لوجي2005

لوجي2005 @logy2005

محررة برونزية

ماذا قال رسولنا عليه افضل الصلاة والسلام عن الفتن جداً رائع ومن واقع فتن زمانا

الملتقى العام

بما يقع في أمته من الفتن منذ وفاته وإلى قيام الساعة
من أعلام نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودلائل صدقه، وصدق ما جاء به، إخباره صلى الله عليه وسلم بما يقع بعده في أمته من الفتن الصغار والكبار وإلى قيام الساعة، ومجيء الأمر على ما حدث به.
والآن بيننا وبين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وأربعمائة وألف من السنين، وقد وقع فيها عدد كبير جداً من الفتن والأحداث العظام، وكلها وقعت على النحو الذي حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم تماماً.
وبقيت أحداث كثيرة، وفتن أخرى نسأل الله أن يعصمنا منها بفضله وإحسانه وكرمه، ولا شك أن كلها واقعة على النحو الذي حدث به رسول الله تماماً.
وسنعرض بحول الله في المقالات الآتية مجموعة كبيرة مما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم مما وقع، ومما لم يقع ليكون هذا زيادة في إيمان المؤمن، ودليلاً للشاك المتحير، وحجة على المعاند وشفاءاً لمن في قلبه مرض ممن أراد الله شفاءه، وتبصيراً للمؤمن أن يقع في شيء مما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة ونحن في العصر الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رواه مسلم)
فنسأل الله أن يعصمنا وإخواننا المؤمنين من الفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن، وما مضى منها، وما وقع، وما يأتي فإنه (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم).
(1) النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه من بعد صلاة الفجر إلى المغرب فيحدثهم لكل فتنة منذ وقته وإلى قيام الساعة:
روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى عمرو بن أخطب: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا. (رواه مسلم)
(2) إخباره صلى الله عليه وسلم بتوالي الفتن بعده والواجب على المسلم تجاهها:
قال مسلم رحمه الله: حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبدالرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه، فأتيته فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ، فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً}. قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله وأعصه في معصية الله. (3/1472)
(3) الفتنة التي تموج كموج البحر: مقتل عمر بن الخطاب، والخروج على عثمان، ووقوع السيف في أمة الإسلام!!
أعظم الفتن شراً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفتنة الكبرى التي تموج كموج البحر، والتي لا ينتهي شرها إلى قيام الساعة هي: افتراق أمة الإسلام شيعاً وأحزاباً يقاتل بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، ووقوع السيف بين المسلمين في حرب الجمل وصفين، وقد كانت بداية هذه الفتنة، وكسر الباب المغلق دونها هو قتل الفاروق عمر بن الخطاب الذي جعله سداً للفتن، فلما قتل انكسر السد، وفتح الباب على مصراعيه، فبدأ الخلاف صغيراً، ثم انتهى كبيراً بمقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم انهارت الوحدة الجامعة والألفة المانعة، وانقسم معسكر الإسلام إلى معسكرين، وراح السيف الإسلامي يحطم السيف الإسلامي، وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم بكل ذلك، ووقع الأمر كما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم.
(4) الفتنة التي تموج كموج البحر:
فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه قال: حدثنا عمرو بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق: سمعت حذيفة يقول: بينا نحن جلوس عند عمر إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليس عن هذا أسألك؟ ولكن التي تموج كموج البحر؟ فقال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: لا. بل يكسر. قال عمر: إذاً لا يغلق أبداً!!. قلت: أجل.
قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غدٍ ليلة، وذلك أني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأله مَنِ الباب؟، فأمرنا مسروقاً فسأل فقال: من الباب؟ قال: عمر.
وفي هذا الحديث من الدلائل:
(1) إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الفتنة الكبرى التي تموج كموج البحر لا تقع في المسلمين إلا بعد مقتل عمر بن الخطاب، وقد كان.
