَقَالَ لَهُمْ : ( مِمَّ تَضْحَكُونَ مِنْ جَاهِل يَسْأَل عَالِمًا ) فَجَلَسَ يَسِيرًا أَوْ قَلِيلًا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيْنَ السَّائِل عَنْ ثِيَاب الْجَنَّة ) ؟ فَقَالَ : هَا هُوَ ذَا يَا رَسُول اللَّه ; قَالَ ( لَا بَلْ تَشَّقَّق عَنْهَا ثَمَر الْجَنَّة ) قَالَهَا ثَلَاثًا . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : دَار الْمُؤْمِن دُرَّة مُجَوَّفَة فِي وَسَطهَا شَجَرَة تُنْبِت الْحُلَل وَيَأْخُذ بِأُصْبُعِهِ أَوْ قَالَ بِأُصْبُعَيْهِ سَبْعِينَ حُلَّة مُنَظَّمَة بِالدُّرِّ وَالْمَرْجَانِ . ذَكَرَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام فِي تَفْسِيره وَابْن الْمُبَارَك فِي رَقَائِقه . وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَاده فِي كِتَاب التَّذْكِرَة . وَذُكِرَ فِي الْحَدِيث أَنَّهُ يَكُون عَلَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ الْحُلَّة لَهَا وَجْهَانِ لِكُلِّ وَجْه لَوْن , يَتَكَلَّمَانِ بِهِ بِصَوْتٍ يَسْتَحْسِنهُ سَامِعه , يَقُول أَحَد الْوَجْهَيْنِ لِلْآخَرِ : أَنَا أَكْرَم عَلَى وَلِيّ اللَّه مِنْك , أَنَا أَلِي جَسَده وَأَنْتَ لَا تَلِي . وَيَقُول الْآخَر : أَنَا أَكْرَم عَلَى وَلِيّ اللَّه مِنْك , أَنَا أُبْصِر وَجْهه وَأَنْتَ لَا تُبْصِر .

مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ

" الْأَرَائِك " جَمْع أَرِيكَة , وَهِيَ السُّرَر فِي الْحِجَال . وَقِيلَ الْفُرُش فِي الْحِجَال ; قَالَهُ الزَّجَّاج . اِبْن عَبَّاس : هِيَ الْأَسِرَّة مِنْ ذَهَب , وَهِيَ مُكَلَّلَة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت عَلَيْهَا الْحِجَال , الْأَرِيكَة مَا بَيْن صَنْعَاء إِلَى أَيْلَة وَمَا بَيْن عَدَن إِلَى الْجَابِيَة . وَأَصْل مُتَّكِئِينَ مُوْتَكَئِينَ , وَكَذَلِكَ اِتَّكَأَ أَصْله اوْتَكَأَ , وَأَصْل التُّكَأَة وُكَأَة ; وَمِنْهُ التَّوَكُّؤ لِلتَّحَامُلِ عَلَى الشَّيْء , فَقُلِبَتْ الْوَاو تَاء وَأُدْغِمَتْ . وَرَجُل وُكَأَة كَثِير الِاتِّكَاء .

نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا

يَعْنِي الْجَنَّات , عَكْس " وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا " . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَلَوْ كَانَ " نِعْمَتْ " لَجَازَ لِأَنَّهُ اِسْم لِلْجَنَّةِ . وَعَلَى هَذَا " وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا " .



*wed*
*wed*
*wed* *wed* :
فوائد في قصة اصحاب الكهف: 1- التوكل على الله حق التوكل والثقة به سبحانه وتعالى والذي تجلى في أبهى صوره حين ترك الفتية جميع ملذات الدنيا وفروا بدينهم طالبين بذلك العون والرضى والرشاد من الله تعالى 2- عَظم شأن من أدرك شبابه في طاعة الله يقول الشيخ الشعراوي: والشباب هم معقد الآمال في حمل الأعباء والنهوض بكل أمر صعب، وهؤلاء شباب مؤمن وقفوا يحملون راية عقيدتهم وإيمانهم أمام جبروت الكفر وطغيان الشرك، فالفتاء فيهم فتاء إيمان وعقيدة. لذلك لجأوا إلى الكهف مخلفين وراءهم أموالهم وأهلهم وكل ما يملكون، وفروا بدينهم إلى هذا المكان الضيق الخالي من أي مقوم من مقومات الحياة؛ لأنهم لا يشغلون أنفسهم بهذه المقومات، بل يعلمون أن لهم رباً سيتولى أمرهم؛ لذلك ضرعوا إليه قائلين: {ربنا آتنا من لدنك رحمة .. "10"} أي: رحمة من عندك، أنت ترحم بها ما نحن فيه من انقطاع عن كل مقومات الحياة، فالرحمة في فجوة الجبل لن تكون من البشر، الرحمن هنا لا تكون إلا من الله: {وهيئ لنا من أمرنا رشداً .. "10"} أي: يسر لنا طريقاً سديداً للخير وللحق. إن هؤلاء الفتية المؤمنين حينما ألجأهم الكفر إلى ضيق الكهف تضرعوا واتجهوا إلى ربهم، فهو وحده القادر على أن يوسع عليهم هذا الضيق. 3- ضبط النفس من صفات المؤمن التقي وهذا ماتجلى في قوله تعالى (وربطنا على قلوبهم) لتظل بداخلها العقيدة والإيمان بالله لا تتزعزع ولا تخرجها الأحداث والشدائد، وهذا من زيادة الهدى الذي أخبرت به الآية السابقة. وقوله تعالى: (إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض .. "14"} قاموا: القيام هنا دليل على مواجهتهم للباطل ووقوفهم في وجهه، وأن الباطل أفزعهم فهبوا للتصدي له بقولهم: {رب السماوات والأرض .. "14"} ولابد أنهم سمعوا كلاماً يناقض قولهم، وتعرضوا في دعوتهم للحرب والاضطهاد، فالآية تعطي صورة لفريقين: فريق الكفر الذي ينكر وجود الله أو يشرك به، وفريق الإيمان الذي يعلنها مدوية: {ربنا رب السماوات والأرض .. "14"} وإن كان فريق الكفر يدعو إلى عبادة آلهة من دون الله فإن فريق الإيمان يقول: {لن ندعو من دون إلهاً "14"} فإن ادعينا إلهاً من دون الله {لقد قلنا إذاً شططاً "14"} أي: فقد تجاوزنا الحد، وبعدنا عن الصواب. ثم يقول الحق سبحانه ومن هنا نأمر الغاضب الذي تغلي الدماء في عروقه بالهدوء وضبط النفس؛ لأن الهدوء سيعينه على الحق، ويلجم جماح غضبه الذي لا تحمد عقباه، ألا ترى التوجيه النبوي في حال الغضب؟ إنه ينصح بتغيير الوضع الذي أنت عليه؛ لأن هذه العملية تحدث لديك نزوعية، تصرف عنك الغضب 4- تقرير عظِم الشرك ووصفه بالظلم : {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً "15"}فأفظع الظلم وأقبحه أن نفتري على الله الكذب، كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم } 5-توضيح مفهوم الهداية والضلال {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً "17"} فقضية الهداية والإضلال قائمة من قديم، ولا تزال ذيول هذه المعركة موجودة إلى الآن، فهناك دائماً من يقول: إذا كان الله هو الهادي والمضل، فلماذا يعذبني إن ضللت؟ وشاع هذا السؤال وأخذه المستشرقون والفلاسفة، ويراد منه إيجاد مبرر للنفس العاصية غير الملتزمة، ونقول لكل مجادل: لماذا قصرت الاعتراض على مسألة الضر والعذاب إن ضللت؟ ولماذا لم تذكر الثواب إن أحسنت وآمنت؟ إن اقتصارك على الأولى دون الثانية دليل على أن الهداية التي جاءت لك هي مكسب تركته وأخذت المسألة التي فيها ضرر، ولا يقول ذلك إلا المسرفون على أنفسهم. والهداية نوعان: هداية دلالة، وهي للجميع، للمؤمن والكافر؛ لأن الحق سبحانه لم يدل المؤمن فقط، بل يدل المؤمن والكافر على الإيمان به، فمن يقبل على الإيمان به، فإن الحق تبارك وتعالى يجد فيه أهلاً للمعونة، فيأخذ بيده ويعينه، ويجعل الإيمان خفيفاً على قلبه، ويعطي له طاقة لفعل الخير، ويشرح له صدره وييسر له أمره. فمن شاء الحق سبحانه هدايته أعطاه الهداية، ومن شاء له الضلال زاده ضلالاً، وقد بين أن من شاء هدايته يهتدي، وهذه معونة من الله، والكافر لا يهتدي، وكذلك الظالم والفاسق، لأنه سبحانه قد ترك كل واحد منهم لاختياره، وهكذا يمنع الحق سبحانه عنهم هداية المعونة 6- الإيمان بالبعث: قوله: (بعثناهم) أي: أيقظناهم من نومهم؛ لأن نومهم الطويل الذي استغرق ثلاثمائة سنة وتسعاً أشبه الموت، فقال (بعثناهم)، والبعث هنا لقضية خاصة بهم 7- الإيمان بقدرة الله تعالى المتجليه في نومهم 309 سنوات دون تغير اجسادهم ودون فناءها: فلم يجدوا في ذواتهم شيئاً يدل على مرور زمن طويل، حيث وجدوا أنفسهم على الحال التي ناموا عليها، فلم يتغير مثلاً حالهم من الشباب إلى الشيخوخة، ولم يتغير شعرهم مثلاً إلى البياض؛ لذلك قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولو وجدوا أنفسهم شيباً لقدروا الزمن المناسب لهذا الشيب. وهذه وقفة المشدوه حين يسأل عن زمن لا يدري مدته، إنه طويل عند الله إنما قصير عنده، 8- ترك الحديث فيما لا ينفع والبحث فيما ينفع في قوله تعالى( قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ) وهو قول الجماعة الذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة، فقالوا لإخوانهم: دعونا من هذه القضية التي لا تفيد، واتركوا أمرها لله تعالى. ودائماً يأمرنا الحق سبحانه بأن ننقل الجدل من شيء لا ننتهي فيه إلى شيء، ونحوله للأمر المثمر النافع؛ لذلك قالوا: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا "19"} وايضا في الاية الكريمة: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحداً 9- البحث عن الكسب الحلال: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما أن الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطعام، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أطيبه وأطهره، وأبعده عن الحرام. 10_ أخذ الحيطة والحذر في الحفاظ على دينهم من الفتن : وكذلك لم يفتهم أن يكونوا على حذر من قومهم، فمن سيذهب منهم إلى هذه المهمة عليه أن يدخل المدينة خلسة، وأن يتلطف في الأمر حتى لا يشعر به أحد من القوم، ذلك لأنهم استيقظوا على الحالة التي ناموا عليها، ومازالوا على حذر من قومهم يظنون أنهم يتتبعونهم ويبحثون عنهم، ويسعون للقضاء عليهم. (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً ) وهذا احتياط منهم للدين، وحماية للعقيدة التي فروا بها. فإن يرجموكم فسينتصرون عليكم في الدنيا، إنما ستأخذون الآخرة، وإن ردوكم إلى دينهم، فلن تفلحوا في الدنيا ولا في الآخرة. 11- الرفعة والعزة لمن فر الى الله والتجاء به : في قوله تعالى : إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم .. "21"} حدث هذا التنازع من الجماعة الذين عثروا عليهم، ويبدو أنهم كانوا على مسحة من الدين، فأرادوا أن يحافظوا على هذه الآية الإلهية، ويصح أنهم بمجرد أن عثروا عليهم قضى أجلهم فماتوا. وهذه مسألة يجب أن يؤرخ لها، وأن تخلد؛ لذلك جعلوها مثلاً شروداً للعالم كله لتعرف قصة هؤلاء الفتية الذين ضحوا في سبيل عقيدتهم وفروا بدينهم من سعة الحياة إلى ضيق الكهف؛ ليكونوا مثلاً لكل أهل العقيدة، ودليلاً على أن الله تعالى ينصر أهله ويدافع عنهم ويخلد ذكراهم إلى قيام الساعة 12- تقديم مشيئة الله في الامور المستقبلية: تتجلى في هذه الآية رحمة الله بالمحبوب محمد صلى الله عليه وسلم فلم يرد سبحانه وتعالى أن يصدم رسوله بمسألة المخالفة هذه، بل أعطاه ما أراد، وأجابه إلى ما طلب من مسألة أهل الكهف، ثم في النهاية ذكره بهذه المخالفة في أسلوب وعظ رقيق وقد سبق أن ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم حينما سأله القوم عن هذه القصة قال: سأجيبكم غداً ولم يقل: إن شاء الله. فلم يعاجله الله تعالى بالعتاب، بل قضى له حاجته، ثم لفت نظره إلى أمر هذه المخالفة، وهذا من رحمة الله برسوله صلى الله عليه وسلم. (هذه النقطة أعجبتني جدا فانظروا لعظمة وشأن الرسول صلى الله عليه وسلم) 13- مراعاة الله للانسان لما يحدث له من نسيان: واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً "24") أي: على فرض أنك نسيت المشيئة ساعة البدء في الفعل، فعليك أن تعيدها ثانية لتتدارك ما حدث منك من نسيان في بداية الأمر. وقوله تعالى: {وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً .. "24"} أي: يهديني ويعينني، فلا أنسى أبداً، وأن يجعل ذكره لازمة من لوازمي في كل عمل من أعمالي فلا أبدأ عملاً إلا بقوله: إن شاء الله. 14- سعة وشمول علم الله تعالى: ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً"25") وهذه الآية تعطينا لقطة من المذكرة التفصيلية التي أعطاها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف، وهي تحدد عدد السنين التي قضاها الفتية في كهفهم بأنها ثلاثمائة سنة، وهذا هو عددها الفعلي بحساب الشمس. لذلك؛ فالحق سبحانه لم يقل ثلاثمائة وتسعاً، بل قال: {وازدادوا تسعاً "25"} (سورة الكهف) ولما سمع أهل الكتاب هذا القول اعترضوا وقالوا: نعرف ثلاثمائة سنة، ولكن لا نعرف التسعة؛ ذلك لأن حسابهم لهذه المدة كان حساباً شمسياً. ومعلوم أن الخالق سبحانه حينما خلق السماوات والأرض قسم الزمن تقسيماً فلكياً، فجل الشمس عنواناً لليوم، نعرفه بشروقها وغروبها، ولما كانت الشمس لا تدلنا على بداية الشهر جعل الخالق سبحانه الشهر مرتبطاً بالقمر الذي يظهر هلالاً في أول كل شهر فلو حسبت الثلاثمائة سنة هذه بالحساب القمري لوجدتها ثلاثمائة سنة وتسعاً، إذن: هي في حسابكم الشمسي ثلاثمائة سنة، وفي حسابنا القمري ثلاثمائة وتسعاً. ونعرف أن السنة الميلادية تزيد عن الهجرية بأحد عشر يوماً تقريباً في كل عام وهنا لفتة جميلة : نحن كمسلمين نلتزم بالتوقيت القمري (بالاهلة ) لماذا؟؟ ومن حكمة الخالق سبحانه أن ترتبط التوقيتات في الإسلام بالأهلة، ولك أن تتصور لو ارتبط الحج مثلاً بشهر واحد من التوقيت الشمسي في طقس واحد لا يتغير، فإن جاء الحج في الشتاء يظل هكذا في كل عام، وكم في هذا من مشقة على من لا يناسبهم الحج في فصل الشتاء. والأمر كذلك في الصيام. أما في التوقيت القمري فإن هذه العبادات تدور بمدار العام، فتأتي هذه العبادات مرة في الصيف، ومرة في الخريف، ومرة في الشتاء، ومرة في الربيع، فيؤدي كل إنسان هذه العبادة في الوقت الذي يناسبه 15-الأطمئنان لــعبادة الله تعالى وفي تصديق ماأنزل به حيث ذكر سبحانه: {ما لهم من دونه من وليٍ ولا يشرك في حكمه أحداً "26"} (سورة الكهف) كأن الحق سبحانه وتعالى يطمئن عباده بأن كلامه حق لا يتغير ولا يتبدل؛ لأنه سبحانه واحد أحد لا شريك له أنتهى باذن الله سنتطرق للمقاطع الثانية في الأسبوع القادم دعواتكن لي ود
فوائد في قصة اصحاب الكهف: 1- التوكل على الله حق التوكل والثقة به سبحانه وتعالى والذي تجلى...


وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا

كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا

وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا

وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا

لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا

وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا

فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا

أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا

وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا

وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا

هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا




تفسير القرطبي:

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ

هَذَا مَثَل لِمَنْ يَتَعَزَّز بِالدُّنْيَا وَيَسْتَنْكِف عَنْ مُجَالَسَة الْمُؤْمِنِينَ , وَهُوَ مُتَّصِل بِقَوْلِهِ " وَاصْبِرْ نَفْسك " .

وَاخْتُلِفَ فِي اِسْم هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَتَعْيِينهمَا ; فَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي أَخَوَيْنِ مِنْ أَهْل مَكَّة مَخْزُومِيَّيْنِ , أَحَدهمَا مُؤْمِن وَهُوَ أَبُو سَلَمَة عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْأَسَد بْن هِلَال بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مَخْزُوم , زَوْج أُمّ سَلَمَة قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْآخَر كَافِر وَهُوَ الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد , وَهُمَا الْأَخَوَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي سُورَة " الصَّافَّات " فِي قَوْله " قَالَ قَائِل مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِين " , وَرِثَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا أَرْبَعَة آلَاف دِينَار , فَأَنْفَقَ أَحَدهمَا مَاله فِي سَبِيل اللَّه وَطَلَبَ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا فَقَالَ مَا قَالَ . .. ;

ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل مَكَّة . وَقِيلَ : هُوَ مَثَل لِجَمِيعِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَجَمِيع مَنْ كَفَرَ .

وَقِيلَ : هُوَ مَثَل لِعُيَيْنَة بْن حِصْن وَأَصْحَابه مَعَ سَلْمَان وَصُهَيْب وَأَصْحَابه ; شَبَّهَهُمْ اللَّه بِرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَخَوَيْنِ أَحَدهمَا مُؤْمِن وَاسْمه يَهُوذَا ; فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُقَاتِل : اِسْمه تمليخا . وَالْآخَر كَافِر وَاسْمه قرطوش . وَهُمَا اللَّذَانِ وَصَفَهُمَا اللَّه تَعَالَى فِي سُورَة الصَّافَّات .

وَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمُقْرِئ قَالَ : اِسْم الْخَيِّر مِنْهُمَا تمليخا , وَالْآخَر قرطوش , وَأَنَّهُمَا كَانَا شَرِيكَيْنِ ثُمَّ اِقْتَسَمَا الْمَال فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار , فَاشْتَرَى الْمُؤْمِن مِنْهُمَا عَبِيدًا بِأَلْفٍ وَأَعْتَقَهُمْ , وَبِالْأَلْفِ الثَّانِيَة ثِيَابًا فَكَسَا الْعُرَاة , وَبِالْأَلْفِ الثَّالِثَة طَعَامًا فَأَطْعَمَ الْجُوَّع , وَبَنَى أَيْضًا مَسَاجِد , وَفَعَلَ خَيْرًا .

وَأَمَّا الْآخَر فَنَكَحَ بِمَالِهِ نِسَاء ذَوَات يَسَار , وَاشْتَرَى دَوَابّ وَبَقَرًا فَاسْتَنْتَجَهَا فَنَمَتْ لَهُ نَمَاء مُفْرِطًا , وَاتَّجَرَ بِبَاقِيهَا فَرَبِحَ حَتَّى فَاقَ أَهْل زَمَانه غِنًى ; وَأَدْرَكَتْ الْأَوَّلَ الْحَاجَةُ , فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْدِم نَفْسه فِي جَنَّة يَخْدُمهَا فَقَالَ : لَوْ ذَهَبْت لِشَرِيكِي وَصَاحِبِي فَسَأَلْته أَنْ يَسْتَخْدِمنِي فِي بَعْض جَنَّاته رَجَوْت أَنْ يَكُون ذَلِكَ أَصْلَح بِي , فَجَاءَهُ فَلَمْ يَكَدْ يَصِل إِلَيْهِ مِنْ غِلَظ الْحُجَّاب , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَعَرَفَهُ وَسَأَلَهُ حَاجَته قَالَ لَهُ : أَلَمْ أَكُنْ قَاسَمْتُك الْمَال نِصْفَيْنِ فَمَا صَنَعْت بِمَالِك ؟ .

قَالَ : اِشْتَرَيْت بِهِ مِنْ اللَّه تَعَالَى مَا هُوَ خَيْر مِنْهُ وَأَبْقَى . فَقَالَ : أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ , مَا أَظُنّ السَّاعَة قَائِمَة وَمَا أَرَاك إِلَّا سَفِيهًا , وَمَا جَزَاؤُك عِنْدِي عَلَى سَفَاهَتك إِلَّا الْحِرْمَان , أَوَمَا تَرَى مَا صَنَعْت أَنَا بِمَالِي حَتَّى آلَ إِلَيَّ مَا تَرَاهُ مِنْ الثَّرْوَة وَحُسْن الْحَال , وَذَلِكَ أَنِّي كَسَبْت وَسَفِهْت أَنْتَ , اُخْرُجْ عَنِّي .

ثُمَّ كَانَ مِنْ قِصَّة هَذَا الْغَنِيّ مَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن مِنْ الْإِحَاطَة بِثَمَرِهِ وَذَهَابهَا أَصْلًا بِمَا أَرْسَلَ عَلَيْهَا مِنْ السَّمَاء مِنْ الْحُسْبَان .

وَقَدْ ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ هَذِهِ الْقِصَّة بِلَفْظٍ آخَر , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . قَالَ عَطَاء : كَانَا شَرِيكَيْنِ لَهُمَا ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار . وَقِيلَ : وَرِثَاهُ مِنْ أَبِيهِمَا وَكَانَا أَخَوَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا , فَاشْتَرَى أَحَدهمَا أَرْضًا بِأَلْفِ دِينَار , فَقَالَ صَاحِبه : اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا قَدْ اِشْتَرَى أَرْضًا بِأَلْفِ دِينَار وَإِنِّي اِشْتَرَيْت مِنْك أَرْضًا فِي الْجَنَّة بِأَلْفِ دِينَار فَتَصَدَّقَ بِهَا , ثُمَّ إِنَّ صَاحِبه بَنَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَار فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا بَنَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَار وَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْك دَارًا فِي الْجَنَّة بِأَلْفِ دِينَار , فَتَصَدَّقَ بِهَا , ثُمَّ تَزَوَّجَ اِمْرَأَة فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَلْف دِينَار , فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ اِمْرَأَة بِأَلْفِ دِينَار وَإِنِّي أَخْطُب إِلَيْك مِنْ نِسَاء الْجَنَّة بِأَلْفِ دِينَار , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَار . ثُمَّ اِشْتَرَى خَدَمًا وَمَتَاعًا بِأَلْفِ دِينَار , وَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْك خَدَمًا وَمَتَاعًا مِنْ الْجَنَّة بِأَلْفِ دِينَار , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَار . ثُمَّ أَصَابَتْهُ حَاجَة شَدِيدَة فَقَالَ : لَعَلَّ صَاحِبِي يَنَالنِي مَعْرُوفه فَأَتَاهُ فَقَالَ : مَا فَعَلَ مَالُك ؟ فَأَخْبَرَهُ قِصَّته فَقَالَ : وَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ بِهَذَا الْحَدِيث وَاَللَّه لَا أُعْطِيك شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَنْتَ تَعْبُد إِلَه السَّمَاء , وَأَنَا لَا أَعْبُد إِلَّا صَنَمًا ; فَقَالَ صَاحِبه : وَاَللَّه لَأَعِظَنَّهُ , فَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَخَوَّفَهُ . فَقَالَ : سِرْ بِنَا نَصْطَدْ السَّمَك , فَمَنْ صَادَ أَكْثَر فَهُوَ عَلَى حَقّ ; فَقَالَ لَهُ : يَا أَخِي إِنَّ الدُّنْيَا أَحْقَر عِنْد اللَّه مِنْ أَنْ يَجْعَلهَا ثَوَابًا لِمُحْسِنٍ أَوْ عِقَابًا لِكَافِرٍ . قَالَ : فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْخُرُوج مَعَهُ , فَابْتَلَاهُمَا اللَّه , فَجَعَلَ الْكَافِر يَرْمِي شَبَكَته وَيُسَمِّي بِاسْمِ صَنَمه , فَتَطْلُع مُتَدَفِّقَة سَمَكًا . وَجَعَلَ الْمُؤْمِن يَرْمِي شَبَكَته وَيُسَمِّي بِاسْمِ اللَّه فَلَا يَطْلُع لَهُ فِيهَا شَيْء ;

