السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كما تكونوا يُولى عليكم
هذه الكلمة ليست حديثاً نبوياً وإن اشتُهر ذلك عند الناس، ولكنها حكمة
درجت على ألسنة الاجتماعيين والمؤرخين خاصة، لأنها قاعدة سلطانية
مطردة، شهد لها البحث الاستقرائي للتاريخ، فلا تكاد تحكم جماعة إلا بما
يناسب مستواها من الصلاح أو غيره، وكل سلطان من طينة رعيته، ومعلوم
أن الله عز وجل سلَّط فرعون على قومه لأنهم كانوا على مستواه، كما قال سبحانه:
(فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين)(الزخرف:54)،
فوصفهم بالفسق،
فلذلك سلَّط الله عليهم من يناسبهم، قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(16/338):
(والخفيف هو السَّفيه الذي لا يعمل بعلمه، بل يتبع هواه).
ويبدو أن هذه الحكمة قديمة، فقد قال العجلوني في (كشف الخفاء)(1/147)
رواه الطبراني عن الحسن البصري أنه سمع رجلاً يدعو على الحجاج،
فقال له: لا تفعل، إنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن عُزل الحجاج أو مات
أن يتولى عليكم القردة والخنازير، فقد روي أن أعمالكم عُمالكم، وكما تكونوا يُولى عليكم).
وقوله :فقد روي:
دليل على أنها كانت قبله، وسيأتي في بعض كلام السلف إسنادها إلى بعض الأنبياء، وحسبكم بذلك دليلاً على قدمها، ولعله لما كانت قاعدة اجتماعية سلطانية
مطردة في تاريخ البشرية لم يعلم
لها الأصل الأول، والله أعلم.
وقد سبق تبيين أن النفس هي أول جذور البلية، وسبق أيضاً تبيين أن الناسيجنون ثمار أعمالهم،
ومن هذه الثمار حال ملوكهم،
فإنها تابعة لما يفارقون من أعمال،
ولذا يقال:
ظلم العُمال ظلمة الأعمال، والمقصود بالعمال الأمراء والمسئولون،
فإنه كان يقال: فلان عامل، وهو الذي يعنون به اليوم (الوالي) و(المحافظ) ونحوهما،
وكان يقال عندنا إلى عهد قريب للمدينة الكبيرة:
عمالة كذا، على معنى
(المحافظة) و(الولاية)، ويقال للقائم عليها: عامل، ثم تحرفت هذه الكلمة اليوم في الاصلاح الإداري إلى
المعنى المقابل، فيطلقون على
كل من تدنت رتبته الاجتماعية
اسم عامل، فلعله يضم إلى المناهي اللفظية، ما دامت نتائج فهمه عكسية!
إذاً، فمعنى قولهم: (ظلم العُمال ظلمة الأعمال):أن ظلم المسئولين متسبب
عن ظُلمة أعمال رعيتهم.
منقول من كتاب
كما تكونوا يُولى عليكم
بقلم الشيخ
عبد المالك بن أحمد المبارك رمضاني الجزائري
__________________
جعل مانقلت في ميزان حسناتك
ونفع الله بك غاليتي
ولاحرمتِ الأجر
توقيع :