(2) إخباره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان باباً وسداً للفتنة، وقد كان الأمر كما حدث به تماماً صلى الله عليه وسلم، فإن خلافته كانت رشداً ونصحاً للأمة، وفيها تمت الفتوح الكبرى، وانتظم عقد أهل الإسلام جميعاً، ولم يحصل في خلافته خلاف بين المسلمين، وكانوا كأنهم على قلب رجل واحد.
(3) ومن أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إخباره بأن عمر يكون خليفة للناس وتجتمع الأمة عليه، وتعصم الأمة به من الفتنة، وكل هذا كان إخباراً بغيب لم يقع، وقد وقع على النحو الذي حدث به تماماً صلوات الله وسلامه عليه.
(4) إخباره بأن عمر يقتل شهيداً وقد كان عمر يعلم ذلك تماماً، ويدعو أن تكون شهادته في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقعت في محراب النبي صلى الله عليه وسلم، وكسر الباب الذي كان عاصماً من الفتنة.
(5) لم يكن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعلمون تفصيلات هذه الأمور، فإن منهم الحافظ، ومنهم غير الحافظ، ومنهم الفقيه الذي يعلم الفحوى والإشارة والمعنى المؤول، ومنهم من لم يدرك ذلك.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث في الأمور المستقبلية غالباً بالرمز والإشارة كما هو الحال في الرؤيا، فإنها تحتاج إلى التعبير والتأويل، كما سمي هنا عمر باباً للفتنة، وأنه يكسر ولا يفتح، وكان معنى كونه باباً أن وجوده كان عاصماً ومانعاً من دخول الفتنة على المسلمين وكون الباب يكسر أي أنه يقتل.
(5) إخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه مظلوماً شهيداً:
قال الإمام مسلم رحمه الله: حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر عن شريك بن عبدالله بن سعيد بن المسيب عن أبي موسى الأشعري قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حائط من حوائط المدينة لحاجته، وخرجت في إثره، فلما دخل الحائط جلست على بابه وقلت: لأكونن اليوم بواب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرني، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وقضى حاجته، وجلس على قف البئر فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فجاء أبو بكر يستأذن عليه ليدخل، فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك!! فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله أبو بكر يستأذن عليك؟ قال: ، فجاء عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فجاء عمر فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: . فجاء عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فكشف عن ساقيه فدلاهما في البئر، فامتلأ القف فلم يكن فيه مجلس، ثم جاء عثمان فقلت كما أنت حتى استأذن لك!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: !! فدخل فلم يجد معهم مجلساً فتحول حتى جاء مقبلهم على شفة البئر، فكشف عن ساقيه ثم دلاهما في البئر، فجعلت أتمنى أخا لي وأدعو الله أن يأتي.
قال ابن المسيب: فتأولت ذلك قبورهم، اجتمعت ههنا وانفرد عثمان. وهذا الحديث رواه الإمام البخاري.
وقال الترمذي رحمه الله: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، أخبرنا شاذان الأسود بن عامر عن سنان بن هارون عن كليب بن وائل عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال: يقتل هذا فيها مظلوماً لعثمان بن عفان رضي الله عنه!!
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا أبو المغيرة، قال ثنا الوليد بن سليمان، قال حدثني ربيعة بن يزيد عن عبدالله بن عامر عن النعمان بن بشير عن عائشة قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأينا رسول الله، أقبلت إحدانا على الأخرى، فكان من آخر كلام كَلَّمَه أن ضرب منكبه، وقال: !! (ثلاثاً)، فقلت لها: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك؟ قالت: نسيته والله فما ذكرته!!
قال:فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلي به فكتبت إليه به كتاباً.
وفي هذه الأحاديث من الفوائد ودلائل النبوة ما يلي:
1- بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بالجنة دليل على صدق الصديق وأمانته وإيمانه، وأنه يبقى على الإسلام وفياً له كما كان في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد وقع الأمر على هذا النحو فكان الصديق صديقاً، وقائماً بالأمر بعده كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وبشر، وقد مات يوم مات والمسلمون جميعاً راضون عنه، شاكرون لصنيعه رضي الله عنه وأرضاه.
2- وكذلك كانت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه بالجنة دليلاً على صدقه وأمانته وإيمانه، وبقائه على الإسلام، وقد وقع الأمر كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم.