فَقَالَ لَهُ : كَيْفَ تَرَى أَنَا أَكْثَر مِنْك فِي الدُّنْيَا نَصِيبًا وَمَنْزِلَة وَنَفَرًا , كَذَلِكَ أَكُون أَفْضَل مِنْك فِي الْآخِرَة إِنْ كَانَ مَا تَقُول بِزَعْمِك حَقًّا . قَالَ : فَضَجَّ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِمَا , فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى جِبْرِيل أَنْ يَأْخُذهُ فَيَذْهَب بِهِ إِلَى الْجِنَان فَيُرِيه مَنَازِل الْمُؤْمِن فِيهَا , فَلَمَّا رَأَى مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُ قَالَ : وَعِزَّتك لَا يَضُرّهُ مَا نَالَهُ مِنْ الدُّنْيَا بَعْد مَا يَكُون مَصِيره إِلَى هَذَا ; وَأَرَاهُ مَنَازِل الْكَافِر فِي جَهَنَّم فَقَالَ : وَعِزَّتك لَا يَنْفَعهُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الدُّنْيَا بَعْد أَنْ يَكُون مَصِيره إِلَى هَذَا . ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى تَوَفَّى الْمُؤْمِن وَأَهْلَكَ الْكَافِر بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده , فَلَمَّا اِسْتَقَرَّ الْمُؤْمِن فِي الْجَنَّة وَرَأَى مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَصْحَابه يَتَسَاءَلُونَ , فَقَالَ : " إِنِّي كَانَ لِي قَرِين . يَقُول أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ " الْآيَة ; فَنَادَى مُنَادٍ : يَا أَهْل الْجَنَّة هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ إِلَى جَهَنَّم فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم ; فَنَزَلَتْ " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا " .

بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى حَال الْأَخَوَيْنِ فِي الدُّنْيَا فِي هَذِهِ السُّورَة , وَبَيَّنَ حَالهمَا فِي الْآخِرَة فِي سُورَة " الصَّافَّات " فِي قَوْله " إِنِّي كَانَ لِي قَرِين . يَقُول أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ - إِلَى قَوْله - لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ " . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَذَكَرَ إِبْرَاهِيم بْن الْقَاسِم الْكَاتِب فِي كِتَابه فِي عَجَائِب الْبِلَاد أَنَّ بُحَيْرَة تِنِّيس كَانَتْ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ , وَكَانَتَا لِأَخَوَيْنِ فَبَاعَ أَحَدهمَا نَصِيبه مِنْ الْآخَر فَأَنْفَقَ فِي طَاعَة اللَّه حَتَّى عَيَّرَهُ الْآخَر , وَجَرَتْ بَيْنهمَا الْمُحَاوَرَة فَغَرَّقَهَا اللَّه تَعَالَى فِي لَيْلَة , وَإِيَّاهَا عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّة , وَلَيْسَ بِخَبَرٍ عَنْ حَال مُتَقَدِّمَة , لِتَزْهَد فِي الدُّنْيَا وَتَرْغَب فِي الْآخِرَة , وَجَعَلَهُ زَجْرًا وَإِنْذَارًا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَسِيَاق الْآيَة يَدُلّ عَلَى خِلَاف هَذَا , وَاَللَّه أَعْلَم .

وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ

أَيْ أَطَفْنَاهُمَا مِنْ جَوَانِبهمَا بِنَخْلٍ . وَالْحِفَاف الْجَانِب , وَجَمْعه أَحِفَّة ; وَيُقَال : حَفَّ الْقَوْم بِفُلَانٍ يَحُفُّونَ حَفًّا , أَيْ طَافُوا بِهِ ; وَمِنْهُ " حَافِّينَ مِنْ حَوْل الْعَرْش " .

وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا

أَيْ جَعَلْنَا حَوْل الْأَعْنَاب النَّخْل , وَوَسَط الْأَعْنَاب الزَّرْع


****************
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا

"كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ" كِلْتَا مُفْرَد يَدُلّ عَلَى التَّثْنِيَة مُبْتَدَأ "آتَتْ" خَبَره "أُكُلهَا" ثَمَرهَا "وَلَمْ تَظْلِم" تَنْقُص "وَفَجَّرْنَا" أَيْ شَقَقْنَا "خِلَالهمَا نَهَرًا" يَجْرِي بَيْنهمَا

تفسير الجيلالين

*************
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ


قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَعَاصِم وَيَعْقُوب وَابْن أَبِي إِسْحَاق " ثَمَر " بِفَتْحِ الثَّاء وَالْمِيم , وَكَذَلِكَ قَوْله " وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ " جَمْع ثَمَرَة . قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ : الثَّمَرَة وَاحِدَة الثَّمَر وَالثَّمَرَات , وَجَمْع الثَّمَر ثِمَار ; مِثْل جَبَل وَجِبَال . قَالَ الْفَرَّاء : وَجَمْع الثِّمَار ثُمُر ; مِثْل كِتَاب وَكُتُب , وَجَمْع الثَّمَر أَثْمَار ; مِثْل أَعْنَاق وَعُنُق . وَالثَّمَر أَيْضًا الْمَال الْمُثَمَّر ; يُخَفَّف وَيُثَقَّل . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو " وَكَانَ لَهُ ثُمْر " بِضَمِّ الثَّاء وَإِسْكَان الْمِيم , وَفَسَّرَهُ بِأَنْوَاعِ الْمَال . وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا فِي الْحَرْفَيْنِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ذَهَب وَفِضَّة وَأَمْوَال . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْعَام " نَحْو هَذَا مُبَيَّنًا . ذَكَرَ النَّحَّاس : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن شُعَيْب قَالَ أَخْبَرَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْعَلَاء الزُّبَيْدِيّ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْب بْن إِسْحَاق قَالَ هَارُون قَالَ حَدَّثَنِي أَبَان عَنْ ثَعْلَب عَنْ الْأَعْمَش أَنَّ الْحَجَّاج قَالَ : لَوْ سَمِعْت أَحَدًا يَقْرَأ " وَكَانَ لَهُ ثُمُر " لَقَطَعْت لِسَانه ; فَقُلْت لِلْأَعْمَشِ : أَتَأْخُذُ بِذَلِكَ ؟ فَقَالَ : لَا ! وَلَا نِعْمَة عَيْن . فَكَانَ يَقْرَأ " ثُمُر " وَيَأْخُذهُ مِنْ جَمْع الثَّمَر . قَالَ النَّحَّاس : فَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ جَمْع ثَمَرَة عَلَى ثِمَار , ثُمَّ جَمْع ثِمَار عَلَى ثَمَر ; وَهُوَ حَسَن فِي الْعَرَبِيَّة إِلَّا أَنَّ الْقَوْل الْأَوَّل أَشْبَه وَاَللَّه أَعْلَم ; لِأَنَّ قَوْله " كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلهَا " يَدُلّ عَلَى أَنَّ لَهُ ثَمَرًا .

فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ

أَيْ يُرَاجِعهُ فِي الْكَلَام وَيُجَاوِبهُ . وَالْمُحَاوَرَة الْمُجَاوَبَة , وَالتَّحَاوُر التَّجَاوُب . وَيُقَال : كَلَّمْته فَمَا أَحَارَ إِلَيَّ جَوَابًا , وَمَا رَجَعَ إِلَيَّ حَوِيرًا وَلَا حَوِيرَة وَلَا مَحُورَة وَلَا حِوَارًا ; أَيْ مَا رَدَّ جَوَابًا .

أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا

النَّفَر : الرَّهْط وَهُوَ مَا دُون الْعَشَرَة . وَأَرَادَ هَاهُنَا الْأَتْبَاع وَالْخَدَم وَالْوَلَد , حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه .


*************

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ

قِيلَ : أَخَذَ بِيَدِ أَخِيهِ الْمُؤْمِن يُطِيف بِهِ فِيهَا وَيُرِيه إِيَّاهَا .

وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ

أَيْ بِكُفْرِهِ , وَهُوَ جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال . وَمَنْ أَدْخَلَ نَفْسه النَّار بِكُفْرِهِ فَهُوَ ظَالِم لِنَفْسِهِ .

قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا

أَنْكَرَ فَنَاء الدَّار .

******************

وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً

أَيْ لَا أَحْسِب الْبَعْث كَائِنًا .

وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي

أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْث فَكَمَا أَعْطَانِي هَذِهِ النِّعَم فِي الدُّنْيَا فَسَيُعْطِينِي أَفْضَل مِنْهُ لِكَرَامَتِي عَلَيْهِ ;

لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَمَّا دَعَاهُ أَخُوهُ إِلَى الْإِيمَان بِالْحَشْرِ وَالنَّشْر . وَفِي مَصَاحِف مَكَّة وَالْمَدِينَة وَالشَّام " مِنْهُمَا " . وَفِي مَصَاحِف أَهْل الْبَصْرَة وَالْكُوفَة " مِنْهَا " عَلَى التَّوْحِيد , وَالتَّثْنِيَة أَوْلَى ; لِأَنَّ الضَّمِير أَقْرَب إِلَى الْجَنَّتَيْنِ .


**************

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ

يَهُوذَا أَوْ تمليخا ; عَلَى الْخِلَاف فِي اِسْمه .

أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا

وَعَظَهُ وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَا اِعْتَرَفَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يُنْكِرهَا أَحَد أَبْدَع مِنْ الْإِعَادَة . و " سَوَّاك رَجُلًا " أَيْ جَعَلَك مُعْتَدِل الْقَامَة وَالْخَلْق , صَحِيح الْأَعْضَاء ذَكَرًا .

*********************

لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي

كَذَا قَرَأَهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة . وَرُوِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ " لَكِنَّ هُوَ اللَّه " بِمَعْنَى لَكِنَّ الْأَمْر هُوَ اللَّه رَبِّي , فَأَضْمَرَ اِسْمهَا فِيهَا . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " لَكِنَّا " بِإِثْبَاتِ الْأَلِف . قَالَ الْكِسَائِيّ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير , تَقْدِيره : لَكِنَّ اللَّه هُوَ رَبِّي أَنَا , فَحُذِفَتْ الْهَمْزَة مِنْ " أَنَا " طَلَبًا لِلْخِفَّةِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال وَأُدْغِمَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَحُذِفَتْ أَلِف " أَنَا " فِي الْوَصْل وَأُثْبِتَتْ فِي الْوَقْف . وَقَالَ النَّحَّاس : مَذْهَب الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَالْمَازِنِيّ أَنَّ الْأَصْل لَكِنَّ أَنَا فَأُلْقِيَتْ حَرَكَة الْهَمْزَة عَلَى نُون لَكِنَّ وَحُذِفَتْ الْهَمْزَة وَأُدْغِمَتْ النُّون فِي النُّون فَالْوَقْف عَلَيْهَا لَكِنَّا وَهِيَ أَلِف أَنَا لِبَيَانِ الْحَرَكَة . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْأَصْل لَكِنَّ أَنَا , فَحُذِفَتْ الْأَلِف فَالْتَقَتْ نُونَانِ فَجَاءَ بِالتَّشْدِيدِ لِذَلِكَ ," هُوَ اللَّه رَبِّي " " هُوَ " ضَمِير الْقِصَّة وَالشَّأْن وَالْأَمْر ; كَقَوْلِهِ " فَإِذَا هِيَ شَاخِصَة أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا " وَقَوْله : " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " .

وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا

دَلَّ مَفْهُومه عَلَى أَنَّ الْأَخ الْآخَر كَانَ مُشْرِكًا بِاَللَّهِ تَعَالَى يَعْبُد غَيْره . وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ لَا أَرَى الْغِنَى وَالْفَقْر إِلَّا مِنْهُ , وَأعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْلُب صَاحِب الدُّنْيَا دُنْيَاهُ قَدَرَ عَلَيْهِ ; وَهُوَ الَّذِي آتَانِي الْفَقْر . وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ جُحُودك الْبَعْث مَصِيره إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَقْدِر عَلَيْهِ , وَهُوَ تَعْجِيز الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَمَنْ عَجَّزَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ ; فَهُوَ إِشْرَاك .

*****************

وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ

أَيْ بِالْقَلْبِ , وَهُوَ تَوْبِيخ وَوَصِيَّة مِنْ الْمُؤْمِن لِلْكَافِرِ وَرَدّ عَلَيْهِ , إِذْ قَالَ " مَا أَظُنّ أَنْ تَبِيد هَذِهِ أَبَدًا " و " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع , تَقْدِيره : هَذِهِ الْجَنَّة هِيَ مَا شَاءَ اللَّه . وَقَالَ الزَّجَّاج وَالْفَرَّاء : الْأَمْر مَا شَاءَ اللَّه , أَوْ هُوَ مَا شَاءَ اللَّه ; أَيْ الْأَمْر مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : الْجَوَاب مُضْمَر , أَيْ مَا شَاءَ اللَّه كَانَ , وَمَا لَا يَشَاء لَا يَكُون .

لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

أَيْ مَا اِجْتَمَعَ لَك مِنْ الْمَال فَهُوَ بِقُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى وَقُوَّته لَا بِقُدْرَتِك وَقُوَّتك , وَلَوْ شَاءَ لَنَزَعَ الْبَرَكَة مِنْهُ فَلَمْ يَجْتَمِع .

قَالَ أَشْهَب قَالَ مَالِك : يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَنْزِله أَنْ يَقُول هَذَا . وَقَالَ اِبْن وَهْب قَالَ لِي حَفْص بْن مَيْسَرَة : رَأَيْت عَلَى بَاب وَهْب بْن مُنَبِّه مَكْتُوبًا " مَا شَاءَ اللَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ " . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَة : ( أَلَا أَدُلّك عَلَى كَلِمَة مِنْ كُنُوز الْجَنَّة - أَوْ قَالَ كَنْز مِنْ كُنُوز الْجَنَّة ) قُلْت : بَلَى يَا رَسُول اللَّه , قَالَ ( لَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ إِذَا قَالَهَا الْعَبْد قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى . وَفِيهِ :

. وَرُوِيَ أَنَّهُ مَنْ دَخَلَ مَنْزِله أَوْ خَرَجَ مِنْهُ فَقَالَ : بِاسْمِ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ تَنَافَرَتْ عَنْهُ الشَّيَاطِين مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ الْبَرَكَات .

وَقَالَتْ عَائِشَة : إِذَا خَرَجَ الرَّجُل مِنْ مَنْزِله فَقَالَ بِاسْمِ اللَّه قَالَ الْمَلَك هُدِيت , وَإِذَا قَالَ مَا شَاءَ اللَّه قَالَ الْمَلَك كُفِيت , وَإِذَا قَالَ لَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ قَالَ الْمَلَك وُقِيت .

. وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا خَرَجَ الرَّجُل مِنْ بَاب بَيْته أَوْ بَاب دَاره كَانَ مَعَهُ مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِهِ فَإِذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّه قَالَا هُدِيت وَإِذَا قَالَ لَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ قَالَا وُقِيت وَإِذَا قَالَ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه قَالَا كُفِيت قَالَ فَيَلْقَاهُ قَرِينَاهُ فَيَقُولَانِ مَاذَا تُرِيدَانِ مِنْ رَجُل قَدْ هُدِيَ وَوُقِيَ وَكُفِيَ ) . وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه فِي عُلُوم الْحَدِيث : سُئِلَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة عَنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَحَاجَّتْ الْجَنَّة وَالنَّار فَقَالَتْ هَذِهِ - يَعْنِي الْجَنَّة - يَدْخُلنِي الضُّعَفَاء ) مَنْ الضَّعِيف ؟ قَالَ : الَّذِي يُبَرِّئ نَفْسه مِنْ الْحَوْل وَالْقُوَّة يَعْنِي فِي الْيَوْم عِشْرِينَ مَرَّة أَوْ خَمْسِينَ مَرَّة .

وَقَالَ أَنَس بْن مَالِك قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ لَمْ يَضُرّهُ عَيْن ) . وَقَدْ قَالَ قَوْم : مَا مِنْ أَحَد قَالَ مَا شَاءَ اللَّه كَانَ فَأَصَابَهُ شَيْء إِلَّا رَضِيَ بِهِ .

وَرُوِيَ أَنَّ مَنْ قَالَ أَرْبَعًا أَمِنَ مِنْ أَرْبَع : مَنْ قَالَ هَذِهِ أَمِنَ مِنْ الْعَيْن , وَمَنْ قَالَ حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل أَمِنَ مِنْ كَيْد الشَّيْطَان , وَمَنْ قَالَ وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّه أَمِنَ مَكْر النَّاس , وَمَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ أَمِنَ مِنْ الْغَمّ .

إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا

" إِنْ " شَرْط " تَرَنِ " مَجْزُوم بِهِ , وَالْجَوَاب " فَعَسَى رَبِّي " و " أَنَا " فَاصِلَة لَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب . وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب تَوْكِيدًا لِلنُّونِ وَالْيَاء . وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلّ مِنْك " بِالرَّفْعِ ; يَجْعَل " أَنَا " مُبْتَدَأ و " أَقَلّ " خَبَره , وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الثَّانِي , وَالْمَفْعُول الْأَوَّل النُّون وَالْيَاء ; إِلَّا أَنَّ الْيَاء حُذِفَتْ لِأَنَّ الْكَسْرَة تَدُلّ عَلَيْهَا , وَإِثْبَاتهَا جَيِّد بَالِغ وَهُوَ الْأَصْل لِأَنَّهَا الِاسْم عَلَى الْحَقِيقَة .


****************

فَعَسَى رَبِّي

بِمَعْنَى لَعَلَّ أَيْ فَلَعَلَّ رَبِّي .

أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ

أَيْ فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ فِي الدُّنْيَا .

وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا

أَيْ عَلَى جَنَّتك .

حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا

أَيْ مَرَامِي مِنْ السَّمَاء , وَاحِدهَا حُسْبَانَة ; وَالْحُسْبَانَة السَّحَابَة , وَالْحُسْبَانَة الْوِسَادَة , وَالْحُسْبَانَة الصَّاعِقَة . وَالْحُسْبَان ( بِالضَّمِّ ) : الْعَذَاب . وَقَالَ أَبُو زِيَاد الْكِلَابِيّ : أَصَابَ الْأَرْض حُسْبَان أَيْ جَرَاد . وَالْحُسْبَان أَيْضًا الْحِسَاب , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ " . وَقَدْ فُسِّرَ الْحُسْبَان هُنَا بِهَذَا . قَالَ الزَّجَّاج : الْحُسْبَان مِنْ الْحِسَاب ; أَيْ يُرْسِل عَلَيْهَا عَذَاب الْحِسَاب , وَهُوَ حِسَاب مَا اِكْتَسَبَتْ يَدَاك ; فَهُوَ مِنْ بَاب حَذْف الْمُضَاف . وَالْحُسْبَان أَيْضًا : سِهَام قِصَار يُرْمَى بِهَا فِي طَلْق وَاحِد , وَكَانَ مِنْ رَمْي الْأَكَاسِرَة . وَالْمَرَامِي مِنْ السَّمَاء عَذَاب . " فَتُصْبِح صَعِيدًا زَلَقًا " يَعْنِي أَرْضًا بَيْضَاء لَا يَنْبُت فِيهَا نَبَات وَلَا يَثْبُت عَلَيْهَا قَدَم , وَهِيَ أَضَرّ أَرْض بَعْد أَنْ كَانَتْ جَنَّة أَنْفَع أَرْض ; و " زَلَقًا " تَأْكِيد لِوَصْفِ الصَّعِيد ; أَيْ تَزِلّ عَنْهَا الْأَقْدَام لِمَلَاسَتِهَا . يُقَال : مَكَان زَلَق ( بِالتَّحْرِيكِ ) أَيْ دَحْض , وَهُوَ فِي الْأَصْل مَصْدَر قَوْلك : زَلِقَتْ رِجْله تَزْلَق زَلَقًا , وَأَزْلَقَهَا غَيْره . وَالزَّلَق أَيْضًا عَجْز الدَّابَّة . وَالْمُزْلَقَة : الْمَوْضِع الَّذِي لَا يَثْبُت عَلَيْهِ قَدَم . وَكَذَلِكَ الزَّلَّاقَة . وَالزَّلْق الْحَلْق , زَلَقَ رَأْسه يَزْلِقهُ زَلْقًا حَلَقَهُ ; وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهَا تَصِير مَزْلَقَة , بَلْ الْمُرَاد أَنَّهَا لَا يَبْقَى فِيهَا نَبَات كَالرَّأْسِ إِذَا حُلِقَ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَعْر ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ .

************

أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا

أَيْ غَائِرًا ذَاهِبًا , فَتَكُون أَعْدَم أَرْض لِلْمَاءِ بَعْد أَنْ كَانَتْ أَوْجَدَ أَرْض لِلْمَاءِ . وَالْغَوْر مَصْدَر وُضِعَ مَوْضِع الِاسْم ;وَقِيلَ : أَوْ يُصْبِح مَاؤُهَا ذَا غَوْر ; فَحَذَفَ الْمُضَاف ; مِثْل " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة "

فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا

أَيْ لَنْ تَسْتَطِيع رَدّ الْمَاء الْغَائِر , وَلَا تَقْدِر عَلَيْهِ بِحِيلَةٍ . وَقِيلَ : فَلَنْ تَسْتَطِيع طَلَب غَيْره بَدَلًا مِنْهُ . وَإِلَى هَذَا الْحَدِيث اِنْتَهَتْ مُنَاظَرَة أَخِيهِ وَإِنْذَاره .


******************
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ

أَيْ أُهْلِك مَاله كُلّه . وَهَذَا أَوَّل مَا حَقَّقَ اللَّه تَعَالَى بِهِ إِنْذَار أَخِيهِ .

فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا

أَيْ فَأَصْبَحَ الْكَافِر يَضْرِب إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى نَدَمًا ; لِأَنَّ هَذَا يَصْدُر مِنْ النَّادِم . وَقِيلَ : يُقَلِّب مِلْكه فَلَا يَرَى فِيهِ عِوَض مَا أَنْفَقَ ; وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْك قَدْ يُعَبَّر عَنْهُ بِالْيَدِ , مِنْ قَوْلهمْ : فِي يَده مَال , أَيْ فِي مِلْكه مَال . وَدَلَّ قَوْله " فَأَصْبَحَ " عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِهْلَاك جَرَى بِاللَّيْلِ ; كَقَوْلِهِ " فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِف مِنْ رَبّك وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ " وَيُقَال : أَنْفَقْت فِي هَذِهِ الدَّار كَذَا وَأَنْفَقْت عَلَيْهَا .

وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا

أَيْ خَالِيَة قَدْ سَقَطَ بَعْضهَا عَلَى بَعْض ; وَيُقَال سَاقِطَة ; كَمَا يُقَال فَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا أَيْ سَاقِطَة عَلَى سُقُوفهَا ; فَجَمَعَ عَلَيْهِ بَيْن هَلَاك الثَّمَر وَالْأَصْل , وَهَذَا مِنْ أَعْظَم الْجَوَانِح , مُقَابَلَة عَلَى بَغْيه .

وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي

أَيْ يَا لَيْتَنِي عَرَفْت نِعَم اللَّه عَلَيَّ , وَعَرَفْت أَنَّهَا كَانَتْ بِقُدْرَةِ اللَّه وَلَمْ أَكْفُر بِهِ . وَهَذَا نَدَم مِنْهُ حِين لَا يَنْفَعهُ النَّدَم .


**************

وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ

أَيْ فِرْقَة وَجَمَاعَة يَلْتَجِئ إِلَيْهِمْ .

وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا

أَيْ مُمْتَنِعًا .
أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَشِيرَة يَمْنَعُونَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه , وَضَلَّ عَنْهُ مَنْ اِفْتَخَرَ بِهِمْ مِنْ الْخَدَم وَالْوَلَد .

**************

هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ

أَيْ لَهُ الْمُلْك وَالْحُكْم يَوْمئِذٍ , أَيْ لَا يُرَدّ أَمْره إِلَى أَحَد ; وَالْمُلْك فِي كُلّ وَقْت لِلَّهِ وَلَكِنْ تَزُول الدَّعَاوَى وَالتَّوَهُّمَات يَوْم الْقِيَامَة .

هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا

أَيْ اللَّه خَيْر ثَوَابًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِمَنْ آمَنَ بِهِ , وَلَيْسَ ثَمَّ غَيْر يُرْجَى مِنْهُ , وَلَكِنَّهُ أَرَادَ فِي ظَنّ الْجُهَّال ; أَيْ هُوَ خَيْر مَنْ يُرْجَى .

وَخَيْرٌ عُقْبًا

قَرَأَ عَاصِم وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَيَحْيَى " عُقْبًا " سَاكِنَة الْقَاف , الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا , وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد ; أَيْ هُوَ خَيْر عَافِيَة لِمَنْ رَجَاهُ وَآمَنَ بِهِ . يُقَال : هَذَا عَاقِبَة أَمْر فُلَان وَعُقْبَاهُ وَعُقْبه , أَيْ آخِره .




>>>>>>>>>>>>> يتبع