3- وبشارة النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه بالجنة دليل على بقائه رضي الله عنه على الإسلام وإحسانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما أحسن في حياته صلى الله عليه وسلم، وقد كان، فقد كان رضي الله عنه الخليفة الراشد الذي اجتمعت الكلمة عليه، وامتدت الفتوح في عهده حتى وقف المسلمون عند أسوار القسطنطينية، وتم فتح فارس بكاملها، ووصل الفتح غرباً إلى المحيط الأطلسي... ثم إنه وقعت له البلوى التي أخبره بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: ، وقد وقعت البلوى وهي خروج من خرج عليه ممن يريد نزع الخلافة منه. وقد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم هذا بالإشارة لا بالتصريح كما جاء في الحديث: !! (ثلاثاً)
فكان القميص الخلافة، وكان المراد من نزع القميص عنه نزع الخلافة منه، ولذلك لم يجبهم عثمان رضي الله عنه إلى ما أرادوه تمسكاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره، وقد قتل رضي الله عنه يوم قتل مظلوماً شهيداً تالياً للقرآن مقيماً للصلاة، قائماً بالدين.
وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بما يقع له من البلوى، ومحاولة انتزاع الخلافة منه ووقوع الأمر كما حدث صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وقد اطلع عليه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم.


(6) تحذيره صلى الله عليه وسلم من القتال في الفتنة، وتوجيهه أصحابه إلى الهرب منها ولو في رؤوس الجبال:
فقد روى الإمام البخاري رضي الله عنه بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
وقال الإمام البخاري أيضاً:
حدثنا عبدالعزيز الأويسي حدثنا إبراهيم عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (6/612) وقد نفع الله بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا طائفة عظيمة اعتزلوا القتال عندما وقع السيف بين المسلمين، وابتعدوا بأنفسهم عن القتال. منهم: سعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ومحمد بن سلمة الأنصاري، وغيرهم.
(7) تحذيره صلى الله عليه وسلم زوجاته من الخروج في الفتنة، وإخباره أن واحدة تخرج وتنبح عليها كلاب الحوأب:
وقد وقع الأمر كما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد خرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مع طلحة بن عبدالله رضي الله عنه الزبير بن العوام رضي الله عنه تريد الإصلاح بين الناس ولما كانت بالطريق إلى العراق مرت على ماء يسمى ماء الحوأب، فنبحتها كلاب، فسألت: أي ماء هذا؟ فقالوا: ماء الحوأب!! فقالت: إني راجعة!! وتذكرت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام أحمد قال: ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عائشة قالت: لما أتيت على الحوأب سمعت نباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: .
فقال لها الزبير: ترجعين؟!! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس. (6/97)
فاستمرت رضي الله عنها في مسيرها بعد مقالة الزبير رضي الله عنه، ووقع ما وقع من حرب الجمل… وقد ندمت رضي الله عنها على حضورها هذه الحرب، وكانت فتنة كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنه لمن احتج بخروجها: والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم بها أتطيعونه أم تطيعونها!!



(8) إخباره صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضي الله عنه بأن الفئة الباغية تقتله:
ومن دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم إخباره عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه يموت شهيداً، وأن الذين يقتلونه هم الفئة الباغية... وكان إخبار الرسول له في أول مقدم النبي إلى المدينة والمسلمون يبنون مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان كل رجل يحمل لبنة لبنة، وأما عمار فكانوا يحملونه لبنتين لبنتين، فقال: قتلوني يا رسول الله!! فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح التراب عنه ويقول: !!
ولما حضر عمار موقعة صفين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أهل المعسكرين ينتظرونه ويترقبون من الذي سيقتل عمار بن ياسر ليعلموا أي الطائفتين على الحق، ومن هي الطائفة الباغية!!
فقد روى الإمام البخاري رحمه الله قال: حدثنا مسدد قال حدثنا عبدالعزيز بن مختار قال حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقا فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول: . قال: يقول عمار أعوذ بالله من الفتن. (رواه البخاري 1/51)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: (فائدة): روى حديث تقتل عماراً الفئة الباغية جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبدالله بن عمرو بن العاص عن النسائي، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن علياً لم يكن مصيباً في حروبه.
قلت: مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه في سنة ست وثلاثين في موقعة صفين، فيكون إخبار النبي صلى الله عليه وسلم قد وقع قبل ست وأربعين سنة!! وقد وقع الأمر كما حدث به صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
(9) إخباره صلى الله عليه وسلم باجتماع أمة الإسلام بعد الفرقة بالصلح الذي قام به الحسن بن علي رضي الله عنهما، وحقن به وماء المسلمين وجمع به كلمتهم: 
فقد روى الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا عبدالله بن محمد ثنا سفيان عن أبي موسى قال سمعت الحسن يقول: استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية -وكان والله خير الرجلين- أي عمرو!! إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء من لي بأمور الناس، من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس -عبدالرحمن بن سمرة وعبدالله بن عامر بن كريز- فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلباً إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنوا عبدالمطلب قد أصبنا من هذا المال، وأن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به فصالحه. فما سألهما شيئاً إلا قالا على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. قال أبو عبدالله: قال لي علي بن المديني: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث. (5/305)
قلت: وهذا الحديث من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وعلامات نبوة صدقه، فإن هذا الصلح قد وقع في سنة إحدى وأربعين من هجرته، وهذا الذي حدث به النبي غيب من لا يعلمه إلا الله، وقد اطلع نبيه عليه فحدث به، ووقع الأمر كما حدث به تماماً صلى الله عليه وسلم.
فقد كتب الله -عز وجل- على العباد أنواعًا من الفتن، وقدَّر لهم أشتاتًا من البلاء؛ ليتبين الصادق من الكاذب، وليعلم المحق من المبطل، وليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين.فمنذ أن انكسر باب الفتنة بمقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، والفتن تطل برأسها الفينة بعد الفينة، والناس إثر ذلك بين ناج مُسلَّم ومخدوش مُكْلَم، ومُكردَس في الفتنة.والسعيد منهم من جنـَّبه الله الفتنة، ومن ابتلاه بها فصبر. والشقي من وقع فيها أو لحقه شيء من عبابها.عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ) (متفق عليه).وإن من أعظم الفتن التي قلَّ من يسلم منها وقوع البأس بين المسلمين وبعضهم البعض، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أعوذ بوجهك)، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) قال: (أعوذ بوجهك)، (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) قال: (هَذَا أَهْوَنُ أَوْ هَذَا أَيْسَرُ) (رواه البخاري).وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا) (رواه مسلم).فوقوع البأس والاختلاف والتصادم والاقتتال بين بعض طوائف المسلمين -ممن لهم ذكر حسن بين الناس- مما كتبه الله قدرًا وكونًا، لكن يستشري أمره على يد أقوام زُين له سوء أعمالهم فرأوه حسنـًا، فيحبون لون الدم، ويتشفون لمشهد القتل، فلا يهدأ بالهم حتى تشتعل الفتنة وتضطرم نيرانها، فيأخذون بنصيبهم من رمادها، وتجرهم بأذيالها، فلا تتركهم حتى ترمي بهم على شفا حفرة من النار.وعند اشتداد الفتنة وفي خضم المنازعات والخصومات والمعارك الطاحنة لا تكاد تعرف محقًا من مبطل، وصادقًا من كاذب، فأغلب الأخبار المتناقلة في ظروف الفتنة يحوطها الكذب والتلفيق من بعض المتنازعين من الطائفتين، فلا تكاد تجد خبرًا عند طائفة إلا وتجد ما يناقضه عند الأخرى، فإما أن يميل الرجل إلى إحدى الطائفتين وإما أن يرد كلا الخبرين، فالناس بين مؤثر لهوى طائفة على حساب الأخرى، أو ساكت ليس له في المشاركة في الفتنة عير ولا نفير، وأما المصلحون فقد تكبدوا عناء هذه المهمة التي لا تؤتي ثمارها عادة إلا بعد أن تأكل الفتنة ما شاء الله أن تأكل من: أنفس وأعراض وأموال.والواقعون في الفتنة ممن آثروا الركون إلى أحد طرفيها يعيشون سكرًا أشبه بسكر الخمور، فلا يقبلون إلا ما وافق أهوائهم، ولا يسعد إلا من صبر على ما يجد وتمنى أن تذهب الفتنة وإن كان على حساب نفسه كما كان من أمر عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.روى أبو داود عن المقداد بن الأسود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إنها ستكون هنَات وأمور مُشبَّّهات، فعليك بالتؤدة، فتكون تابعًا في الخير خير من أن تكون رأسًا في الشر".وقال حذيفة -رضي الله عنه-: "إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحد، فوالله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيلُ الدمنَ، إنها مشبهة مقبلة، وتُبين مدبرة، فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم، وكسروا سيوفكم، وقطعوا أوتاركم".قال شمر: "معناه أن الفتنة إذا أقبلت شبهت على القوم، وأرتهم أنهم على الحق حتى يدخلوا فيها، ويركبوا منها ما لا يحل، فإذا أدبرت وانقضت بان أمرها، فعلم من دخل فيها أنه كان على الخطأ" لسان العرب: 13/503.ولذلك وجدنا من يستحل الدماء والأموال لأجل شبهات واهية ظنًا منه أنه على الحق، وما استمع لنصح الناصحين، حتى تبين له سقوطه في الفتنة، فرجع عما أقدم عليه من قبل، ولكن بعدما أكلت فتنته ما لا يحل لها من أنفس معصومة وأموال محرمة.وأكثر هؤلاء الواقعين هم ممن لهم السيادة والرأي، كما قال حذيفة -رضي الله عنه-: "إن الفتنة وكلت بثلاث: النحرير الذي لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد؛ فأما هذان فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتبحثه حتى تبلو ما عنده".ومقصده أن أسرع الناس إليها المتهور الأهوج الذي يفكر بسيفه لا بعقله، وخطيب الفتنة الذي يسعى فيها بلسانه، وأما السيد فالفتنة امتحان له؛ لأنه متبوع.وسئل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: أي أهل هذا الزمان شر؟ فقال: كل خطيب مِسقَع، وكل راكب مُوضِع.قال الشيخ محمد إسماعيل -حفظه الله-: "الخطيب المِسقع والمِصقع: البليغ، ومن لا يرتج في كلامه ولا يتتعتع، والراكب المُوضِع: المسرع فيها. وإنما قال ابن مسعود -رضي الله عنه- ذلك لأن الأول محرض على الفتنة بلسانه، والآخر بسنانه، فاجتمع الشران؛ شر القول وشر العمل" اهـ.ولذلك فهؤلاء أول من يبوء بإثم من وقع في الفتنة جهلاً منه، وإنما كانوا هم قدوته في التيه، فتاه لتيههم، وضل لضلالهم، وقد كان سيد القراء مسلم بن يسار أخرج في فتنة ابن الأشعث مكرهًا، فوقف بين الصفين ولم يشارك في القتال، فلما انجلت الفتنة ندم على موقفه ذلك، فعن أبي قلابة -رحمه الله- قال: "لما انجلت فتنة ابن الأشعث كنا في مجلس ومعنا مسلم بن يسار، فقال مسلم: الحمد لله الذي أنجاني من هذه الفتنة، فوالله ما رميت فيها بسهم، ولا طعنت فيها برمح، ولا ضربت فيها بسيف. قال أبو قلابة: فقلت له: فما ظنك يا مسلم بجاهل نظر إليك فقال: والله ما قام مسلم بن يسار سيد القراء هذا المقام إلا وهو يراه عليه حقا؛ فقاتل حتى قتل؟! قال: فبكى، حتى تمنيت أني لم أكن قلت شيئًا".والعقلاء في زمن الفتنة ساعون بالإصلاح بين الطائفتين بما منَّ الله عليه من علم وبصيرة وتثبت في الأخبار وحجة قوية وسلطان نافذ، فإن لم يستطيعوا وحيل بينهم وبين الوصول؛ فالصمت في هذه الحال هو المأمول. ومن تفكر في أحوال من سبق علم أنهم آثروا الصمت في الفتنة لعدم إمكان التثبت في الأخبار، أو لعجزهم عن فرض السلم بين سكارى التنازع.قال النووي -رحمه الله-: "اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء" اهـ.قال ابن حبان -رحمه الله-: "الرافق لا يكاد يُسبق، كما أن العَجِل لا يكاد يَلْحق، وكما أن من سكت لا يكاد يندم، كذلك من نطق لا يكاد يسلم، والعَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويَحمد قبل أن يُجرِّب، ويذم بعدما يَحمد، ويعزم قبل أن يفكر، ويُمضي قبل أن يعزم، والعَجِل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكنى العَجلة أم الندامات" اهـ.وعن يزيد بن أبي حبيب قال: "إن المتكلم لينتظر الفتنة، وإن المنصت لينتظر الرحمة".وعن أبي الذيال قال: "تعلم الصمت كما تتعلم الكلام فإن يكن الكلام يهديك فإن الصمت يقيك، ولك في الصمت خصلتان: تأخذ به علم من هو أعلم منك، وتدفع به عنك من هو أجدل منك".قال ابن القيم -رحمه الله-: "والكلام أسيرك، فإذا خرج من فيك صرت أنت أسيره".وجلس رجل مع المعافى بن عمران فقال: "ما أشد البرد اليوم . فقال له: استدفأت الآن، لو سكت لكان خيرًا لك".وقال أبو بكر بن محمد بن القاسم: "كان شيخنا أبو إسحاق الشيرازي إذا أخطأ أحد بين يديه قال: أي سكتة فاتتك"؟!وقال حماد بن زيد: "سئل أيوب السختياني عن مسألة فسكت، فقال الرجل: يا أبا بكر لم تفهم؛ أعيد عليك؟ فقال أيوب: قد فهمت، ولكني أفكر كيف أجيبك".وكان عبد الله بن الخيار يقول: "اللهم سلمنا وسلم المؤمنين منا".وقد حفِظت كتب السير كثيرًا من المواقف التي تبين فضل الصمت في زمن وجود الفتنة، ومن ذلك ما ثبت عن أبي هريرة من قوله -رضي الله عنه-: "حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ" -يقصد القتل- رواه البخاري.وحمل العلماء الوعاء الآخر على أحاديث الفتن وتسمية أمراء السوء وأحوالهم وزمانهم، فقد كان يقول أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد؛ لأنها كانت سنة ستين، فمات أبو هريرة -رضي الله عنه- سنة تسع وخمسين.ولعله لو وجد أبو هريرة في زماننا لوجدنا من يرميه بالجبن والقعود، ومن يصفه بالذلة والخنوع؛ لأنه فقط لم يعلن الإنكار حتى ولو قطع بلعومه!!وعن ثابت البناني عن مطرف قال: "إن الفتنة ليست تأتي تهدي الناس، ولكن إنما تأتي تقارع المؤمن عن دينه، ولأن يسألني ربي -عز وجل- يوم القيامة فيقول: يا مطرف ألا فعلت؟ أحب إلي من أن يقول لي: لم فعلت"؟وعن مطرف أيضًا قال: "لبثت في فتنة ابن الزبير تسعًا أو سبعًا، ما أُخبرت فيها بخبر، ولا استخبرت فيها عن خبر".وعن شريك قال: "سألت إبراهيم بن أدهم عما كان بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما-، فبكى، فندمت على سؤالي إياه، فرفع رأسه وقال: إنه من عرف نفسه اشتغل بنفسه، ومن عرف ربه اشتغل بربه عن غيره".وقال الشافعي -رحمه الله-: "قيل لعمر بن عبد العزيز: ما تقول في أهل صفين؟ قال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أخضب لساني بها".وعن الهيثم بن عبيد الصيدلاني، قال: "سمع ابن سيرين رجلاً يسب الحجاج، فقال: مه أيها الرجل! إنك لو وافيت الآخرة كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج، واعلم أن الله -عز وجل- حكم عدل، إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه شيئًا فشيئًا أخذ للحجاج ممن ظلمه، فلا تشغلن نفسك بسب أحد"!وإذا كان هذا فضل الصمت، فلأن السلامة لا يعدلها شيء؛ ولأنه ربما تكلم بكلمة كانت سببًا في قتل مسلم، أو انتهاك عرضه، أو استحلال ماله، فيتحمل القائل وزرها ووزر من عمل بها، وربما هوى بها في النار سبعين خريفـًا.ولما علم حذيفة -رضي الله عنه- بمقتل عثمان -رضي الله عنه- قال: "اللهم العن قتلته وشتامه، اللهم إنا نعاتبه ويعاتبنا، فاتخذوا ذلك سلمًا إلى الفتنة، اللهم لا تمتهم إلا بالسيوف".وقال أبو معبد عبد الله بن عكيم -رحمه الله- في خطبة له: "لا أعين على دم خليفة أبدًا بعد عثمان. فقال رجل متعجبًا: يا أبا معبد؛ أو أعنت على دمه؟ فقال أبو معبد: إني لأرى ذكر مساوئ الرجل عونـًا على دمه".قال عبد الواحد بن زيد للحسن البصري: "يا أبا سعيد أخبرني عن رجل لم يشهد فتنة ابن المهلب بن أبي صفرة إلا أنه عاون بلسانه ورضي بقلبه؟ فقال الحسن: يا ابن أخي؛ كم يد عقرت الناقة؟ قلت: يد واحدة. قال: أليس القوم قد هلكوا جميعًا برضاهم وتماليهم"؟!وعن رشيد الخباز -وكان عبدًا صالحًا- وقد رآه أبو عبيدة، قال: "خرجت مع مولاي إلى مكة، فجاورنا، فلما كان ذات يوم، جاء إنسان فقال لسفيان: يا أبا عبد الله! قدم اليوم حسن وعلي ابنا صالح. قال: وأين هما؟ قال: في الطواف. قال: إذا مرا فأرنيهما. فمر أحدهما، فقلت: هذا علي، ومر الآخر فقلت: هذا حسن. فقال: أما الأول؛ فصاحب آخرة، وأما الآخر؛ فصاحب سيف، لا يملأ جوفه شيء. قال: فيقوم إليه رجل ممن كان معنا، فأخبر عليًا، ثم مضى مولاي إلى علي يسلم عليه، وجاء سفيان يسلم عليه، فقال له علي: يا أبا عبد الله! ما حملك على أن ذكرت أخي أمس بما ذكرته؟ ما يؤمنك أن تبلغ هذه الكلمة ابن أبي جعفر فيبعث إليه فيقتله؟ قال: فنظرت إلى سفيان وهو يقول: أستغفر الله، وجادتا عيناه".وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: "كنا مع رجاء بن حيوة، فتذاكرنا شكر النعمة، فقال: ما أحد يقوم بشكر نعمة، وخلفنا رجل على رأسه كساء، فقال: ولا أمير المؤمنين؟ فقلنا: وما ذكر أمير المؤمنين هنا! وإنما هو رجل من الناس؟ قال: فغفلنا عنه، فالتفت رجاء فلم يره، فقال: أُتِيتُم من صاحب الكساء، فإن دعيتم فاستُحْلِفتُم فاحلفوا. قال: فما علمنا إلا بحرسه قد أقبل عليه، قال: هيه يا رجاء، يُذْكَر أمير المؤمنين، فلا تحتجُّ له؟! قال: فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذكرتم شكر النعم، فقلتم: ما أحد يقوم بشكر نعمة، قيل لكم: ولا أمير المؤمنين؟ فقلت: أمير المؤمنين رجل من الناس. فقلت: لم يكن ذلك. قال: آلله؟ قلت: آلله. قال: فأمر بذلك الرجل الساعي فضُرب سبعين سوطاً، فخرجت وهو مُتلوِّث بدمه، فقال: هذا وأنت رجاء بن حيوة؟قلت: سبعين سوطاً في ظهرك خير من دم مؤمن. قال ابن جابر: فكان رجاء بن حيوة بعد ذلك إذا جلس في مجلس يقول ويتلفت: احذروا صاحب الكساء".وإذا كان الصمت هو الواجب على من خاف على نفسه الفتنة، فإنه من الواجب أيضًا الأخذ على أيدي السفهاء الذين لا يبالون بالحرمات، ويلغون في الأعراض.قال الأستاذ محمد أحمد الراشد -حفظه الله-: "إن العمل الخاطئ لا يصح معه ادعاء الصلاح، ولا تسوغه النية الحسنة، والضرر يزال ويتجنب ولو لم يقصد فاعله الإساءة، وكل ناو فله ما نوى.فمن الدعاة أناس يريدون الخير للدعوة، لكنهم ورثوا سذاجة أصحاب السفينة الذين قص علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبرهم فقال، كما في لفظ البخاري: (مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِي، وَلاَ بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ).وفي لفظ ابن المبارك: أن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- كان إذا أراد سرد هذا الحديث يقول قبله: "يا أيها الناس: خذوا على أيدي سفهائكم"، فإذا سرده عاد فقال: "خذوا على أيدي سفائهكم قبل أن تهلكوا".ولقد صدق الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، وصدق النعمان، فكم من مخلص جاهل يسلك سبيل صاحب الفأس هذا في سفينة الدعوة!! ذاك حمل فأسًا... وصاحبنا يحمل اللسان.إنه يهدم ويشكك ويثبط ويفرق ويعصي، كل ذلك بدعاوى حسن النية والنقد الذاتي!إنه يجهل أن القانون على السفينة إنما هو قانون العاقبة دون غيرها، فالحكم لا يكون على العمل بعد وقوعه، بل على الشرع فيه، بل توجيه النية إليه، فلا حرية هنا في عمل يفسد السفينة ما دامت ملججة في بحرها، سائرة إلى غايتها.إن كلمة "الخرق" لا تحمل في السفينة معناها الأرضي، بل معناها البحري، فهناك لفظة "أصغر خرق" ليس لها إلا معنى "أوسع قبر" في قاع المحيط المظلم، لو ترك هذا الخرق الصغير وشأنه. وكذا حسن النية، إنه لا يحمل عندنا في علاقاتنا معناه الأخروي الذي يحاسب الله بموجبه عباده، فالإفساد واحد حتى وإن كان بنية حسنة. أفما رأيت حالة هذه الطائفة التي في "الأسفل" تعمل لرحمة من هم في "الأعلى"؟إنها قصة القواعد الساذجة مع القيادات العاملة؛ عاطفة ملتهبة، لكنها باردة، ومشاعر صادقة... لكنها كاذبة، ورحمة خالصة، لكنها مهلكة، إنهم المصلحون إصلاحا مخروقًا" اهـ.قال الشيخ محمد إسماعيل -حفظه الله-:"ومن أهم المظاهر التي تشد المسلمين شدًا إلى حبل الله وصراطه المستقيم المواظبة على حضور صلاة الجماعة حتى في أحلك أوقات الفتن، باعتبار ذلك من مظاهر التعاون على البر والتقوى، وهي إن لم تستأصل الفتنة فإنها تحجم أضرارها، وتذكر المسلمين بأخوة الإيمان ووحدة العقيدة واستصحاب أصل الائتلاف والتلاحم" اهـ.اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت فتنة قوم فتوفنا غير مفتونين، نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضى والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيما لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضى بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين، والحمد لله رب العالمين.
5
5K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

لوجي2005
لوجي2005
منقول للامانة اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وهذا من واقعنا الان سوريا مصر العراق وغيرها من البلدان
روز علي
روز علي
لا إله إلا الله محمد رسول الله
جزاكي الله الجنه وبتوفيق
شهد وشدن
شهد وشدن
جزاك الله خير
sosocanada
sosocanada
اللهم صلي وسلم على نبيك محمد
جزاك الله خير
اللهم اكفنا شر الفتن
وردة البهجة
وردة البهجة
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن